يوميات الثورة الأديب والشاعر وشرعية العمى!

 

عبد العزيز البغدادي
بسبب تلاعب السياسة التائهة في غابة التوحش  بالمسميات تكاد بعض الأسماء أن تفقد طعمها كالشرعية والحياد والتوافق والثورة والجمهورية وإلا فكيف يمكن لإنسان طبيعي يمتلك أحاسيس ومشاعر الإنسان السوي التعامي عما يجري ضد وطنه وأهله من أعمال منافية لكل القيم الإنسانية وأن يمد يده الى أيدي العدو الذي يتفنن في ارتكاب كل هذه الجرائم والفظائع من قصف مستمر للمدنيين ، وتدمير ممنهج ، وحصار محكم على كامل اليمن ليس فقط حصاراً مادياً بل ومعنوياً حيث يقترن بالعمل بقسوة على تغييب  الحقيقة عن العالم  واستهداف الصحفيين ووكالات الأنباء المحايدة إن وجدت، والحؤول  دون أن تجد مناشدات المنظمات الدولية عقب كل مجزرة تُرتكب بضرورة إجراء تحقيق مستقل وشفاف طريقها للتحقق.
هل يمكن لأديب أو شاعر أو مفكر غض الطرف عن الموت المحقق الذي تتفنن فيه دول العدوان السعودي الإماراتي ومرتزقتهما وداعميهما وموجههما الأمريكي البريطاني الصهيوني ، كيف يمكن لشاعر أو أديب وهو نبض الشعور لأي أمة أن يغمض عينيه ويصم أذنيه عن حقيقة ما يرى ويسمع ويفتحها على عالم الرومانسية لحياة مُتَخَيَّلَةْ؟!
كيف لهذا الإنسان أن يغيب عن عالم الموت المعاش ليستحضر الحياة الغائبة والمغيَّبَة المملوءة بكل هذا العنف الذي تديره الإدارة الأمريكية الصهيونية مستخدمة أغبى البشر وأكثرهم وقاحة وانحطاطاً وبصورة تثير أعلى درجات الاشمئزاز، تحرك غرائزهم لتعيد انتشارهم فوق جغرافية بلد مسالم لم يعتد على أحد على مدى تأريخه الطويل، أما المستخدَمون المُمَوِّلون لقتله وتدميره فعمر دويلاتهم لا يتعدى عمر أصغر شجرة من أشجار جزيرة سقطرى اليمنية !؛
يقول لك البعض بحسن نية أو بخبث: أنت شخصية عامة يفترض فيك الحياد – ويقصد بالحياد هنا التعامي عن كل هذه البشاعات – أن تكون كتاباتك عامة تترجم شخصيتك كمحايد وأنت أديب فدع السياسة.
للسياسيين ويقصد بالأديب هنا من يتفنن في صناعة الصيغ ورص الجمل والكلمات والحروف وزخرفتها وجعل العاطفة هدفاً لألاعيب هذه الحروف والكلمات المتقاطعة التي أماتتها ألاعيب بعض السياسيين، أي أن تكون أعمى البصر والبصيرة وتكتب ما يُعمي ويُضلل؛
حال هذا يقول: أيها الشاعر الأديب المثقف المحايد أغمض عينيك بل وفؤادك وبصيرتك عن رؤية كل هذا القبح لترى الوجود الذي يهيمن عليه هذا المستوى من العدوان الداخلي والخارجي جميلاً !، تعامل مع واقع الموت كما تتعامل معه المنظمات الدولية التي تدعي الحياد، لتكون محايداً ساو بين الضحية والجلاد، بين القاتل والمقتول، المعتدي والمعتدى عليه، بل عليك أن تطلق على القاتل صفة الشرعية وعلى المقتول صفة المتمرد والانقلابي ، وأن تسمي الإرهابيين مقاومة ومن يدافع عن وطنه إرهابي !! ؛
لكي تكون محايداً شرعياً محتم عليك أن تكون أعمى أصم أبكم، وعديم الإحساس، انها شرعية العمى أو شرعية الرومانسية العمياء، الرومانسية التي تعيش وسط المجازر دون أن تحس بوجودها وفي خضم حياة كلها مأساة ودون أن تعي من يديرها بل وأن تسمي المتسبب في مأساتك المتاجر بها في أكثر أسواق النخاسة نجاسةً وبذاءة بالشرعية!؛
كي تكون رومانسياً حالماً ومحايداً لا بد أن يكون العمى والصمم وظيفتك، آه ما أقبح أن يكون العمى والصمم وظيفة، في مواجهة كل ما يجر عليك ومن حولك، لتكون شخصية جامعة تخلّ عن كل حواسك ودع القاتل وشأنه، دعه يتفنن في وسائل القتل وإياك أن تدعوه قاتلاً !، لتكون شخصية توافقية عليك أن تتعاطف مع الجلاد والقاتل والناهب والسارق تحظى بالقبول لدى الكل وبالأخص لدى ما يسمى بالمجتمع الدولي المحايد جداً أمام قضية محاصرة وقتل شعب ؛ القتل الممنهج إذاً شرط لأن يكون ضمن وحدات وأدوات ما يسمى صفقة القرن التي يديرها رعاة التوافق والحياد وشرعية العمى!.
مهندسو صفقة القرن هم مهندسو شرعية العمى وزارعو الغباء في أذهان المفكرين والأدباء والكتاب والمثقفين المحايدين، ولهذا رأيناهم يبحثون عن بيضة الحياد في أسواق دولة العدوان وعن العدالة في حانات عواصم الإمبريالية الجديدة الأكثر توحشاً وقبحاً! .
شرعية العمى استخدمت لفظ الشرعية والمشرعنين المحليين والدوليين مطية ضمن أقذر صفقة وهم الآن يعيدون رسم معالمها باسم العربان تتعدد الأوجه والخرائط والصور وتتمدد وتنكمش لوحات عرض الأجندة التي يتلاعب بها الأجنبي في دول تدعي العروبة والإسلام ومن أشخاص يركبون وهم القيادة ولا يشعرون أنهم مجرد مطايا غاية في التفاهة إلى حين يتم خلع شرعيتهم كالنعال!.

هذي الجبالُ تمر نحو الشمس جذلى
ما بين قلبك والفؤادُ
مواكبُ تلهو بوقع الموت
تحشد الرؤيا وتجتاح الحدود
بين الحقيقة والخيال تعيش أحلام الطغاة
ولا ترى أن الطريق إلى المفازة والنجاة
مُعبَّدُ للصامدين
يا صاح إن الشعر أنفاس الشعور ونبضه
فاستنطق الإحساس في قلب الصخور.

قد يعجبك ايضا