التطورات في سوريا واليمن والفريضة الغائبة للشعوب
إيهاب شوقي
ما بين سوريا واليمن، هناك الكثير من الخيوط الاستراتيجية التي جعلت من استهداف البلدين أمرا مترابطا، وهو ما يقود بالضرورة لجعل مقاومة البلدين أمرا أكثر ترابطا.
الاستهداف الاستعماري يكون متعدد الأوجه، وربما يطفو الاقتصاد على سطحه ويحتل عناوينه البارزة إلا أن هناك عوامل أخرى تتداخل حتى وإن لم تكن معلنة، مثل تأمين كيان العدو الاسرائيلي وإنهاك دول الطوق المحيطة به وكذلك استنزاف قوى المقاومة التي يمكن أن تشكل خطرا آنيا أو مستقبليا على هذا الكيان.
سوريا بلد عربي مركزي ولها علاقاتها المعروفة بالمقاومة وممانعتها تجاه التسويات المفرطة وتمسكها بالثوابت، ناهيك عن أن أهميتها الاستراتيجية في طرق التجارة وموقعها الممثل لبوابة الشرق إلى أوروبا جعل من استهدافها عملا دوليا، لم يكن مصطلح “الحرب الكونية” يتسم بالمبالغة في التعبير عنه.
اليمن بموقعها الفريد وبذرة المقاومة التي نمت بها، نجحت في الوصول للحكم بما يشكل تهديدا لملعب استراتيجي غربي كان مضمونا بامتياز وهو منطقة الجزيرة وشواطئ الخليج العربية، أصبح بؤرة استهداف مكثفة لقطع الطريق على تبلور ثورة جديدة على غرار الثورة الايرانية التي استعادت من الامتيازات الاستراتيجية الغربية بلدا هاما ومؤثرا كإيران في عصر الشاه، والتي كانت بمثابة القائد لمجموعة الدول الضامنة لمصالح الغرب وكيان العدو الاسرائيلي.
من هنا، استهدفت سوريا ثم اليمن وشكلت التحالفات التي انضم اليها كل طرف وفقًا لأجندته والتي تلاقت في تدمير البلدين إن لم يكن هناك امكانية لاستبدال الأنظمة بأنظمة موالية وعميلة.
وبعد الفشل الذريع للاستعمار بفضل المقاومة الضخمة يبدو أننا أمام خيارات بديلة وفقا لكل حالة ووفقا لتوازنات القوى.
فعلى الجانب السوري، ترفض تركيا الفيدرالية لأنها تشكل مدخلا لفيدرالية تركية، وهي تفضل التوغل والاحتلال والسيطرة والتوسع على حساب الحدود السورية، وبالتالي فالخيار التركي المفضل ليس بلقنة سوريا وتقسيمها، وإنما صوملة سوريا وخلق مناطق خاضعة لأمراء حرب تتمتع تركيا بنفوذ لديهم لضمان مصالحها.
وهو ما سعت إليه تركيا من خلال دعمها التكفيريين وتملصها من تسويات سوتشي وعرقلتها سيطرة الجيش السوري ونظام الرئيس بشار الأسد على كامل الأرض السورية، ومؤخرًا الاتفاق على (المنطقة الآمنة) مع أمريكا، وكل ذلك بهدف عرقلة بسط النظام السوري والجيش العربي السوري سيطرته، وهي مقدمة لاستنزاف لاحق وليست تسوية كما تحاول تركيا تسويقها.
وعلى الجانب اليمني، فإن الامارات تلعب دورا مشابها فهي تريد صوملة اليمن كذلك والتمتع بنفوذ لدى امراء الحرب بها لضمان المصالح الاماراتية وقطع الطريق على أي نهضة يمنية تهدد نفوذ الامارات وامتيازاتها التجارية وخاصة في قطاع الموانئ.
في وسط هذا المناخ المليء بالعمالة والتآمر تبدو هناك مجموعات من الدول يمكن أن تصنف كما يلي:
– دول صاحبة مصلحة أصيلة في الصوملة والتخريب وعلى رأسها تركيا والإمارات، وهي دول لديها رؤية واضحة وتعرف ماذا تفعل على الأرض وتستطيع المراوغة والمناورة.
– دول ليس لديها رؤى استراتيجية ولا حتى سياسية وهي مجرد أدوات تتحرك بدافع الأوامر المباشرة وتحركها الأحقاد والضغائن، مثل السعودية.
– دول لا ناقة لها ولا جمل، وكل ما في الأمر هو أنها لا تستطيع المخالفة والخروج من المعسكر الاستعماري إما لتحالفات تاريخية مثل معظم دول أوروبا، أو لضعف شديد وارتهان للغرب واستسهال وخوف من الالتحاق بمعسكر المقاومة وعدم الرغبة والعزيمة في تحمل تبعات ذلك، وهي حالة عربية عامة ربما تمثلها مصر بامتياز.
ولكن، هل ستنجح محاولات صوملة اليمن، أم أن اليمن سيشهد استفاقة لقوى التحقت بالعدوان حتى رأت بأعينها مخططًا التقسيم والصوملة يتم تنفيذه على الارض؟
وهل ستنجح أمريكا في الخروج من هزيمتها في سوريا بموطئ قدم يشكل بؤرة انقضاض لاحقة تحت مسمى المنطقة الآمنة، أم أن هناك استفاقة سورية في المناطق المراد مصادرتها ستنسف هذا الخيار نسفًا؟
تبدو أمور كثيرة معلقة باستفاقات شعبية يمنية وسورية، بل وعربية بشكل عام لاستنقاد الأمة من هكذا أنظمة تمثل خيارات لم تجلب إلا الارتهان والفشل.
إن كانت الامارات تستهدف امتيازات الخليج الاقتصادية في إطار خدمة لمشروع اكبر استعماري، وإن كانت تركيا تستهدف احتكار التواصل الآسيوي الأوروبي وإحياء النفوذ العثماني في ظل تحالف مع الاستعمار تعرف أن ترك نفوذها مشروطا به مع هامش للمناورة مع روسيا وايران، فإن تدمير سوريا أو اليمن لا تقتصر خسائره على البلدين، وإنما تتخطى الخسائر حدود البلدين بحكم الموقع والتموضع، لتشكل خطرا على الأمة كلها.
فالمضائق وما تمثله من أهمية عسكرية وليس تجارية فقط، والممانعة والمقاومة بما تمثله من أهمية وجودية وليست سياسية فقط، هي عوامل يستهدفها الاستعمار حتى في حال انسحابه وفشله.
إن الانتفاض من أجل وحدة الأراضي ورفض التقسيم واستعادة خيار المقاومة هي الفريضة الغائبة للشعوب، فالتمسك بالوحدة والمقاومة هو فرض عين على الشعوب وليس مجرد فرض كفاية تقوم المقاومة وحدها بأدائه.
*كاتب مصري