«هنا صنعاء»‮.. ‬صوت الأحرار المتدفق الذي‮ ‬زلزل عرش الطغيان والاستعمار

,واكبت إذاعة صنعاء ثورة‮ ‬48‮ ‬وأذاعت بياناتها وكانت البشير الأول لميلاد ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر

,هدير الصوت عبر الأثير أخرس صوت المدفعية الملكية وطلقات الرصاص‮ ‬

,لدى الإذاعة إرشيف‮ ‬يضم اكثر من‮ ‬100‮ ‬ألف وثيقة‮ ‬يعود تاريخها إلى عهد الاحتلال العثماني‮ ‬لليمن

,المؤيد كان المسؤول عن إذاعة البلاغات العسكرية‮..‬وحمران والفسيل وجحاف شاركوا في‮ ‬قراءة البيان الأول للثورة

أسهمت إذاعة صنعاء بدور تنويري‮ ‬كبير في‮ ‬إنجاح ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر والدفاع عنها وبدء عهد جديد في‮ ‬اليمن بإعلان ميلاد الجمهورية العربية اليمنية‮ .. ‬وكان دورها التنويري‮ ‬لا‮ ‬يقل أهمية عن دور الرصاص والقذائف التي‮ ‬تنطلق من فوهة البنادق والمدفعية باعتبارها الوسيلة الإعلامية الوحيدة الموجودة حينها والقادرة على الوصول إلى الناس رغم ساعات البث المحدودة للإذاعة إلا أنها ساهمت في‮ ‬خلق الوعي‮ ‬في‮ ‬المجتمع وفي‮ ‬الإعداد للتحول السياسي‮ ‬الذي‮ ‬ظل اليمنيون‮ ‬ينتظرونه طويلا‮ . ‬ومن داخل استديوهاتها البسيطة حينها انطلقت بشائر الانتصار لإرادة الشعب اليمني‮ ‬معلنة إزاحة حقبة الظلم والطغيان والعزلة‮ ‬مدوية كالصاعقة وهي‮ ‬تعلن بيانات الثورة والأناشيد الوطنية الحماسية التي‮ ‬تراقصت مع أنغامها قلوب اليمنيين التواقين للتغيير فرحين مستبشرين بانبلاج صباح جديد في‮ ‬اليمن بعد ليل طويل‮ ….‬
عرف شمال الوطن دخول أول جهاز إرسال لاسلكي‮ ‬1946م عندما حصل السيف عبدالله أحد أبناء الإمام‮ ‬يحيى على جهاز إرسال واستقبال عسكري‮ ‬لاسلكي‮ ‬لا تزيد قوته على‮ ‬5‮ ‬كيلووات عقب زيارته إلى امريكا اهدته بعثة أمريكية عسكرية زارت اليمن في‮ ‬العام نفسه وتم تحويل جهاز الإرسال إلى جهاز اذاعي‮ ‬وبه افتتحت إذاعة صنعاء في‮ ‬عام‮ ‬1947م بدون أي‮ ‬تجهيزات فنية وتقنية‮ . ‬وكلف الإمام‮ ‬يحيى ابنه سيف الاسلام القاسم بالاشراف عليها وعلى برامجها‮. ‬وكانت البرامج تقتصر على بعض سورالقرآن الكريم والأحاديث النبوية وغيرها وكذلك الأخبار المحدودة المحلية والعربية بجهاز ارسال صغير لا تتجاوز قدرته‮ ‬13‮ ‬ك وات وكانت البرامج المذاعة تقتصر على‮ (‬القرأن الكريم‮ ‬أحاديث دينية‮ + ‬تواشيح‮ ‬ثم تقديم بعض المارشات العسكرية من الموسيقى النحاسية التي‮ ‬خلفها الأتراك بعد رحيلهم من اليمن بالإضافة إلى تقديم بعض الأناشيد على الهواء‮ + ‬اخبار القصر الملكي‮) ..

