99 عاما على "مجزرة الحجاج الكبرى"

الدمُ منّا.. والقاتل يُعيد نفسه!

 

> قبل مائة إلاّ عاما قتلت عصابة عبدالعزيز بن سعود ثلاثة آلاف حاج يمني في تنومة

الثورة / صنعاء
صادف أمس السبت الذكرى التاسعة والتسعين قبل المائة لأبشع جريمة غدر تعرض لها الحجاج اليمنيون من قبل جيش ابن سعود ، “مجزرة تنومة التي ارتكبها جيش عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية في منطقة تنومة وسدوان ، ففي الـ 17 من ذي القعدة عام 1342 هجرية الموافق 1923 ميلادية، عصابات ابن سعود ترتكب مجزرة مروعة بحق آلاف الحجيج اليمنيين على أيدي جيش آل سعود، عُرفت فيما بعد بـ «مجزرة تنومة» .

شاء السعوديون أن يعرِفَهم اليمنيون من أول يوم بأنهم مجرمون وقتلة، وذلك من خلال جريمة مروِّعة ذهب ضحيتها آلاف الحجاج اليمنيين في ما عرف بمجزرة تنومة عام1922م الموافق 1430هـ، في منطقة عسير بين بلاد بن لسْمر وبن لحْمر، فحينما كانوا يجتازون وادي تنومة كانت قد ترصّدتهم مجموعات تكفيرية (داعشية) من جيش عبدالعزيز آل سعود في رؤوس الجبال المطلة على الوادي، يقال لهم الغُطْغُط [1]، بقيادة التكفيري الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي، فانقضُّوا عليهم بوحشية منقطعة النظير، وهم عزل من السلاح، ومعهم نساء، فتقربوا إلى الله بزعمهم بقتل هؤلاء الحجاج اليمنيين جميعا رجالا ونساء؛ لأنهم بحسب عقيدتهم كفار مباحو الدماء والأعراض، لقد كان الوهابيون من أتباع قرن الشيطان ولا زالوا يحملون جينات وبذور ما عرفه العالمُ اليوم باسم (داعش)، بلغ بأولئك أن هنَّأ بعضُهم البعضَ الآخر بكثرة من قُتِل من الحجاج، فمن قتل حاجًّا واحدا بشّروه بقصرٍ في الجنة، ومن قتل اثنين بشَّروه بقصرين، وهكذا. وبعد ذلك سطوا على دوابهم وقافلتهم التي كانت تحمل الحبوب والدقيق والسمن واحتياجاتهم التموينية التي كانت أيضا سببا في سيلان لعاب هؤلاء الوهابيين التكفيريين.
ولأن مملكة قرن الشيطان تمضي على نهج الشيطان في التضليل فقد نحت باللائمة على بعض فرق جيشها بحجة أنهم التبسوا في الحجاج بأنهم مدَدٌ عسكري لشريف مكة، تضليلا للرأي العام وتنصُّلا من عار وشين الجريمة المروِّعة أمام العالم الإسلامي، لكن القاضي العلامة الحسين بن أحمد بن محمد السياغي في كتابه (قواعد المذهب الزيدي) – والذي كان أبوه العالم والمدرِّس في الجامع الكبير أحدَ شهداء هذه المجزرة – لخِّص تعامل الملك عبدالعزيز مع هذه القضية بقوله: «استفتح الملك عبدالعزيز الحجاز بقتلهم، وباء بدمائهم وأموالهم، ولم يتخلّص منهم إلى أن توفي».
