هوجة 11فبراير
محمد ناجي أحمد
من الخطر الشديد –كما يرى جلال أمين في كتابه (شخصيات بلا تاريخ) -ليس فقط أن تحاول أ ن تمد يدك لإيقاف عجلة التاريخ ،بل وأيضا أن تحاول أن تجعلها تجري بسرعة أكبر من سرعتها -275ص.
فالثورات التي نقدر على القيام بها بحسب ليونارد جاكسون في كتابه (بؤس البنيوية ) هي الثورات ذاتها التي نحتاجها لتغيير أشكال الواقع التي تهمنا .ص42.
اشتركنا في (هوجة 2011م) دون أن نحدد ماذا نريد ،لا أهداف لنا نحن الذين وجدنا حشدا فانجرفنا معه كرها أو هوى…
خلال الأسابيع الأولى ظللنا نرقع أهدافا لهذه (الهوجة) وكان المتحكمون بمسار القطيع يتقبلون هذا المزاج الشعبوي كهذيان سيعاد ترويضه…
كان الهدف الواضح لرؤوس الثعابين هو إسقاط الرئيس علي عبد الله صالح كمظلة أصبحت تتبرم) من شراكتهم ومزاحمتهم له في (الملك))
مظلة لا تتسع لهم كشركاء معه في التمكين والحكم والثروة بعد أن طُرحت مسألة التوريث بكل ما تحمله من دلالات الهزيع الأخير لمسبحة اكتملت حباتها بالسبحلة والحمدلة و(التوحيد(
كان الهدف المتواري خلف مبادرات أعضاء في مجلس النواب ووجاهات مشيخية هو تقسيم اليمن إلى مخاليف أو أقاليم!
خلف تلك المبادرات كانت رؤوس الثعابين تتوارى كوكيلة لرغبات مشيخات الخليج وفي مقدمتها الكيان السعودي.
لم يكن بناء الدولة المركزية القوية -كفريضة غائبة -من مهام هذه الهوجة! بل كانت المهمة هي الانتقال من هشاشة الدولة الرخوة، المرتكزة على توافق مراكز القوى إلى اقتسام الدولة كإرث توافقي ،وتوزيعه ببصائر ملكية كما كان يصنع الأيوبيون ومماليك مصر والشام ، ابتداء من وفاة صلاح الدين الأيوبي وتوزيع سلطانه بين أبنائه وأخوته ووصولا إلى تحولهم لعبة بيد الفرنجة وحملاتهم الاستعمارية!
لكن مماليك اليمن كانوا أرقاء من حيث المبتدأ والغايات قطع شطرنج في جغرافية يمنية، تفككت وتحولت إلى قلاع مسيجة بالأوهام ،ومعززة باللا انتماء ،وحقل تجارب لتخليق الانفعالات الممعنة في استلابها ، والموغلة في تدحرجها اليومي نحو قيعان اللا معقول والغرائبية السمجة والخالية من المعنى ،بل موت المعنى أساسي ليتحرك الجسد دون رأس ودون طريق سوى الارتطام بما يماثله من التوترات المخبرية…
لسنا أكثر من كائنات معمل اجتماعي لتوليد السلوكيات الدفينة في طبقات التاريخ…
البدائي فينا والمتوحش هو الذي يحدد الحدود ،ويسوق الجميع ضد الجميع
من يتأمل في أطروحات اليساريين في اليمن ،سواء في انتفاضة 9،10،11ديسمبر 1992م أو حرب 1994م ،او انتخابات 2006م أو أحداث 11فبراير 2011م ،وما بعدهامن تسويات وحروب –نجدها في معظمها مثالاً واضحاً لما دعاه ماركس بالمثالية ،فهي قاصرة فكريا ،ورغبوية في استنتاجاتها ونبوءاتها ،وحتمية وميتافيزيقية في مسارها وأدوات تحليلها ،وتنطلق من تصور ذهني للجماهير لا علاقة له بطبيعة ما يحدث في أنساق المجتمع ،مما يجعلها رجعية في مآلات تحيزاتها نبل مسؤولة عن تمتين الخط اليميني والأنظمة الامبريالية وأذرعها في المنطقة .
إن أطروحات الكثير من اليساريين في اليمن تصبح ضربا من الهراء الرومانسي إذا أحسنا الظن بها ،وإن أسأنا فهي ليست أكثر من تبرير يسهم جزئيا في تمكين مشاريع الأنظمة الامبريالية وأهدافها الاستعمارية في المنطقة .
انخرط اليساريون والقوميون في اليمن بما أسميه )هوجة 11فبراير 2011)وكانت منطلقات القوميين الناصريين مشخصنة بالانتقام من رأس النظام علي عبد الله صالح ،ولو أدت هذه النزعة الانتقامية بسماتها الذاتوية إلى مساندة مشيخات الخليج ،والانخراط ضمن استراتيجية الكيان السعودي في المنطقة ،وهي استراتيجية بالوكالة عن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
انخرط اليساريون في هذه)الهوجة (بتنظيرات مثالية تصب في خدمة الامبريالية ،فدفعوا بكوادرهم إلى مساندة الأنظمة الرجعية في المنطقة بحجة أن الأمور “في تحليلها الأخير “ستصب في مصلحة الجماهير ،وسواء أكانت تنظيراتهم تعي خدمتها للمشروع الغربي في المنطقة أم لا تعيه فإن المحصلة النهائية تصب في خدمته ،فلا عزاء في حركة التاريخ واستحقاقاته لمن لا يعي قوانين وقوى الصراع على الأرض.