دعم ثورة‮ ‬48‮ ‬وتوقيف البث
استمر الارسال الإذاعي‮ ‬لإذاعة صنعاء على هذا النحو حتى عام‮ ‬1948م حين أوقف البث عقب فشل ثورة‮ ‬1948م إلى أجل‮ ‬غير محدد نظرا للدور الإيجابي‮ ‬الذي‮ ‬قامت به الإذاعة في‮ ‬مؤازرة الثوار واستمر هذا التوقف ثماني‮ ‬سنوات‮ ‬بعد أن واكبت أول ثورة في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬وهي‮ ‬ثورة‮ ‬1948م‮ ‬وبث من ميكرفونها بيانات ثورة‮ ‬48‮ ‬وتعليماتها وتوجيهاتها للجماهير‮ ‬فكانت المنبر الذي‮ ‬يتحدث منه الأحرار من الأدباء والمفكرين لمقارعة الاستعمار البريطاني‮ ‬في‮ ‬جنوب الوطن ودعم الكفاح المسلح‮ .‬ومن الأعمال الشاهدة على ذلك نشيد‮ »‬زمجري‮ ‬بالنار‮ ‬يا أرض الجنوب‮« ‬كلمات شاعر اليمن الأول الاستاذ عبدالله البردوني‮ ‬وأداء الفرقة الموسيقية العسكرية‮. ‬
‮- ‬وفي‮ ‬عام‮ ‬1955م كان افتتاح الإذاعة الثاني‮ ‬بعد توقف استمر نحو‮ ‬8‮ ‬سنوات على محطات ارسال نوع جنرال اليكتريك موجة قصيرة بقدرة‮ ‬25‮ ‬كيلو وات حيث تم البث لمدة ساعتين وربع‮ ‬يوميا حتى عام‮ ‬1958م وبعدها تم تعديل ساعات البث إلى اربع ساعات مقسمه على فترتين فى اليوم‮.. . ‬وتوسع نطاق الإذاعة واصبح البث‮ ‬يبدأ بعد ظهر كل‮ ‬يوم من الساعة الثالثة والنصف عصرا حتى الخامسة والنصف ومن السابعة حتى التاسعة مساء بعد ان تم تجهيزها بوسائل حديثة وبدأت بإرسال البرامج اليومية والاسبوعية وبدأ الجمهور الذي‮ ‬كان‮ ‬يزداد‮ ‬يوماٍ‮ ‬بعد‮ ‬يوم في‮ ‬متابعة الارسال باهتمام كبير وكان‮ ‬يغلب على برامجها في‮ ‬هذه الفترة الاتجاه الديني‮ ‬والسياسي‮ .‬
ومع شروق أول‮ ‬يوم لثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر‮ ‬1962م كانت تبث الإذاعة من‮ ‬6‮ ‬صباحا حتى العاشرة ثم‮ ‬يستأنف البث من الساعة الواحدة ظهرا‮. ‬
دور تنويري
فرض نظام الحكم الإمامي‮ ‬رقابة شديدة على الإذاعة وما تقدمه من فقرات برامجية لكن كانت هناك كوكبة مبدعة اسهمت في‮ ‬تطور الإذاعة برامجيا واداريا‮ ‬0‮ ‬كلما سنحت لها الفرصة للتطوير‮ .. ‬فأثناء سفر الامام احمد إلى ايطاليا عام‮ ‬1958م قدمت إذاعة صنعاء عدة برامج عن اوجه الظلم والاستبداد في‮ ‬الحكم وما وصلت اليه دول الجوار من تطور والتركيز كذلك على ما تعانيه المحافظات الجنوبية من الوطن الواقعه تحت الاحتلال البريطاني‮ ‬والمناداة بضرورة خروج المحتل ليعود الوطن موحدا من خلال بعض البرامج الموجهة لابناء الوطن في‮ ‬الجنوب ومؤازرتهم في‮ ‬مقارعة الاستعمار والدعوات المتواصلة بضرورة إنهاء الاحتلال وتحرير الوطن من الاستعمار البغيض‮ .‬
