
السلال: مفاهيم الدولة المدنية تجسدت كواقع في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي
الدكتور الكميم: الوحدة.. لا زالت الهدف الذي ستولد منه دولة النظام والقانون
الناخبي: محاولات اليمنيين لم تتوقف من أجل بلورة مداميك الدولة الحديثة
استطلاع/مفيد درهم
لم يكن مشروع الدولة المدنية الحديثة الذي ينشده اليمنيون اليوم وتتغنى به وسائل الإعلام ويناقشه مؤتمر الحوار الوطني وليد اللحظة وإنما كان نتاج تصورات قيادات ومناضلي ثورتي 26سبتمبر و14 أكتوبر تجسدت فيما بعد بمحاولات لم يكتب لها النجاح.
يقول علي عبدالله السلال- عضو مجلس الشورى: عبرت أهداف ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر عن تصورات قيادات ومناضلي هاتين الثورتين عن أسس ومفاهيم الدولة المدنية الحديثة التي ننشدها اليوم ولم نستطع تحقيقها فيما مضى ولكن فرصة تحقيقها بين أيدينا الآن ولم نفرط بها.
ويضيف السلال لقد تجسدت مفاهيم الدولة المدنية الحديثة فيما بعد قيام ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر كواقع في عهد الشهيد إبراهيم الحمدي كنموذج حي لمحاولة كادت أن تكتمل لكنها أجهضت في المهد.
ويتفق معه عبدالله الناخبي- أمين عام الحراك الجنوبي حيث قال:
قيادات ومناضلو ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر وضعت اللبنات الأساسية للدولة المدنية الحديثة وإن لم تكن بمفهومها الحالي كما أن أبرز محاولات قيام الدولة المدنية الحديثة في اليمن كانت في عهد الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي الذي أسس حركة 13 يونيو 1973م التصحيحية والتي أحدثت تغييراٍ حقيقياٍ في شمال الوطن وأيضا ما أعقب أحداث 13 يناير 1986م في جنوب الوطن من وجود دولة ذات نظام وقانون.
ويضيف الناخبي: أظهرت كل محاولات بناء الدولة المدنية الحديثة في السابق أن الشعب اليمني مع بناء دولة مدنية حديثة ذات نظام وقانون تقوم على العدل والمساواة في الحقوق والحريات بين جميع أفراد الشعب.
بينما ينظر الدكتور عبدالعزيز محمد الكميم أستاذ علوم سياسية إلى الجوانب المتصلة بالشروط والمتطلبات ذات الأولوية في مشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة ضمن رؤية وإدراك قيادات مناضلي الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر يقول: من خلال متابعة مواقف وسلوك قيادات النظام الجمهوري المتعاقبة خلال مراحل إنجاز تلك الأهداف والمتطلبات ومستوى قدرتهم على التعامل مع الظروف والتحديات المحيطة بمراحل إنجازها يمكن القول أن متطلبات التجربة اليمنية تحددت في التحرر والاستقلال وإقامة النظام الجمهوري والوحدة والديمقراطية وهذه المتطلبات لا تختلف كثيراٍ في جوهرها عن الشروط والمتطلبات التي أكدت عليها الدراسات النظرية المتخصصة في الدول والنظم السياسية المعاصرة .
وتابع بالقول : لقد شكل قيام ثورة 26 سبتمبر عام1962م بداية عملية الانطلاق نحو تحقيق المتطلبات الأساسية لمشروع الدولة اليمنية الحديثة من خلال توجيه هدفها الأول صوب القضاء على الحكم الملكي المطلق لتحرير المواطنين من مآسي الاستبداد والظلم والحرمان باعتبار الإنسان هو الركن الأساسي الأول في بناء الدولة الحديثة الذي من خلاله ستنجز آليات الأهداف الأخرى مثل الاستقلال والوحدة والديمقراطية على طريق الوصول إلى بناء الدولة اليمنية الحديثة كمشروع وطني أوسع كانت متطلباته واضحة ضمن الأهداف الستة المعلنة لثورة مرتبة وفقاٍ لأولوية أهميتها على جدول أعمال قادة الثورة.