قضى في هذه المجزرة خيرة أعلام اليمن، وممن استشهد فيها السيد العلامة الحسين بن يحيى حورية المؤيدي، والسيد العلامة يحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين، والحاج حسين القريطي والد الشيخ المقرئ محمد حسين القريطي رحمهما الله، الذي ولد في نفس العام، والحاج محمد مصلح الوشاح، أحد أهالي صنعاء، وعمّ السخط والحزن أرض اليمن، وحين وصل الرحالة نزيه مؤيد العظم إلى اليمن وجد الحزن والأسى يعم أهلها، ورثاهم الشعراء والأعيان، وعلى رأسهم القاضي العلامة المؤرخ الجغرافي محمد بن أحمد الحجري، وقال القاضي العلامة يحيى بن محمد الإرياني، والد الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني:
جنيت على الإسلام يا ابن سعود
جناية ذي كُفْرٍ به وجحود
جناية من لم يدر ما شرعُ أحمدٍ
ولا فاز من عذب الهدى بورود[2]
ولما حضر الموتُ السيدَ العلامة يحيى بن علي الذاري رحمه الله أسِف على أمرين لم يوفّق فيهما، وهو أنه لم يقاتل الصهاينة في فلسطين، والثاني أنه لم يجاهد آل سعود اقتصاصا لشهداء مجزرة تنومة، وكان قد فاض ألما في شعره عليهم، فقال راثيا إياهم:
ألا من لطرف فاض بالهملان
بدمعٍ على الخدين أحمرَ قانِ
بما كان في وادي تنومة ضحوةً
وما حلّ بالحجاج في سدوان
من المارقين الناكثين عن الهدى
وعن سنة مأثورة وقران
أحلوهم قتلا وسلبا وغادروا
جسومهم صرعى تُرَى بعيان
تنوشهمُ وحش الفلاة وطيرها
لعمرُك لم تسمع بذا أذنان
لذا لبس الإسلام ثوب حداده
وناح ونادت حاله بلسان[3]
وكتب إلى الأخ محمد سهيل من صعدة أن أمه لا تزال تحفظ بيت شعر من قصيدة شعبية كانت النساء تنشدها في الأعراس أسىً على شهداء تنومة، وهو:
يا ريت وأن علي بن أبي طالب على الدنيا يعود
يؤمن طريق الحج والمذهب يصونه.
هذه هي مملكة آل سعود في بدايتها، فما عساها أن تكون في نهايتها؟!
لقد أراد النظام السعودي من وراء هذه المجزرة أن يكشِّر عن ناب وحشيته كمدخل لإخضاع اليمنيين وجبرهم على السكوت أمام أي توسع سعودي كان ينوي ابتلاع اليمن، وأن لا يحاولوا تحقيق أي إنجاز حضاري متفوق في يمن الإيمان يثير حساسية الأعراب في نجد مملكة قرن الشيطان.
يتضح اليوم أن حكام السعودية ماضون في عدوانهم على اليمن وفي تدخلاتهم الوقحة في شؤونه المختلفة، وقد بلغت بهم الوقاحة حدا غير مسبوق في الجرائم المروعة والمبررات السخيفة والتضليل الفج، ولهذا لا مناص لليمن إذا أراد أن يستعيد هويته الوطنية والثقافية والفكرية الحضارية أن يستمر في استعادة روحه المستقلة، وأن يوسع من دائرة الثورة التي بدأها على أدوات السعودية في اليمن إلى الرد على السعودية نفسها في عمق أراضيها وبذات النفس الثوري القوي والصاخب.
بعد أن دمرت السعودية البنية التحتية للدولة اليمنية، يصبح مسار الثورة الواعية ضد استكبار النظام السعودي وجبروته وردا على عدوانه والاقتصاص منه على جرائمه بحق المواطنين اليمنيين أمراً عادلاً ودفاعياً وإجراءً عقابياً لا بد منه، وإن عظمت في ذلك التضحيات، فمعاناة شهر أو شهرين خير من معاناة قرن أو قرنين. رحم الله شهداء مجزرة تنومة الأبرار، وكل شهداء العدوان السعودي الأمريكي على اليمن.
مجزرة الحُجاج الكبرى.. عصابة آل سعود تقتل ثلاثة آلاف حاج يمني في تنومة.!