يوم‮ ‬25‮ ‬سبتمبر‮ ‬
في‮ ‬الساعة الثانية بعد ظهر‮ ‬يوم الأربعاء‮ ‬26‮ ‬ربيع الثاني‮ ‬1382ه الموافق‮ ‬25‮ ‬سبتمبر‮ ‬1962م كما‮ ‬يقول الاستاذ عبد الله حمران‮ “‬كنا متواجدين في‮ ‬الإذاعة انا وعبدالعزيز المقالح‮ – ‬عبدالوهاب جحاف وعدد آخر من الزملاء توافدوا إلى الإذاعة‮:‬‮ ‬والبث الإذاعي‮ ‬بدأ مبكراٍ‮ ‬من اجل إذاعة البرقيات التي‮ ‬تتوارد على الإذاعة بمناسبة تنصيب محمد البدر إماماٍ‮ ‬مقترنة بتعاز لوفاة والده الامام احمد وانتهى وقت البث وغادر بعض الزملاء‮ ‬ظللت في‮ ‬مكاني‮ ‬فقد كان لدي‮ ‬علم بأن ساعة الصفر اقتربت والثورة ستقوم تلك الليلة بل ربما‮ ‬يتم الاستيلاء على الإذاعة قبل انتهاء الفترة الإذاعية المسائية التي‮ ‬تبدأ من السادسة والنصف‮ ‬كنت مستغرقاٍ‮ ‬في‮ ‬تصورات كثيرة وكان البعض من الإخوان‮ ‬يدخلون الغرفة‮ ‬يشربون الشاي‮ .. ‬
ويضيف حمران‮ ‬في‮ ‬شهادته المدونة في‮ ‬كتاب‮ »‬ثورة‮ ‬26سبتمبر‮« ‬دراسات وشهادات للتاريخ الصادر عن مركز الدراسات والبحوث والتي‮ ‬كشف من خلالها الأدوار البطولية لمذيعي‮ ‬وفنيي‮ ‬إذاعة صنعاء قبل وأثناء تفجير ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة‮ ‬حيث‮ ‬يقول‮: ‬كان المقالح وجحاف‮ ‬يبدو عليهما القلق وهما‮ ‬يدخلان ويخرجان من الغرفة التي‮ ‬كنت فيها بدار الإذاعة‮ ‬فهما بالطبع‮ ‬يعلمان كما أعلم أن الثورة ستقوم ربما بعد ساعات لكنهما لم‮ ‬يكلماني‮ ‬بشيء ولم أكلمهما أنا أيضا وعند الساعة الثامنة والنصف أو التاسعة تقريباٍ‮ ‬وأنا في‮ ‬نفس المكان سمعت كلاماٍ‮ ‬عالياٍ‮ ‬في‮ ‬مكتب المدير العام الأستاذ أحمد المروني‮ ‬ميزت صوت الأخ عبدالوهاب جحاف وصوت المدير العام‮ ‬ولم أميز الكلام فذهبت إلى مكتب المدير والضابط حسين الحرازي‮ ‬موجود في‮ ‬حالة انفعال وعصبية وهو‮ ‬يقول‮: ‬لماذا‮ ‬يتحدث معهم في‮ ‬الظلام وما هو الغرض¿ ويقسم إنه سيبلغ‮ ‬الإمام وكان رد عبدالوهاب جحاف وهو أيضا منفعل أنهم من بلادي‮ ‬وأعرفهم وكنت أسألهم عن أحوال البلاد وأحوالهم‮ ‬وأنا‮ ‬يا حرازي‮ ‬مذيع الإمام‮ .. ‬احترامي‮ ‬وكرامتي‮ ‬من احترام الإمام‮ ‬والأستاذ المروني‮ ‬يتدخل ويؤكد للحرازي‮ ‬أن عبدالوهاب‮ ‬يكن للإمام كل المحبة والتقدير وانه من خيرة الشباب المحبين للبدر‮ (‬الإمام‮) ‬وانه عاقل ولا‮ ‬يريد أن‮ ‬يحصل بينه وبين أحد أي‮ ‬خلاف‮.. ‬الخ ثم طلب للحرازي‮ ‬الشاي‮ ‬وتصالح الاثنان‮ .. ‬وكان الضابط الحرازي‮ ‬حينها أميرا للمفرزة إي‮ (‬حراسة الإذاعة‮) ‬عينه البدر قبل ثلاثة اشهر‮.. ‬ولما عرفت القصة قلت في‮ ‬نفسي‮ : ‬أن عبدالوهاب لاشك مكلف بهؤلاء الحرس وانه كان عندما لقيه الحرازي‮ ‬يبلغهم ويؤكد لهم قيام الثورة ويتأكد من موقفهم وتعاونهم مع الثورة وان هذا امتداد للقاءات سابقة‮ ‬تمت بينه وبينهم ولاشك انه قد اتفق معهم‮.‬