وقال: لقد تمثلت أبرز محاولات إنشاء دولة مدنية حديثة في ظهور حركة 13 يونيو عام 1973م برئاسة الحمدي ولعل أهمية هذه الحركة تكمن في أن قائدها لم يصل إلى الحكم عن طريق الإنقلاب العسكري أو الدعم الخارجي أو المساندة القبلية أو الإغتيال وإنما جاء باختيار ورضى السلطة التي كانت تحكم البلاد آنذاك بعد تأزم الوضع السياسي وإنفلات حال أجهزة ومؤسسات الدولة واستفحال الصراع بين أقطاب السلطة وذلك في أواخر سنين حكم القاضي عبدالرحمن الإرياني زعيم حركة النوفمبريين الذي تم إقناعه بضرورة استقالته وبالتالي استقال المجلس الجمهوري ورئيس مجلس الشورى وغيرها من الاستقالات التي رفعت إلى العقيد إبراهيم الحمدي الذي كان يشغل حينها نائب القائد العام للقوات المسلحة باعتباره كان يمثل القائد العسكري الأكثر بروزاٍ في القوات المسلحة خاصة مع وجود شعور بأن الحمدي يتزعم تشكيلاٍ أو توجهاٍ واسعاٍ داخل الجيش وخارجه وكان ذلك التشكيل أو التوجه أقرب إلى وصف المعارضة فكان تقديم استقالة المجلس الجمهوري ومجلس الشورى إلى الحمدي يمثل نوعاٍ من تسليم الحكم من السلطة إلى المعارضة كما يشير المؤرخ محمد حسين الفرح رحمه الله.
واردف الدكتور الكميم: بتولي الحمدي مقاليد الحكم بدأ عهد جديد في حياة الشعب اليمني الذي يقترن اسم الحمدي في ذاكرته بعهد الرخاء والازدهار والإنتصار على الجوع والخوف والتسلط وقد أبهر بإدارته للدولة كل المتابعين والمهتمين على الساحتين الإقليمية والدولية في هذا السياق وصفت مجلة الجارديان البريطانية قيادة الحمدي بأنها ادهشت جميعها الدبلوماسيين أما صحيفة السفير اللبنانية فقد اعتبرته نسيجاٍ خاصاٍ من الزعامات العربية النادرة وقالت عنه الباحثة السوفييتية دجلويا فسكاياد إن عملية بناء الدولة المركزية الحديثة في الجمهورية العربية اليمنية بدأت منذ قيام حركة ٣١ يونيو برئاسة الحمدي ولقد حققت الحركة إنجازاٍ كبيراٍ في بناء الدولة المركزية الحديثة وعملت على إيجاد تنظيم سياسي فاعل من القاعدة الجماهيرية والواقع الشعبي تحتشد فيه كل الامكانيات البشرية الوطنية وأصدرت قراراٍ بتشكيل لجنة مؤقتة لإعداد مشروع برنامج العمل الوطني تكونت من ٩٣ شخصية ويعد برنامج العمل الوطني بمثابة الميثاق الوطني الذي أعلنه عبدالناصر وقد سمي فيما بعد الميثاق الوطني الذي تطور إلى الصورة التي خرج بها وكانت مهمة اللجنة وضع مشروع برنامج شامل للعمل الوطني على ضوء استعراض متميز لكل تجارب الماضي بسلبياتها وإيجابياتها من أجل إعطاء تصور شامل للدولة اليمنية الحديثة القادرة على خلق الازدهار والتقدم وبعدها تم تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الشعبي العام الذي اعتبر آنذاك بمثابة الإطار العام لكافة القوى السياسية وعموم الشعب وعلى المستوى الشعبي وجه الحمدي بتكوين اللجنة العليا للتصحيح ولجان التصحيح الأساسية والفرعية والتي تكونت في سائر الأجهزة والمؤسسات وكافة النواحي والمحافظات منذ أكتوبر ٥٧٩١م وانعقد المؤتمر الأول للتصحيح في ٦١ يونيو ٦٧٩١م .
