مرض التسلط والاستبداد – (محاولة للتشخيص)!
عبد العزيز البغدادي
يرتبط معنى السلطة بالمعنى العام للالتزام الشرعي والقانوني، فالإنسان ككائن اجتماعي يقوم بواجباته في الحياة إما بالالتزام الذاتي أو بالإلزام بواسطة السلطة الشرعية والقانونية وهذا ما يميز الإلزام القانوني والشرعي عن الالتزام الأخلاقي والمسؤولية القانونية والشرعية عن المسؤولية الأخلاقية فالأولى يترتب على التهاون فيها والتفريط بها جزاءً دنيوي محدد يعد إهماله من قبل من له الولاية القانونية العامة تفريط في واجبات المسؤولية ومن يتحمل هذه المسؤولية هي السلطة الدنيوية صاحبة الولاية، وبهذا المفهوم فإن مستلزمات مباشرة هذه السلطة لإلزام الناس بواجباتهم واجب قانوني وشرعي يقتضي المساءلة في حال التقصير وليس حقاً لمن هو في موقع السلطة.
وبين الحق والواجب بون شاسع لأن من يمتلك أي حق من الحقوق المدنية أو السياسية أو الاجتماعية يحق له التنازل عنه وإهماله أو التصرف به أي نوع من التصرف القانوني كونه حقاً من حقوقه ، والحاصل في الدول المحكومة بثقافة الاستبداد أكانت ثقافة سياسية أو دينية أو مستغِلّة للدين نلاحظ في الغالب الخلط الواضح بين الحق والواجب ابتداء من أعلى سلطة وانتهاءً بادناها فقد عايشنا رؤساء تعاملوا مع الدولة كما لو أنها صارت من أملاكهم ووظِّف الإعلام لطبع المجتمع وتدجينه على مفهوم أن الرئيس له صلاحيات مطلقة ولهذا نجده يقتبس من كلماته وأحياناً من كلمات موظفي الاعلام في الصفحات الأولى للصحف باعتباره الموجه للشعب والرمز للدولة وهو سلوك يخالف ما قامت الثورة من أجل تغييره وينافي المبادئ والقواعد الدستورية التي تعتبر الحاكم خادماً للشعب وموظفاً له ولاية دستورية وقانونية وعليه واجبات صيانة الدولة من الاختراق وعدم السماح بالمساس بسيادتها واستقلالها وممارسة صلاحيات محددة ليس له الحق في تجاوزها بل لا بد من خضوعه للمساءلة عن أي تجاوز أو إساءة في استخدام السلطة باعتبار التجاوز والإساءة في استخدامها جريمة.
وقد درج الاعلام الشمولي الموروث من سلطات الاستبداد على ترميز رئيس الدولة أو الحزب و رفع صوره في المؤسسات والأماكن العامة وهو تقليد استبدادي يساعد على تورم الذات لدى الحاكم المستبد ويخلق حالة من الاستلاب لوعي العامة وتضليلهم بدلاً من زرع روح الثقة في نفوسهم وتغذية الإحساس بالمسؤولية لديهم وتحفيزهم على المبادرة ليكونوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر ! .
من هنا يبرز الفرق بين السلطة باعتبارها مسؤولية وبين التسلط باعتباره جريمة؛
هي مسؤولية لأنها تقوم بواجب الحفاظ على التوازن بين المصالح وتمنع التضارب بينها، ولعل الصلاحيات المطلقة التي سطا عليها النظام السابق وتلقفها عنه من تبعه من رؤساء سبب رئيس في هذا الاستخدام الأسوأ في التاريخ لمفهوم شرعية الحاكم وامتطائها إقليمياً ودولياً لشن كل هذا العدوان الهمجي على اليمن والمستمر منذ حوالي أربع سنوات ونصف بذريعة واهية وغير مقبولة عقلاً ناهيك عن كون ذلك انتهاكا صارخاً لكل مبادئ القانون الدولي العام.