ساعة الصفر والاستيلاء على الإذاعة
ويواصل الأستاذ عبدالله حمران سرد وقائع تلك الليلة التي‮ ‬سبقت إعلان الثورة ويقول‮: ‬طلب مني‮ ‬المدير العام الأستاذ احمد المروني‮ ‬أن آخذ عبدالوهاب معي‮ ‬ونذهب إلى منزله‮ ‬فوافقت وطلعت الدور الثاني‮ ‬فوجدته واقفاٍ‮ ‬مع الأخ عبدالعزيز المقالح وقلت له‮: ‬هيا نخرج قال لي‮: ‬لا أنا سأتأخر لم اكرر عليه‮ ‬وخرجت لتوي‮ ‬وفي‮ ‬طرف السور الشرقي‮ ‬قرب المحول الكهربائي‮ ‬وأنا متجه إلى البيت على دراجتي‮ ‬استوقفني‮ ‬احد الزملاء‮ – ‬وسألني‮ ‬بحدة عجيبة‮: ‬أين جحاف لماذا لم‮ ‬يخرج ويذهب إلى بيته قلت له‮: ‬إنا لم اخرج إلا لأنني‮ ‬اشعر ببرد وتعب وألا فالواجب نبقى في‮ ‬الإذاعة‮ ‬عبدالوهاب وعبدالعزيز والمدير العام والزملاء الآخرون باقون فأنت تعرف الظروف صاح قائلاٍ‮: ‬أنتم متآمرون‮.. ‬وسأذهب ابلغ‮ ‬الإمام واعملها الليلة مجزرة‮ . ‬تركته ومضيت وكان زميلان أو أكثر خلفنا ولاشك في‮ ‬أنهم سمعوا ذلك واستنكروه‮ . ‬كان الوقت الساعة العاشرة والربع تقريباٍ‮ ‬أو بالتوقيت الزوالي‮ ‬الرابعة والربع عصرا خرجت ألف على دراجتي‮ ‬ولم اخشِ‮ ‬شيئاٍ‮ ‬ومررت من جانب الإذاعة وكل شيء عادي‮ ‬وبعد نصف ساعة توقفت الإذاعة عن البث وسمعت الجميع مذيعين ومهندسين خارجين من الإذاعة ولم اسمع صوت عبدالعزيز المقالح أو عبدالوهاب جحاف‮.. ‬انتظرت قليلاٍ‮ ‬علي‮ ‬اسمع إي‮ ‬شيء حولي‮ ‬وبعد نصف ساعة بالضبط سمعت قذيفة مدفع دوت من أرجاء العاصمة وفي‮ ‬نفس الوقت سمعت حركة دبابات وسيارات في‮ ‬رأس الشارع وبعد دقائق سمعت وصولها إلى باب الإذاعة وسمعت نزول جنود وحديثاٍ‮ ‬بينهم وبين حرس الإذاعة ولم أجرؤ على الاقتراب وهدأ الجو في‮ ‬الإذاعة ولكن بدأت المدافع تقصف دار البشائر والرشاشات تشارك في‮ ‬القصف‮ ‬هدأت المدافع والرشاشات وبعد الاستيلاء على الإذاعة والهدوء الذي‮ ‬أعقبه سمعت أربع أو خمس طلقات بندقية داخل الإذاعة‮ ‬اعني‮ ‬داخل السور‮ – ‬لم استطع أن اعرف مصدر تلك الطلقات ولا إلى أية مكان داخل السور اتجهت لكنني‮ ‬اعتبرتها طلقات شر مما زاد من‮ ‬يقيني‮ ‬وخوفي‮: ‬أصحاب البيوت المجاورة للمسجد في‮ ‬النوافذ‮ ‬يتساءلون ويتابعون أين تتجه طلقات المدافع والرشاشات‮.‬