يقول الباحث عبدالله النعمي في عرضه لكتاب مجزرة الحجاج الكبرى ان النظام السعودي استطاع وتمكن من قتل الحجاج اليمنيين مرتين، مرة حين غرز خناجر الغدر والخيانة في صدورهم وقلوبهم المتوجهة نحو الله وبيته، ومرة عندما استطاع التغطية على جريمته وتمكن من دفنها، وبلا شك ان الأنظمة المتعاقبة في اليمن قد شاركت آل سعود في تنفيذ الجريمة الثانية، فساعدت وساهمت مع النظام السعودي في إخفاء الجريمة، والتستر على القتلة والمجرمين، وإخفاء تفاصيل المجزرة ومنعها من الوصول للأجيال وللشعب اليمني ولبقية الشعوب العربية والإسلامية، رغم بشاعة الجريمة، ودناءة مرتكبيها، والعدد الكبير من الضحايا الذين حصدتهم المجزرة، إنها جريمة لم ترتكب مثلها حتى اسرائيل في حق الشعب الفلسطيني المظلوم.
نشرت صحيفة “الثورة” كتاب الباحث الأهنومي في حلقات إسهاما منها في اطلاع الرأي العام على تفاصيل أبشع جريمة غدر في التاريخ ارتكبتها عصابات عبدالعزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة، وقتذاك وخلال لقاء جمعني بالدكتور والشاعر الكبير الأستاذ عبدالعزيز المقالح أشار في حديثه إلى أن الكتاب المنشور في الصحيفة والذي طبع فيما بعد يعتبر من أهم الكتاب والمؤلفات اليمنية على الإطلاق كونه يؤرخ لحدث تاريخي ظل مغيبا لقرن من الزمان.»رئيس التحرير».
واليوم ونحن إذ نعيد التذكير بهذه الجريمة البشعة ونستذكر أي أسرة خبيثة تلك التي تحكم شبه الجزيرة العربية وتعتدي علينا ، ولا غرابة في أن يواصلوا ارتكاب جرائمهم بحق اليمنيين وغيرهم فهم من قتلوا الحجيج ونهبوهم ، وإلى وقت قريب.
نشير هنا إلى أن كتاب الباحث حمود الاهنومي «مجزرة الحجاج الكبرى في تنومة وسدوان» راوية تفصيلية لتفاصيل المجزرة ووثق من خلاله المجزرة كابشع جريمة ارتكبتها عصابات عبدالعزيز آل سعود بحق ثلاثة آلاف حاج يمني قبل حوالي خمسة وتسعين عاما، خلال توجههم لأداء فريضة الحج، لم ينج من هذه المجزرة الإرهابية سوى خمسمائة حاج حسبما أكده الباحث.
هذه المجزرة المروعة لم يجرؤ أن يكتب عنها احد ناهيك عن توثيقها وتقديم ملفاتها إلى الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع الدولي، ثم انبرى الأستاذ المؤرخ حمود الاهنومي ليتحف المكتبة اليمنية والعربية بكتاب صدر حديثا تحت عنوان “مجزرة الحجاج الكبرى” متحديا كل الصعاب رغم انعدام المصادر وندرة المراجع..
يقول الباحث الأهنومي في مقدمة كتابه:
في منتصف ليلة الـ26 من مارس 2015م أيقظتنا أصواتُ الانفجارات العنيفة وهزات القصف المكثف على أنحاء مختلفة من مدينة صنعاء، ولما هُرِعت إلى النت لأتعرف على هذه الحادثة الغريبة إذا بإعلان بداية العدوان ينطلق من واشنطن على لسان سفير السعودية هناك، بدعوى إعادة الشرعية، وفي الصباح حمَلتِ الأنباءُ أخبارَ مجازر وحشية طالت حيَّ بني حوات في شمال صنعاء، ثم توالتِ المجازر بشكل يومي ووحشي وعلى نحوٍ فظيع، وسرعان ما انبعثت أصوات دعاة ووعاظ البلاط السعودي الأمريكي بتبرير تلك الجرائم بكون الــيــمــنيين مجوسا، وروافض، ومنحرفين، وضالين، وهمُ هم الذين لم يطل بنا وإياهم العهد وهم يصرخون بالثناء على هؤلاء الــيــمــنيين وأنهم أهل الإيمان والحكمة، ومهد العروبة، ومدد الإســـلام.