ومرض الاستبداد أوجد المثقف أو المحسوب مثقفاً الذي يسبغ الشرعية على رئيس معتوه لص خارج عن الوعي فرط في سيادة وطنه وأعطى العدو التاريخي فرصة استخدامه كَدُمية سخيفة أسماها (الرئيس الشرعي) وإلى جانبه نفايات نظام الفساد السابق ليشكلوا عصبة النظام المعترف له بالشرعية من العصابة الدولية التي سطت على الشرعية الدولية وهي من يقود مافيا الإرهاب الدولي وتسرق خيرات الشعوب معتمدة على هذه النفايات الوظيفية هذه العصابات الدولية هي من صورت الرئيس الدمية على أنه الحاكم بأمره وأنه من طلب من العدوان السعودي العدو التاريخي لليمن المساعدة على استعادة شرعيته المزعومة التي حددتها المبادرة السعودية المسماة بالخليجية بسنتين ليستمر العدوان ما يقارب الخمس سنوات في دك عظام اليمنيين وتدمير بنية اليمن التحتية واستهداف كل حي فيه ، وتمتد هذه الشرعية الخرافية حوالي ثمان سنوات حتى الآن أي أن هذا المرض قد غيب المثقف الحقيقي عن المشهد السياسي والاجتماعي إما بالترغيب أو الترهيب أو اللا مبالاة !.
كل هذا لأن وارث مرض التسلط قد طلب من لصوص التسلط في الجزيرة العربية العون والمساعدة ومعلوم أن هذه الدمية المختطفة (الرئيس الشرعي) لم يعلم بالعاصفة التي هبت لإعادته إلى الحكم إلاّ في اليوم الثاني لهذه الهبة المدفوعة بالشهامة السعودية والنخوة العربية !!، رئيس له شرعية وصلاحيات حكم تفوق شرعيات وصلاحيات الملوك ورثها كابراً عن كابر وتلقفها من لا يمتلكون المناعة ضد مرض التسلط ولا يمتلوكن هم أدنى شروط الشرعية !.
وهكذا الوزراء ورؤساء الهيئات والمؤسسات تملكهم هذا الداء لأنهم مستعدون ذاتياً لالتقاطه تلقوه بالوراثة أو التقطوه بالاكتساب فهم إما من وزراء الظلمة وورثة الأثمة وإما ممن لديهم الاستعداد الذاتي لسرعة اكتساب هذا المرض الخبيث !!.
ومرض التسلط والاستبداد يجعل صاحبه غير مستعد للاستفادة من تجارب الماضي والاتعاظ بمآل المستبدين الذين لا يعيرون مظالم الناس وأنينهم أدنى اهتمام.
وهذا المرض هو من دفع بالإماراتيين والسعوديين لأن يكونوا أدوات قذرة في العدوان على اليمن وبالمحسوبين على اليمن أن يكونوا أدوات لتلك الأدوات القذرة، ودفعت بالمحسوبين على الجنوب اليمني الحر للقيام بهذه الأعمال التي سمعنا عنها في الأيام الأخيرة والتي يندى لها جبين الإنسانية بحق أبناء المحافظات الشمالية، هذه القذارات هي ما يجيده الأعراب المحسوبون على جزيرة العرب.
المصاب بمرض التسلط والاستبداد يتعامى عن رؤية الحقائق على أرض الواقع ويفسر كل مشورة صادقة مخلصة تفسيرات تخالف حقيقتها!
والمتسلط المستبد يبحث عن مستشاري سوء يقدمون له الاستشارة التي تطابق هواه لا المشورة التي تتوخى الصدق والبحث عن الحقيقة فيما ينبغي التشاور بشأنه.
مرض التسلط هو أبو الإرهاب وأم الفساد؛ إنه مرض يميت الضمير ويذهب بالعقل والاحساس، ويدفع بالمصاب به للاعتقاد بأنه فوق جميع البشر وأنه والعياذ بالله يسأل ولايُسأل ويصيب ولا يخطئ ولا يعي أن هذا شكل من أشكال الجحود والغفول !؛
ومرض التسلط والاستبداد وإن لم يكن عضوياً لكنه يصيب كل الأعضاء وكل الرؤوس المبتعدة عن تقوى الله والمتعامية عن رؤية ما يجب أن تراه وفعل ما ينبغي أن تفعله لتكون عند مستوى المسؤولية!
خذوا ما تشاؤون
هذا الفتات السخيف سيمضي
لن يمكث في الأرض هذا السراب
ستبقى الحقيقة متكأ الأوفياء
وتبقى دماء الشهيد تراقب طغيانكم .