وعند الساعة الرابعة فجرا تقريبا وقد طلع النور ذهبت إلى الإذاعة ولم أجد صعوبة في‮ ‬الدخول‮ ‬فقد كان هناك احد الحرس السابقين‮ ‬يعرفني‮ ‬واحد الضباط أظنه طاهر الشهاري‮ ‬أو محمد الوادعي‮ ‬أو عبدالله الراعي‮ ‬لا أستطيع أن اذكر من هو بالضبط سألت عن الاخوين عبدالوهاب جحاف وعبدالعزيز المقالح قال الشاويش‮: (‬إنهما هنا‮).‬
وكان الملازم صالح الاشول قد كلف سيارة لإحضار حمود هادي‮ ‬مراد ومحسن الشعبي‮ ‬الأول مهندس الإرسال والثاني‮ ‬مهندس الرقابة بناء على طلبنا انا وجحاف وبعد وصولهما طلبنا منهما بالاضافة إلى عبدالله الهمداني‮ ‬تشغيل الإذاعة كل في‮ ‬مجال اختصاصه فطلبوا امرأ كتابياٍ‮ ..‬فقال لهم عبدالوهاب هذه ثورة لا لزوم للأوامر الكتابية لازم تشغلوا الإذاعة بلا تأخير‮.. ‬أصروا على الأمر الكتابي‮ ‬من مسؤول فحررت لهم الأمر ولكن مفتاح باب محطة الإرسال كان عند المهندس علي‮ ‬الأبيض‮ ‬فأبلغنا الملازم صالح الاشول بأن مفتاح باب الإرسال عند المهندس علي‮ ‬الأبيض‮ ‬وكان عنده الضابط حسين الحرازي‮ ‬وطلب الأخ صالح منه المفتاح فرماه له من النافذة القبلية من الدور الثاني‮ ‬فأخذه واستلمه حمود مراد الذي‮ ‬أطلق عليه حسين الحرازي‮ ‬رصاصة لم تصبه وذلك إثناء فتحه للباب‮ ..‬توجهت إنا والأخ عبدالوهاب إلى الاستديو ودخلنا الإدارة وجاء عبدالعزيز المقالح ودخل الإدارة وذلك لتلقي‮ ‬أية مكالمة أو أوامر أو بلاغات‮ ‬وعقب الاستيلاء على الإذاعة طلعت إنا والأخ عبدالوهاب إلى الاستديو والأخ عبدالعزيز المقالح في‮ ‬الإدارة كان الوقت حوالي‮ ‬السادسة والربع وجاء الملازم علي‮ ‬قاسم وهو المسؤول عن إذاعة القاهرة أو صوت العرب لأنهما على حد تعبيره ربما‮ ‬يذيعان خبر قيام الثورة إذ انه قد سبق الاتصال وإرسال الخبر وكان‮ ‬يوجد جهاز راديو في‮ ‬غرفة مجاورة لدى الأخ محمد المسوري‮ ‬مدير عام المكتبة وكان قد وصل لتوه‮ ‬فدخل الأخ علي‮ ‬قاسم عند جهاز الراديو‮ ‬يستمع أخبار القاهرة أو صوت العرب‮.‬
هنا صنعاء
عندما بدأ المهندس محمد الشعبي‮ ‬يضع الشريط‮ (‬مارش‮) ‬عسكري‮ ‬واخذنا ثلاثتنا عبدالوهاب ومحمد عبدالله الفسيل الحديث نستعد لما بعد المارش طلب الأخ محمد الفسيل أن‮ ‬يبدأ الحديث هو لأنه قد تعب وتعذب في‮ ‬سبيل هذه اللحظات أو هذا اليوم قال الأخ عبدالوهاب‮ : ‬لا مانع وقلت وأنا بعده قال عبدالوهاب موافق وأنا الثالث بدأ الأخ محمد الفسيل‮ ‬يذيع هنا صنعاء إذاعة الجمهورية العربية اليمنية‮ ‬إذاعة الثوار‮ .. ‬إذاعة الأحرار‮.. ‬الخ ثم