إنكار الولاية إنكار معلوم من الدين
أحمد يحيى الديلمي
أن نسمع التشكيك في واقعة الغدير من إنسان أمّي أو مختل عقليا أمر مقبول يمكن تجاوزه والتغاضي عنه.
ما يثير الدهشة ويضاعف علامات الاستفهام ان يصدر التشكيك والإنكار من أساتذة في الجامعات اليمنية أحدهم مختص في الدراسات الإسلامية، ما حول الدهشة الى استغراب وإحساس بالمرارة والألم أن نفس الدكتور لم يتوقف عند إنكار الواقعة، لكنه تمادى أكثر وهو يؤكد أن الاحتفاء بالمناسبة بدعة دخيلة على المجتمع اليمني وأنها أكبر دليل على تبعية الحوثة (بحسب وصفه )لإيران وأنه خلال سبعة عقود من الزمن لم يسمع أو يشاهد أي اهتمام لليمنيين بالمناسبة حتى جاء الحوثة حسب وصفه ، سانده في الموقف دكاترة آخرين.
لأن الهدف بالنسبة لي التزام منهج الحق وإثبات الحقيقة لذاتها بقصد تعرية من يدعي الفهم ويقول إنه رجل دين وينسب الى نفسه صفات ليست فيه فلن اطيل كثيرا، فلقد أثار استغرابي صمت الحاضرين وهروبهم من الرد عليه ثم اكتشفت أنه يروج الشائعات وينكر الواقعة نيابة عنهم مما اضطرني الى الدخول مع الجميع في تحد واضح فدحظت الآراء والمغالطات التي يروجونها ويحاولون أن يملأوا بها رؤوس البسطاء في المنازل والمساجد واجهتهم بالأدلة والوثائق والاسانيد التي افحمت الجميع ولاذوا بالصمت باستثناء صاحبنا ،فلقد أصر على التمسك برأيه دون أن يقدم دليلاً واحدا لاثبات موقفه، فبدأ كأن أصابع خفيه تحركه لتحقيق أغراض مشبوهة بعيدة كل البعد عن موضوع النقاش وتتعارض كليا مع روح الاسلام بمبادئه السامية وأهدافه العظيمة.
يبدو أن هذا هو الأسلوب الذي تعود عليه أمام الطلبة وفي منابر الخطابة يضع على عيون المتلقين غشاوة سوداء فيسلموا أنفسهم له بلا وعي ثم يشكل وجدانهم الديني كما يريد.
الموقف أثارني وأدركت فعلا أننا نخوض معركتين معا :
الأولى :عسكرية يخوضها الأبطال في ميادين الوغى.. والثانية: فكرية ضد حالات التغريب الفكري والمساعي الخبيثة لطمس الهوية الوطنية بأبعادها الثقافية.
لن أحاول استحضار شواهد الماضي لإثبات الواقعة إلا أني وجدت نفسي أمام حالة معقدة لأن الدكتور الذي احتفظ باسمه كي لا يقال إنني استعدي الآخرين عليه من محافظة لحج وهي محافظة كريمة يتعاطي أبناؤها مع الغدير بقدسية خاصة حولت الثامن عشر من ذي الحجة في كل عام الى محطة عامة للفرح واقامة مهرجانات حاشدة بقناعة تامة بأن الموضوع واجب حتمي يترجم رؤية الدين، وركنا من أركان العقيدة.
لم تتوقف المهرجانات حتى في زمن الاحتلال البريطاني أو في زمن الحزب الاشتراكي ،فلقد كان قادة الحزب ومسؤولو الدولة يحرصون على حضور المهرجانات، مما أثار حفيظة نظام آل سعود وزاد التوجس من إحياء المناسبة بعد حرب صعدة الأولى، إذ تولى النظام السابق مهمة القضاء على المناسبة بدعوى أنها بدعة جاهلية وضلالة تخالف أصول الدين فبادر النظام الى التحريض وإقناع العامة بأن ما يجري مجرد تقليد للمجوس والروافض في إيران..
هذا الخطاب تم إسناده بأعمال الترويع والترهيب والتهديد الى حد القول إن إحياء المناسبة جريمة يرفضها القانون وتوجب العقاب إلا أن أهل لحج رفضوا كل حالات الارعاد والارهاب والتهديد والوعيد وتمسكوا بإقامة المهرجانات مما اضطر النظام الى اتخاذ أسلوب آخر تمثل في السماح بإقامة المهرجات تحت مسمى آخر، بينما اختلف الأمر في المحافظات الشمالية، فلقد تم انتشار المخبرين ورجال الأمن في كل الأماكن التي اعتاد الناس على لإقامة المناسبات فيها وإلقاء القبض القسري لأي شخص يصر على إحيائها وإيداعه السجن كما حدث مع العلامة محمد مفتاح ،مع أن الفكرة كانت عند الناس مألوفة وترسخت بمسمى يوم النشور إشارة الى مناسبتين إحياء يوم الولاية والثانية الإيذان بالعودة الى الأعمال بعد انقضاء الاجازة، لكن مسلسل الاستهداف الناعم ظل يتدرج من قبل الوعاظ والخطباء حتى تم منع الاحتفاء بالمناسبة بكل الوسائل واللعب على مشاعر ارتباط اليمنيين بالدين.