لم تطُلِ الغرابة لديَّ من هذا العدوان، بحكم المعرفة التاريخية بجرائم هذا الكيان، وبطبيعة المهمة والدور الموكَلَيْنِ إليه من مشغِّله البريطاني أولا، ثم الأمريكي لاحقا، حتى أنني في الباصات وبعض التجمعات كنت أطرح أن هذه الجرائم التي يرتكبونها ليست جديدة عليهم؛ إذ يجب أن نتذكّر جميعا مــجــزرة تـنـومـة ضد الــحــجــاج، وأن هذه المجازر التي نراها بشكل يومي في صنعاء وغيرها قد بدأت من ذلك اليوم المشؤوم، غير أن المصيبة كانت في أن معظم الــيــمــنيين الذين أصادفهم لم يكونوا يعرفون شيئا عنها.
كانت مــجــزرة (تـنـومـة وساق الغراب) قد علِقت في ذهني منذ صغري بحكم كثرة حديث والدي حفظه الـلـه عنها، وهو الشغوف بالتاريخ، وفي عام 2012م لما حاولَتِ السعودية تلافيَ انفراطِ عِقد السلطة الموالية لها في الــيــمــن في ما سمي بالمبادرة الخليجية، كان الثوار الــيــمــنيون في مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص الفيسبوك وفي المنشورات الورقية الثورية، تتناول خطر السعودية على الــيــمــن، وكانوا يذكِّرون بين الحين والآخر بعدوانِهم على الــحــجــاج في تـنـومـة.
خلال 2014م كتبْتُ منشورا على الفيسبوك عن جرائمِ السعودية بحقِّ الــحــجــاج الــيــمــنيين، قلت فيه: “آلاف الــحــجــاج الــيــمــنيين تمَّ قتلُهم بدمٍ باردٍ من قبلِ جنود الملك عبدالعزيز الوهابية في ذي القعدة سنة 1341هـ.. مــجــزرة يكاد أن ينساها التاريخ ولا تجد لها إلا ذكرا يتيما”، ثم أوردت بعضا من تفاصيل تلك المــذبــحــة، وبعض الردود على الرواية النجدية حولها.
في الأشهر الأولى من العدوان السعودي الأمريكي على الــيــمــن قرَّرْتُ ضرورة إنجازِ بــحــث تاريخي عن هذه المــجــزرة الموءودة، تأصيلا لفظاعة ووحشية المعتدين تاريخيا، وبالفعل بدأت بجمع المعلومات، ولكن صعوبات انعدام الكهرباء وكثافة القصف وإغلاق المكتبات أعاقتني إلى حدٍّ ما، وهذه كروت المعلومات تذكِّرني هوامشُ بعضِها بأنني كتبتُها ساعةَ قصف العدوان بالقرب منا، وأنني كنتُ أكتُبُها وطفلي الحسينُ (5 سنوات) يَرْتَعِشُ من الخوف في حضني، حيث كان لا يأمن إلا فيه، وكانت تجتاحني موجة شعور واحدة إزاء مرتكب جريمة تـنـومـة وجرائم 2015م.
وخلال عملية جمع المعلومات اكتشفتُ أنها قضية موءودة، وذات مظلومية عظيمة، ليس من جهة المعتدين الذين أبادوا الشهداء بدم بارد ظلما وعدوانا، ولكن منا نحن الــيــمــنيين الذين شاركنا في دفن القضية أيضا ثقافيا وتاريخيا وتربويا بقصدٍ وبغير قصد.
كتبتُ خلال 2015م و2016م مقالات منشورة حولها، منها: (الــيــمــن والسعودية بين مــجــزرة تـنـومـة 1923م ومجازر 2015م)، و(مــجــزرة تـنـومـة الموءودة تحت المجاملات السياسية)، و(مــجــزرة تـنـومـة بداية مجازر آل سعود)، و(مــجــزرة تـنـومـة.. جرسٌ مبكِّر للعدوان)، و(مرثاة السيد العلامة يحيى بن علي الذاري لشــهــداء تـنـومـة)، و(العدوان السعودي على حــجــاج بيت الـلـه الحرام)، وغيرها، كما شاركتُ بعددٍ من البرامج التلفزيونية والإذاعية عن تلك المــجــزرة.
