رسالة باليستية يمنية عبر بريد الدمام
فؤاد الجنيد
لم تستفق مملكة آل سعود بعد من غيبوبتها المفاجئة التي ألزمتها فراش الصدمة والذهول بعد استهداف الطيران اليمني المسيّر مطاراتها في جيزان وأبها وعسير، ومن قبل استهداف رئتها الاقتصادية “ارامكو” في قلب عاصمتها السياسية الرياض، وبحقن الصمت ومهدئات التجاهل واصلت مكابرتها عن وجع تلك الصفعة التي افقدتها توازنها بعد تخبط أربعة أعوام من عدوانها على بلدٍ يتذيل قائمة الدول النامية عالمياً في أفضل أحواله، وهو اليوم بقدراته البسيطة يواجه قائمة عالمية أخرى مكتضة بأعتى دول الاستكبار تصنيعاً وعتاداً وقوة، وأفضلها جهوزية تقنياً وعسكرياً، وأكثرها خبرة في فنون القتال، لكنها اليوم تفق على ألم صفعة أخرى وهي ترى صاروخاً يمنياً بعيد المدى لم يكشف عن اسمه بعد، يستهدف في وضح النهار معسكراتها في الدمام بمحافظة الشرقية الواقعة على سواحل الخليج العربي، وتستسلم لمصيرها خائرة القوى حيث لا عاصم لها من أبطال اليمن المغاوير وأولي بأسها الشديد.
لقد كانت ولا زالت قوى تحالف العدوان تختزل عقدتها في المعارك البرية فقط، وترى أن معركتيها الجوية والصاروخية محسومتان لصالحها ولا تدخلان دائرة القلق والخوف في أسوأ الاحتمالات نظراً لسيطرتها المطلقة وتحكمها في الأجواء اليمنية وإحكام قبضتها على الممرات والمعابر والمنافذ بسفنها وقطعها البحرية المتطورة؛ ناهيك عن عمليتي الرصد والمراقبة التي تفرضهما على كامل الجغرافيا اليمنية على مدار الساعة، لذلك كرست جهدها على فتح جبهات عسكرية برية عن طريق الاختراقات في عمق السواحل اليمنية مسنودة بالإمداد البحري الخلفي والغطاء الجوي الكثيف، وحشدت لتلك الجبهات مقاتلين كثر من جنسيات مختلفة ومتباينة وسلّحتهم بالمال قبل العتاد ورمت بهم يلقون مصيرهم في تضاريس لم يلتقوا فيها متنزهين؛ فكيف بهم اليوم وهي تستقبلهم بألوان الموت في كل المنعطفات؛ لتسقط أكبر محاولاتها المركزة في المعارك البرية دون تحقيق أي شيء يذكر سوى خسوف مجنزراتها وتطاير أشلاء قواتها في عاصفة الرمال الغربية، عندها وجد العدوان نفسه أمام مفترق طرق من الخيارات الصعبة التي كان أبرزها إعلان الانسحاب الإماراتي على لسان قاداتها في أبو ظبي، لكن جميعها خيارات لها انعكاساتها السلبية المكلّفة على معركة العدوان الحقيقية المتمثلة في حزمة من الأهداف الأمريكية والإسرائيلية.
لم يكن أمام الرياض وأبو ظبي من خيار لاستعادة المبادرة في حربهما على اليمن إلا بالعودة للورقتين الجوية والبحرية، لكن تلك العودة لم تعد كالسابق، فأبطال اليمن قد احدثوا تغييراً جذرياً في قواعد اللعبة، وصاروا أصحاب المبادرة في وقت حبس الأنفاس؛ فكان نتاج المعادلة موجباً بولادة الطيران المسيّر، والصواريخ الباليستية بعيدة المدى التي تحلّق وتضرب بـ حرية في أي مكان تشاء، وتختار أدق الأهداف وأوجعها أمام عجزٍ تام لأي عمل دفاعي يرصده أو يتعامل معه، فكان هذا الطيران فيصلاً في المعارك، وسماً زعافاً وهو يدك معاقل العدوان ومراكزه في أماكن خارج نطاق الاشتباك، ولم يكتفِ بالرسائل التي طالت مراكز القوى في عواصم العدوان الداخليتين مارب وعدن؛ بل تجاوز المسافات ليوصل رسائله إلى قلب عاصمة العدوان الأصلية في تطور هو الأخطر في حقل المعركة الجوية اليمنية.
لم تغب عناصر المعركة الحديثة عن معادلة اليمنيين الجديدة، فهم الذين لمّحوا وصرحوا مراراً مع كل حديث لناطق الجيش اليمني بأن دول تحالف العدوان لن تكون في مأمن إذا ما استمر بتجاوزاته في قتل اليمنيين وتضييق الحصار عليهم؛ لكن تلك التحذيرات قوبلت بالاستخفاف والاستهجان مثلها مثل سابقاتها التي اطلقت بشأن السلاح اليمني المسيّر، كل ذلك دعا بالقوة اليمنية إلى تجسيد تهديدها بأيدي الرجال وترجمة قولها واقعاً عملياً لعلمها أن العدوان لا يستوعب دروس الاحترام إلا بعد أن يتذوق دروساً بالغة في الإهانة، فنفذت عمليتين نوعيتين خاطفتين في أقل من ساعة تقاسمتهما الدمام وأذناب الإمارات في عدن مناصفة، إذ استهدفت الأولى عرضا عسكرياً للمرتزقة في عدن مخلفة عشرات القتلى والجرحى من بينهم قائد لواء التدخل السريع المعروف بأبي اليمامة، بينما استهدفت الأخرى معسكرا سعودياً في الدمام في العمق الأبعد لقرن الشيطان.
كعادتها ستكابر الرياض وستنفي، لكنها لم تعِ بعد أن نوع الصاروخ الجديد لا يلغي الإنجاز اليمني المرعب في الرصد والاستهداف، ولا يلغي حقيقة أن اليمنيين قادمون أرضاً وجواً وبحراً وفي جعبتهم الكثير من المفاجآت الكفيلة بتغيير موازين القوى، ولا تدرك أنها ومعها باقي دول العدوان أمام شعب صامد وشجاع لا يقبل الضيم، يرفع سبابته والوسطى وشعاره “النصر أو النصر”.