من حيث المبدأ ،المقارنة بين الصور المتناقضة تكون في الغالب دليل اثبات الحقيقة كما يقال (الثراء يكشف الفقر والعلم يفضح الجهل والعدل يصد الظلم والخيال يؤكد الواقع) فالتضاد دوما يقود الى مفارقات يرفضها العقل والمنطق هذا أقل ما يوصف به موقف الدكتور ومن هم على شاكلته.
حسناً ليبق الجدل محتدما وليتمترس كل طرف في الموقع الذي ارتضاه لنفسه سواء اختاره بإرادته أو اجبر عليه، فقط مطلوب الاحترام المتبادل وقبل ذلك احترام ثوابت الدين المجمع عليها والحديث عنها بعيدا عن الآراء الشاذة التي صدرت عن نفوس مريضة مفعمة بالحقد والبغضاء والكراهية للإمام علي عليه السلام بدافع الحسد لأن الرجل واع ومدرك لوحدة المسلمين وامتلك الكثير من الصفات والشواهد الحية التي تحولت الى رؤية مستقبلية رسمت أبعاد القادم من الزمن بإلمام شامل لمضامين العقيدة طابعه الحرص على حماية بيضة الاسلام وفق نهج ايماني صادق هدفه ضمان وحدة المسلمين كما ثبت عنه قوله (لأسلمن ما سلمت امور المسلمين).
ومن هذه الرؤية العظيمة ندرك أن واقعة الغدير لم يكن مبعثها الفراغ أو التعصب العنصري كما ذهب الى ذلك الشيخ ابن تيمية واتباعه من أزلام الوهابية والمنتمين الى حركة الاخوان المسلمين، فلقد جسدوا العداء الصارخ غير المبرر للإمام علي عليه السلام فتطاول البعض عليه للنيل من هامته وهو أسلوب حاقد انتهازي وصفه الإمام محمد عبده رحمة الله عليه قائلا: إنه يمثل عداء للأصل الممثل بمنهج الاسلام والنبي الخاتم محمد صلي الله عليه وآله وسلم.
وقال المفكر الإسلامي الكبير الإمام محمد ابو زهرة رضي الله عنه (واقعة الغدير حقيقة ساطعة كسطوع الشمس في رابعة النهار لا يشكك فيها إلا جاحد أو منكر لمعلوم من الدين ).
أدلة الإثبات كثيرة جدا تجاوزت المئات ولا يتسع المجال لسردها كلها وعلى الرغم من أن عملية الاستهداف المباشر سعت الى طمس معالم الواقعة عبر اصدار طبعات منقحة لكتب أمهات الحديث بعد تجفيفها من كل نص له صلة بالواقعة وهو أسلوب تأثيري مباشر يسعى الى سرقة عقول المسلمين وصياغة وجدانهم بثقافات أخرى، إلا أن كافة المحاولات باءت بالفشل وذهبت الأموال الطائلة التي تم انفاقها من أجل هذه الغاية أدراج الرياح وبقي الإمام وموالاته هو الغالب خاصة بين اليمنيين باستثناء أصوات نشاز تحاول الارتزاق من وراء اتخاذ هذه المواقف وهو أمر مخيف لا يمكن قبوله من إنسان يدرس الأبناء في الجامعة ،فأستاذ الجامعة لابد أن يحترم علمه وأن يكون مستقلا بذاته لا مجرد أمعة أو بوق يردد ما يملي عليه لإ يصال الرغبات المشبوهة للناس دون أن يمعن في الأدلة وينحاز الى الحق لأنه في هذه الحالة سيمثل خطراً على الأبناء ويملأ عقولهم بأفكار سوداء خاصة عندما تظهر منه نبرة التشفي وتصفية الحسابات مع أناس أحياء لا ناقة لهم فيها ولا جمل في هذا الأمر.
وهل بعد هذه الأدلة مجال للتطاول أو القدح أو اقتحام الصورة بهذه الطريقة غير السوية، إنها محاولة بائسة تأتي بعد فوات الأوان لأن اليمنيين يتمتعون بإحساس صادق عميق وأمين يميزون بين الغث والسمين ويدركون النوايا الخبيثة عن بعد وهذ ما سيجعل مشاعر الولاء تزداد وسيظهر جليا اثناء الاحتفاء بهذا اليوم العظيم.
واختم بقول إمام المتقين ويعسوب الموحدين وولي المؤمنين حيث قال (من مدحك يوما بما ليس فيك سيذمك غدا بما هو فيك).
وفي الأخير ارفع التهاني والتبريكات الى كل المسلمين بهذه المناسبة العظيمة.