كنتُ بعدها مدفوعا باعتقادي أهمية أن يعلَمَ كلُّ الــيــمــنيين بهذه المــجــزرة من أجل تكوينِ وعيٍ عميقٍ عن طبيعة هذا العدوان القائم، وأن يكون هذا الوعي جزءا من المواجهة الاستراتيجية لهذا الكيانِ المتوحِّش، وهو الأمر الذي شاطرني فيه كثير من الإخوة والزملاء، وعلى رأسهم الأستاذ الكاتب محمد المقالح الذي حثني كثيرا لإنجاز هذا البحث.
قُدِّر لتلك الكتابات والبرامج لي ولكتَّابٍ وإعلاميين آخَرين أن تشارِك في رسم دائرة ضوء جيدة في الوعي الــيــمــني، لكنها لم تكن بالقدر الكافي، وكان من الأهمية بمكان أن يشاطِرنا الرئيس الأسبق علي عبدالـلـه صالح في لقائه مع قناة الميادين في 13/ 10/ 2015م بذكره المــجــزرة دليلا على حقد السعودية لليمنيين منذ وقتٍ مبكِّر.
إن هيمنة السعوديين – وهم رأس حربة الأمريكيين في المنطقة – على القرار السيادي والسياسي والتربوي والثقافي والاجتماعي في البلد طوال عقود من الزمن كانت قد استفحلت بشكل مرعب، إلى الحد الذي جعل تناسي تلك المــجــزرة وغيرها من حوادث التاريخ النجدي الوهابي المشين من أهم الشروط التي يجب أن تتوفَّر في الأكاديمي والباحث والمؤرِّخ الــيــمــني، وإلا فإنه سيُحْرَمُ من الحصول على امتيازاتٍ كثيرة، أقلُّها المشاركةُ في المؤتمرات العلمية، والتاريخية، وستَحْرِمه (إدارة الملك عبدالعزيز) من كرَمها الحاتمي الذي توزِّع نوالَه على كل من يعملون معها في مغسلةِ تنظيفِ تاريخِه من الأوساخ والأقذار، والتي تكفي بمفردها لأن تلوِّث التاريخ الإنساني من أوله إلى آخره.
وقد أُفْصِحُ هنا عن شيءٍ قليلٍ مما كان يمارسه الملحق الثقافي السعودي في الــيــمــن، من ضغوطِ الترغيب والترهيب بحق المثقفين والمؤرِّخين والشعراء والأدباء والكتاب الذين لا يدورون في نفس الفلَك السعودي الوهابي، وهو أمرٌ معروف في هذه الأوساط؛ لهذا لا غرابة أن تُدْفَن تلك المــذبــحــة بين غثاءِ أهلها، وفي أعماق أوجاعهم، وبطون تأوهاتهم.
إنها المــذبــحــة التي لولا جهود الثوار الــيــمــنيين وثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيدة لما رأى هذا البــحــثُ عنها النور، ولما سُمِح لأيٍّ منا بالتعبير عن آلامِنا العميقة وتلمُّس جروحنا الغائرة في جسد تاريخنا المعاصِر المثخَن بالآلام.
وهي أيضا المــذبــحــة التي كانت تثيرُ فيَّ عددًا من الأسئلة: لماذا ارتُكِبَتْ بحقِّ حــجــاجٍ أبرياء؟ ما هي الدوافع السياسية وراء الموضوع؟ وما علاقة الدول الاستعمارية بها؟ وكيف وقعت؟ وكيف نجا من نجا منهم؟ وماذا كان موقف الإمــام يــحــيـى وحكومته؟ وهل تم الاقتصاصُ والثأرُ من المجرمين؟ وهل تسلَّم أولياءُ الدم دياتِ ذويهم؟ وكيف كان أثرها على العلاقة السياسية بين البلدين؟ وغيرها من الأسئلة التي شكّلت وتشكِّل بمجملها مُشْكِلَ هذا البــحــث.
تلك إذن.. هي قصة أسباب اختياري لهذا البــحــث. وللجريمة فصول أخرى نشاهدها اليوم عيانا ، وبعد 99 عاماً على جريمة ذبح الحجاج اليمنيين في “مذبحة تنومة نستذكر 3000 حاج يمني يرتدون ثياب الإحرام قلتهم عصابات آل سعود وهو أمر لا يمكن نسيانه.

قد يعجبك ايضا