دولة المواطنين
ووفقاٍ للبردوني فقد حول الحمدي مشروع التصحيح إلى لجان تصحيح أصبحت كتنظيم سياسي وكان الرئيس الحمدي يسعى من خلالها إلى إيجاد ما اسماه بـ «دولة المواطنين» فيما تقول الباحثة يوفسكا: في جانب السلطة التشريعية وجه الحمدي بتجميد ثم حل مجلس الشورى نظراٍ لتقديم رئيس المجلس استقالته واجراء انتخابات نيابية ديمقراطية كبديل عن ذلك وإجراء التعداد السكاني لأول مرة في تاريخ البلاد وأصدر قانون انتخابات مجلس الشورى وتشكيل اللجنة العليا للإنتخابات واستطاع الحمدي بحزمه أن ينهي مراكز القوى والنفوذ ويحد من سلطة المشائخ ويرسي أسس دولة حديثة تقوم على التعددية الديمقراطية وبهذا مثل حكم الحمدي الترجمة الفعلية لأهداف ثورة ٦٢ سبتمبر من خلال هذا التوجه الذي كان الرئيس الحمدي يطمح في الوصول إليه وهو دولة المواطنين كوعد بدا في عيون الناس العاديين يدنو ويقترب منهم وكان الحمدي قد استطاع باقتدار ان يتقدم في مسارين متجاورين يبدو أن متعاكسين في تصورات النخب السياسية الحديثة والتقليدية معاٍ فهو تقدم بخطوات متسارعة في اتجاه الدولة المركزية وشرطها احتكار الدولة وسائل الإكراه المادي.
وفي الوقت نفسه وسع من نطاق المشاركة الشعبية في إدارة المجتمع بتعزيز التعاونيات ومضت تقول:
وكان أمامه تحديان الاول إنها المرحلة الانتقالية وإعادة الحياة الدستورية وايجاد أداة سياسية تكفل تنظيم المشاركة السياسية للمواطنين وحيال التحدي الأول تقرر تنظيم انتخابات نيابية وفي التحدي الثاني استجلبت فكرة مركزية في الناصرية قوامها تنظيم قوى الشعب في أداة سياسية واحدة كمقابل للتعددية الحزبية التي كانت محْرمة منذ الوجود المصري في الستينيات ووفقاٍ للصحفي سامي غالب فإن حركة ٣١ يونيو التي قادها الحمدي ووضع أسسها وملامحها تعد بكل المقاييس المرحلة الأهم في حياة الشعب اليمني وإذا كانت لم تعط حقها الكامل من الإنصاف والتقدير فإن الاجيال القادمة هي من ستحتفي بهذه الحركة وتعمل على استعادة مبادئها وتصورها لمفهوم الدولة اليمنية الحديثة القائم على المساواة والعدالة وإعطاء الوطن الأولوية في كل شيء والتفلت من الولاء للكيانات او المشاريع الأخرى.
وتابع غالب بالقول: إن المبادئ والتصورات التي كانت تحملها حركة ٣١ يونيو بحسب ما قاله علي عبدالله السلال- عضو مجلس الشورى وعبدالله الناخبي- الأمين العام للحراك الجنوبي قد اصطدمت بقوى نافذة داخل المجتمع مسنودة خارجياٍ شعرت معها أن مصالحها ونفوذها قد بدأ يتقلص تدريجياٍ أمام المشروع الجديد الذي سار عليه الحمدي وبالتالي بدأت تحيك له المؤامرات وتضع له الدسائس بهدف إعاقته وهي في مجموعها قوى وضعت نصب مصالحها الشخصية ورمت بمصلحة اليمن جانباٍ غير عابئة بمستقبل الأجيال القادمة.