دائرة التحليل الاقتصادي

احمد ماجد الجمال
التحليل الاقتصادي عملية تراكمية، وما إن تنتهى مرحلة حتى تبدأ أخرى، وتستوفي ذلك الدول الفقيرة والغنية، وإذا كان الأمر كذلك؛ فالسؤال الملح بالنسبة لنا الآن هو: ما هي سمات التحليل الاقتصادي الذي يتناسب مع متطلبات المرحلة ؟
يمكننا القول إنه حان الوقت المناسب وفي هذه المرحلة والأوضاع التي تمر بها البلاد كانعكاس لحالة الحرب إلى طرح حلول منطقية بالتوسع رأسياً في إعداد الإحصاءات الاقتصادية المتخصصة لتكون أكثر دقة وشفافية لخدمة الاقتصاد والاستثمار وتطوير واستخدام مثل تلك النماذج الاقتصادية تحتاج إلى مهارة أكثر لفهم البيانات الاقتصادية وأكثر ابتكاراً في استغلال المصادر البديلة للمعلومات التي تزيد من دقة الإحصاءات لكل متغير اقتصادي بدلا من ترك الأمور التي فيها غموض لتتم دراستها دراسة تحليلية منهجية منطقية، ومن هذه الدراسات تتدفق معلومات مع منظومة التحول الاقتصادي كانت غائبة عنا وربما مغايرة لما نراه.
نحن اليوم أمام تطورات كبيرة منها إلى أين ستتجه الأسعار وما النظرة المطلوبة لما هو قائم وقادم لا احد يستطيع فهم ذلك بسهولة لأن هناك كثيراً من الأجزاء الاقتصادية المتحركة وكل جزء بعيد عن الآخر، تثير المخاوف وفي الغالب غير واضحة.
إن الإحصاءات الاقتصادية ومنها الناتج المحلي الإجمالي، التجارة والاستثمار ،الزراعة, الأسماك ,الثروة الحيوانية, الصناعة، بالإضافة إلى الدخل، الاستهلاك، البطالة، والمستوى العام للأسعار ، الأجور، جميعها تؤثر على الاقتصاد والاستقرار المالي وتتأثر بالسياسات النقدية والمالية (أسعار الفائدة، الضرائب، الإنفاق الحكومي) نمواً أو انكماشاً على المستوى المحلي ، ولكنها أيضاً تتأثر بتذبذبات الاقتصاد العالمي والصراع التجاري الدائر والاضطرابات والأزمات السياسية الإقليمية والعالمية، ورغم توفر بعض الإحصاءات الاقتصادية، إلا أن الأهمية تأتي من توفر بيانات الحسابات الاقتصادية في الوقت المناسب وذات الصلة بالأحداث والمتغيرات وابعادها الاقتصادية المتسارعة، وبطريقة فعالة من حيث التكلفة والهدف وتحقق أعلى معدلات انجاز.
إن الرؤية المستقبلية للإحصاءات الاقتصادية تتطلب منهجيات إدارية حديثة لبناء هذه الإحصاءات الاقتصادية لمواكبة التطورات الاقتصادية، وتشكيل إطار تنظيمي صالح للفترة الحالية وإلحاقه باستخدام التكنولوجيا الرقمية للتعامل مع البيانات ذات الحجم الكبير، فإنتاج الإحصاءات الأولية من خلال الدراسات الاستقصائية لمجموعة واسعة من المتغيرات الاقتصادية ووفقاً لمنهجيات محددة، قد لا يكون ملائماً لتلبية مجموعة متنوعة من احتياجات المستخدمين على نطاق أوسع في الوقت المناسب وفي زمن التغيرات الاقتصادية المتسارعة والظروف الاستثنائية ذات المخاطر العالية ، وبهذا يؤدي تنظيم الإطار العام إلى رصد الإحصاءات الاقتصادية وتحليلها وفهم إدارة الاقتصاد على كافة الأصعدة المحلي والإقليمي والعالمي بهدف إنتاج مقاييس محددة لتقييم الأداء الاقتصادي والتوازنات الكلية. .
الحاجة ماسة الآن أكثر مما سبق إلى توفر بيانات إحصائية واقتصادية وقياس أدائها ومؤشراتها والتنبؤ بإنجازاتها الحالية والمستقبلية وبشكل شهري ودوري وتفصيلي كونها أداة يمكن استعمالها في أي زمان ومكان لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.
ان التحليل الاقتصادي الكلي يرتبط بفكرة اشتمال العلاقات الكلية من دراسة تلك العلاقات والظواهر الاقتصادية في مجموعها كعلاقة شاملة كلية وتفصيلية تعكس وتسهم في صياغة السياسات الاقتصادية المحلية ، وقياس أدائها والتنبؤ بإنجازاتها ، فكلما زادت شفافية هذه المعلومات الاقتصادية كلما زادت الثقة في طرق التعامل مع الصدمات التي يتلقاها الاقتصاد وكذا البيئة الاستثمارية وقدرتها على الاستمرار في وضع المعالجات, وبالتالي تقتضي الحاجة إنشاء دائرة متخصصة باسم (دائرة التحليل الاقتصادي) لإنتاج البيانات والمؤشرات الاقتصادية المرتبطة وتقييم المخرجات الاقتصادية المستهدفة والمطلوبة والمنسجمة مع تطلعات الأهداف الاقتصادية العامة والخاصة محليا وخارجيا, وتوفير إحصاءات اقتصادية ذات جودة أفضل ومقرونة بتحليلات اقتصادية محترفة ومعتمدة على نماذج التحليل القياسي والكمي وتقديم تحليلات لصانعي القرارات الاقتصادية ومتطلبات خبراء الاقتصاد وأيضاً للجمهور حسب تنوعه، ويشرف ويعمل فيها اقتصاديون متخصصون في الاقتصاد القياسي وهي ليست نهاية المطاف بل إحدى محطاته للخروج من أسلوب التحليل الرتيب الذي افقد الكثير في الماضي ولا يزال يؤثر في الحاضر لكن مرحلة المستقبل هي مرحلة تطوير لذا سيبقى التحليل الاقتصادي مستمراً ولا ينتهي، وأن مشاكلنا لم تُحل، وعليه، فمن الواجب صياغة أجندة اقتصادية جديدة تتناسب مع المرحلة الحالية والقادمة.
* باحث في وزارة المالية

قد يعجبك ايضا