مجلس النواب وجلسة سيئون .. بين الشرعية والمشروعية ورد السلطة

 

خالد أمين الغيش*

موضوع هذه المقالة ليس موضوعاً محصوراً في ملابسات ما حدث في جلسة استنساخ البرلمان في سيئون ومناقشة من الناحية القانونية وكفى ، لا ، الموضوع أعم وأشمل فهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمشروع بناء الدولة اليمنية المستقلة التي مُنعنا من بنائها على الأقل من العام 1904م منذ عهد الإمام يحيى وحتى اليوم ويأتي العدوان الحالي ترجمة عملية لهذه السياسة الإمبريالية الغربية.
دراسة الموضوع إذاً تأتي في إطار مشروعنا الكبير «يد تبني . . ويد تحمي» لبناء الدولة اليمنية لقطع الطريق على الخارج ومنعه من التدخل في شؤوننا الداخلية، ومن خلال الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، بمرجعياتها المختلفة وأول خطوة في هذا الطريق هي الانتصار للنص القانوني : ( دستور، قانون، لائحة).
وهذا يدعونا قبل ذلك إلى الحديث عن السلطة في الدولة ووظائفها:
معلوم أننا عندما نتحدث عن الدولة نتحدث عن أركانها الثلاثة هي : الشعب والإقليم والسلطة السياسية، باعتبارها ركنا من أركان الدولة يمثلها هنا في واقعنا اليوم الدستور، أما بقية السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فهي مشتقة منه وبالتالي هي محكومة بنصوص الدستور لأنها جميعاً منشأة بموجب نصوص دستورية وشرعية وجودتها ومشروعية قراراتها نابعة من تلك النصوص.
غير أن البعض يرى – وهو محق – أن تلك العناصر من الناحية القانونية كافية لقيام الدولة ، غير انها غير كافية إذا أرادت السلطة في الدولة أن تتصرف في نطاق ممارساتها لوظائفها إلا إذا اعترف للدولة بالشخصية الاعتبارية والسيادة.
وتتميز السلطة السياسية بعدد من الخصائص، مثل: أنها سلطة عليها ودائمة ومستمرة ولا تتجزأ، وأصلية تأسيسية أو مؤسسة، مستقلة وغير خاضعة وتنفرد بالقوانين.
ومن أخص خصائص هذه السلطة أن تتوفر على خاصية السيادة التي عرّفها جان بودان على أنها «القوة المطلقة والدائمة للدولة وأنها ضرورية لتنسيق الحياة المشتركة للأمة أو للجماعة»، وقد وضح بودان فهمه للسيادة وأهميتها للسلطة في الدولة عند توصيفه لطبيعة السلطة في الدولة بقوله «لا بد أن تتوفر الدولة على سلطة لا تستمد من أحد، ولا تخضع لأحد، ليست موكولة من أحد أو موكولة لأحد، وهي بالتالي ليست مسؤولة أمام أية سلطة أخرى على وجه الأرض، ويجب أن يكون لهذه السلطة القول الفصل في كل المشاكل، وأن تشمل بسيادتها كل افراد الجماعة السياسية، ووجود هذه السلطة في الدولة ضمانة أكيدة لاستقلالها وتماسكها، ومن أهم مظاهرها وضع القوانين وإلغاؤها» – دكتور بنكوكوس أحمد، القانون الدستوري والنظم السياسية، ص36.
وهذه السلطة غير موجودة فيمن احضروهم الى جلسة استنساخ البرلمان في سيئون، كلهم خاضعون خانعون تابعون لا يملكون من أمرهم شيئاً ولا حتى على مستوى السيادة السلبية.
ذلك أن للسيادة وجهين : وجهاً سلبياً ووجهاً إيجابياً ، فالسيادة في وجهها السلبي تعني عدم الخضوع لسلطة في الداخل وعدم تبعية لسلطة في الخارج، وعلى عكسها السيادة بمفهومها الإيجابي التي لا تقتصر على عدم الخضوع والتبعية كما ذكرنا، وإنما تعني قدرة السلطة في الدولة على وضع دستورها وقوانينها وتحديد شكل نظام الحكم فيها وفرض قوانينها على كل من على كامل اراضيها على المستوى المحلي وعلى المستوى الخارجي تعني حريتها في إبرام المعاهدات والانسحاب منها، وإقامة العلاقات مع من تريد والوفاء بالالتزامات على قدم المساواة مع الدول الأخرى.
دور السلطة التنفيذية بفرعيها «المجلس السياسي الأعلى، والحكومة”:
وهنا يبرز هذا الدور أو الوظيفة على مستويين – سياسي، وإداري.
1 – على المستوى السياسي، رأينا سابقاً ويمثله المجلس السياسي الأعلى في حماية أمن الدولة على المستويين الداخلي والخارجي، وهذا الدور نراه واضحاً في:
– الامتناع تماماً عن الحديث أو التفاوض مع من اشترك أو سهل أو أعان دول العدوان على اليمن واحتلال أجزاء من أراضيه وبالذات فيما يتعلق بمسألة وقف العدوان ورفع الحصار ودفع المرتبات وفتح المطارات وفقاً لمبادرة عضو المجلس السياسي الأعلى «محمد علي الحوثي».
