استراتيجية أمريكية وقفازات وظيفية في المنطقة
محمد ناجي أحمد
يردد قادة الأحزاب المساندة للعدوان على اليمن أن سبب إطالة الحرب هو غياب الاستراتيجية لهذه الحرب عند من يسمونها (شرعيتهم) ولدى تحالف العدوان الذي تقوده السعودية ، وهذا اعتراف واضح بأن الجميع يعمل في إطار الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ،ففي اليمن هدف أمريكا السيطرة على الممرات المائية والجزر الاستراتيجية في البحر الأحمر ،وفي مقدمتها جزيرة ميون ،والسيطرة على عدن كونها تطل على البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي، أضف إلى ذلك فإن العدوان يمارس تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية في اليمن تحت لافتة خادعة وعدو وهمي حددوه بإيران ،وهم يعلمون يقينا أن إيران لا تستطيع النفاذ إلى اليمن ،وأجواؤه وبحاره وبره محاط بسيطرة أمريكية ،وكيانات خليجية وظيفتها حراسة أبواب اليمن ،وتحويله إلى سجن لأكثر من ثلاثين مليونا ،وحقل إعدامات ومذابح وتجويع جماعي.
ومع دماء مئات الآلاف من اليمنيين ،وكل هذا الدمار للعمران والأنفس ،وتمزيق الجغرافيا اليمنية يصبح لا استراتيجية لتحالف العدوان الذي تقوده السعودية سوى هذا الذي يتحقق على الأرض ، وعلى هذا فإن الأحزاب القومية واليسارية المساندة للعدوان هي مساندة للاستراتيجية الأمريكية /الصهيونية في اليمن والمنطقة العربية، كون اليمن بوابة رئيسية لتمكين المشروع الصهيوني على المنطقة.
يُسوِّق البعض أن الوطنية أعلى وأغلى من الجغرافيا ،وأن اليمن الاتحادي الذي لا يملكون له أية استراتيجية واضحة ،ولا شروطا موضوعية-هو هذه الوطنية التي تأتي في تضاد مع الجغرافيا اليمنية الواحدة ،بل كمقدمة لتفتيت الجغرافيا والإنسان اليمني.
لا تضاد بين وحدة الجغرافيا اليمنية وبين الوطنية ،فبدون وحدة الأرض تصبح الوطنية حديث خرافة وطلاسم عبودية ،تطنب في الإنشاء في بيئة سمادها الجهل ،وفقرها يحجب الحقيقة ،وإعلامها ضجيج يجرف كل علامات الطريق.
واضح أن الحروب في اليمن ولبنان والعراق وسوريا ،هدفها الأساسي إنهاك إيران ،وتقليم حضورها الإقليمي ،لكن إيران تتعامل مع القضية اليمنية من الناحية الإعلامية ،والتضامن المعنوي ،بمعنى أن إيران لا تستطيع مد اليمن بأي دعم عسكري ،وأنها ليست مسيطرة على القرار اليمني ،وإنما دورها لا يتجاوز الدعم المعنوي في اليمن.
تدير إيران معركتها مع الغرب بذكاء وتوازن استراتيجي ،مما يجعل الإعلام الخليجي يتخبط في خطابه ،فهو يروج ويصور علاقة العداء بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني من جهة أخرى بأنها علاقة تعاون وتكامل ،هنا يصبح الخطاب الإعلامي الخليجي محاولة لخلط الأوراق ،وبطريقة الكذب ثم الكذب حتى يصدقه المشاهد.
ونجن نسأل إذاً ما العائق أمام المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة طالما أن الجميع يعمل لصالح الهيمنة الأمريكية؟
طالما وأنتم تصورون إيران الخميني بأنها تقوم بذات الدور الذي قام به إيران الشاه كشرطي أمريكي في المنطقة؟
تنطلق إيران في صراعها الوجودي مع الغرب من وعي تام بما هو مشترك داخل هذا الغرب ،وما هو متباين بينهما ،لهذا فعندما تقوم فرنسا بدور الوسيط الذي يقرب وجهات النظر ،بين أمريكا وإيران فهي ،أي إيران تعي أن فرنسا ليست بالوسيط النزيه ،والمتابع للمؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الفرنسي ماكرون سيجد أن عبارات ومفردات ماكرون كانت متحيزة للإدارة الأمريكية ،وأنها تريد أن تعقد صفقة ناجحة مع إيران !وكأن الصفقة لم تعقد قبل في عهد أوباما ونكث بها ترامب !
إن قراءة العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد حزب الله ،وشركات لبنانية ،أو مستثمرين لبنانيين في أوروبا وأمريكا ،وعدونا إسرائيليا متقطعا على الأجواء اللبنانية ،وقتل مجاهدين يتبعان حزب الله، وكذلك الضربات الإسرائيلية الجوية على سوريا وعلى العراق ،كل ذلك يدخل ضمن محاولة اختبار قدرات إيران العسكرية ،لكن الرد لم يطل ،فلقد كان رد حزب الله سريعا ودقيقا ،في تدمير آلية عسكرية ،قتل وجرح العديد من الجنود الاسرائيليين ،على عمق اثنين كيلو متر داخل الأراضي التي تحتلها إسرائيل في فلسطين! ولقد كان خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله ،المتوعد بالرد حربا نفسية بذاته!
إنني أعتقد أن الحرب الاقتصادية ضد إيران لن تصل إلى حدودها الخطيرة ،وستظل في إطار الحرب النفسية ،لأن تحول الحرب الاقتصادية إلى خنق لإيران سيعني الانتقال إلى الحرب العسكرية للخروج من الموت الاقتصادي البطئ، الذي هو في جوهره إعلان حرب عسكرية ،فليس هناك كيان دولي يقبل أن يموت ببطء دون أن يدافع عن نفسه ،ويستخدم قدراته ومقدراته العسكرية في الخروج من مخنق الحصار الاقتصادي.
لهذا سنجد هذه الأيام تراجعا للولايات المتحدة الأمريكية من البدء بالخطوات الأولى للحرب والنفير ،وزيادة القوات في الخليج ،ثم بعد ذلك تتراجع وزارة الدفاع الأمريكية إلى الخلف ،لتصبح المعركة من اختصاصات وزارة الخزانة الأمريكية ووزارة العدل ،في إعلان عقوبات تصفير النفط الإيراني ،والإعلان عن جوائز لمن يقدم معلومات عن تصدير النفط ووسائل النقل والبيع ،وغيرها من العقوبات !في مشهد هزلي تتوارى فيه وزارة الدفاع الأمريكية خلف قناع حرب معنوية ونفسية !
(بريان هوك )المبعوث الأمريكي لإيران يصرح أن الاختلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا هو خلاف تكتيكي ،وهذا توصيف دقيق ،فبريطانيا وفرنسا والمانيا تريد تقييد إيران بالاتفاق النووي والوقوف مع الإدارة الأمريكية في فرض العقوبات والتحلل من التزامها بهذا الاتفاق الموقع في عهد إدارة أوباما !
إن هدف أمريكا من تصعيد الأزمة مع إيران هو حماية الكيان الصهيوني من القدرات الصاروخية لإيران ،ومن القدرات المتطورة لحزب الله على حدود الكيان المحتل. وقد صرح بذلك أكثر من مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية ،بأن هدفهم الرئيسي نزع ما سموه بـ”التهديد الإيراني لإسرائيل” وذلك طبعا لن يحدث إلاّ بتغيير النظام في إيران وتصفية قدراتها الصاروخية المتطورة ،والقادرة على تدمير الكيان الصهيوني.