– وعدم المبالغة في الحفاوة بالعائدين من العملاء والمرتزقة، أي لا يجوز أن يُستقبلوا استقبال الأبطال الفاتحين ومنحهم وسام البطولة، منعاً لاستفزاز مشاعر الناس، «فسخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يُغتفر مع رضى العامة» – الإمام علي عليه السلام.
ويجب إنزالهم منازلهم التي اختاروها لأنفسهم، وغير ذلك فيه تشجيع لمن أراد أن يسلك مسلكهم ثم يعود، قال الإمام علي عليه السلام في عهده للأشتر: «فلا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كلاً منهم ما ألزم نفسه».
ناهيك عن أن قواعد القانون الجنائي وقواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً أو الامتناع عن تطبيقها.
إذاً لا بد أن يواجه غير التائب بتطبيق القانون دون زيادة ، نتغاضى في الحق العام إذا أعلن توبته وتطهر من خطاياه علنا وفضح أعداء الوطن وأعلن استعداده للمشاركة في الدفاع عنه ،أما ما قد ارتكبه من أعمال قتل أو سلب أو نهب للمواطنين فلا يفصل فيها إلا القضاء .وهذا هو طريقنا لنفرض احترام القانون وهيبة الدولة ونمنع ونحد ونجفف منابع العمالة والخيانة في اليمن مستقبلا التي وصلت إلى حد المجاهرة والاشتراك مع العدوان في عدوانهم على اليمن وقتل اليمنيين واحتلال أرضه .وغير هذا فنحن نهيئ البيئة المناسبة لضعاف النفوس.
ـ إعلان موقف واضح يتعلق بإعادة النظر في علاقات بلادنا مع دول العدوان والشركات والمنظمات التي تدعمه لفترة ما بعد العدوان، أي فترة إعمار ما دمره العدوان ، وإظهار تقدير وأمل لمن لم يشترك ولم يساند لو تمت الإشارة إليه بالاسم مثل ماليزيا.
ـ بيان موقف يعلن فيه المجلس السياسي الأعلى تمسكه الكامل والمطلق بملكية وتبعية شرورة الوديعة ونجران وعسير وجيزان والربع الخالي للجمهورية اليمنية أرضا وبشرا وتاريخا ومصيرا، علما أنه قد سبق المجلس الجمهوري مثل هذا في العام 1965م .
ـ دعوة المجلس السياسي الأعلى لإنهاء معاهدتي الطائف وجدة بإعلان الانسحاب منها بالإرادة المنفردة باعتبار ذلك وسيلة من وسائل الدفاع الشرعي الفردي عن النفس وفقا لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة كما سبق بيانه كما بينته لجنة القانون الدولي التي بنته على تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة للعدوان في قراراها( 3314)الصادر في 1974م، والتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة لتأييد هذه الخطوة والاعتراف بها ، وإحضار الطرف الآخر أو المنظمة المودع لديها نسخة من المعاهدتين بذلك، وإذا لم يتخذ مثل هذا الموقف فسيفسر قانونا على أنه قبول من طرف المجلس السياسي الاعلى للمعاهدتين والتنازل عما تضمنتاه.
ـ إعادة النظر في العلاقات بين الدول شبه الجزيرة العربية على أساس : إقامة أنظمة حكم ديمقراطية ،ترسيم الحدود على أساس ميثاق الأمم المتحدة وبالذات المادتين الأولى والثانية لمنع تكرار الصراعات مستقبلا بين اليمن وجيرانها ولقطع الطريق على التدخلات الخارجية .
ـ وطرح مشروع مصاحب يتبنى دخول شبه الجزيرة العربية في وحدة من خلال اتحادية ذات نظام حكم ديمقراطي ونظام سياسي رئاسي واعتماد نظام التمثيل النسبي في الانتخابات لتداول السلطة سلميا ، وهذا يمثل ردا عمليا على التدخلات الخارجية وتحديدا الإمبريالية الغربية وليست تسهيلا لها كما يعتقد وفقا للدكتور غسان سلامة، ويكمل ذلك دوره على المستوى الإداري.
2 – على المستوى الإداري : تقوم السلطة التنفيذية بما تمتلكه من وسائل الإكراه المادية والمعنوية وبالذات الحكومة بتنفيذ قرارات مجلس النواب ، وأحكام القضاء بهذا الخصوص.
إننا لن نكون أرحم وأعدل من ربنا ونبينا ، فقد توعد الله الظالمين والقتلة والمنافقين بالنار ، ونبينا عليه وعلى آله افضل الصلاة والتسليم قد رفض التفاوض مع يهود بني قريضة العملاء والخونة ، ولكنه تحاور وفاوض مع الخصوم والأعداء .
وهذه خطوة على طريق بناء الدولة، وكما يقال: الألف خطوة تبدأ بخطوة.
والله ولي المؤمنين، الذين آمنوا وقالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون… صدق الله العظيم.

*مستشار وزارة الخارجية

قد يعجبك ايضا