أذعت فقرة معبرة وأذاع جحاف فقرة ملتهبة وكان هناك أنشودة الله اكبر‮ ‬كان محمد الشعبي‮ ‬قد أخفاها قبل اشهر فطرحها ثم توالت الفقرات وجاء الأخ عبدالعزيز المقالح ونزل الأخ عبدالوهاب الإدارة بدلاٍ‮ ‬عنه للمتابعة أو استقبال المكالمات والأوامر من القيادة‮ . ‬وبقينا انا وعبدالعزيز المقالح ومحمد الفسيل نردد ونذيع الفقرات وإعلان الفرحة للشعب والأخ علي‮ ‬قاسم المؤيد‮ ‬يذيع أيضا بيانات أو بلاغات صغيرة وبدأت برقيات التأييد والمباركة بالثورة تصل من المحافظات وكانت أول أولها برقية من تعز من محمد الحمدي‮ ‬واحمد الرضي‮ ‬والثانية من حجة ثم توالت برقيات التهاني‮ .. ‬وفي‮ ‬هذه الاثناء أصدر مجلس القيادة أمراٍ‮ ‬بأن‮ ‬يتولى إذاعة الفقرات والبرقيات عبدالعزيز المقالح وعبدالوهاب جحاف وعبدالله حمران فقط‮.‬
وعبارة‮ »‬هنا صنعاء‮« ‬كما‮ ‬يقول الأديب والشاعر عباس الديلمي‮ ‬رئيس قطاع الإذاعة السابق لها علاقة كبيرة وحميمة بحركة التنوير في‮ ‬اليمن وكون إذاعة صنعاء تعتبر من اقدم الاذاعات العربية فهي‮ ‬رابع او خامس إذاعة عربية على مستوى الوطن العربي‮ ‬من حيث تأسيسها وبداية بثها الذي‮ ‬يعود إلى العام‮ ‬1946‮ ‬وكانت بمثابة أول مؤسسة حديثة تدخل إلى البلاد‮ ‬لذلك فقد ارتبطت عبارة‮ »‬هنا صنعاء‮« ‬بأعلام اليمن من المفكرين والأدباء امثال عبدالله البردوني‮ ‬واحمد المروني‮ ‬وعبدالعزيز المقالح وعبدالله حمران وعبدالوهاب جحاف ومحمد الشرفي‮ ‬وغيرهم ممن صاروا إعلاماٍ‮ ‬في‮ ‬سماء اليمن‮ .. ‬وعندما نقول ان إذاعة صنعاء ارتبطت بحركة التنوير في‮ ‬اليمن فإن ذلك‮ ‬يعني‮ ‬ان دور إذاعة صنعاء لم‮ ‬ينحصر في‮ ‬نشر الوعي‮ ‬والمعرفة بين صفوة الناس كما ولم‮ ‬ينحصر دورها على انها أول وسيلة إعلامية تدخل البلاد وانما كانت لإذاعة صنعاء علاقة وطيدة جداٍ‮ ‬بالحركة الوطنية في‮ ‬البلاد ويكفي‮ ‬ان العاملين المدنيين في‮ ‬الإذاعة كانوا هم المدنيون الوحيدون الذين كان لهم علاقة بتنظيم الضباط الاحرار والذين كانوا على علم بما سيقدم عليه تنظيم الضباط الاحرار عشية ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر عام‮ ‬1962م ولازال البعض من هؤلاء الاخوان على قيد الحياة ومنهم الاخوة عبدالعزيز المقالح وعبدالوهاب جحاف ومحمد الشرفي‮ ‬وغيرهم‮.. ‬من الذين استغلوا تواصلهم مع الناس فعملوا على الترويج والتهيئة للحركة الوطنية وان كان ذلك بصورة‮ ‬غير مباشرة وهذا ما تدل عليه بعض البرامج الاذاعية الوثائقية التي‮ ‬يعود تاريخها إلى قرابة نصف قرن‮ . ‬
وإذاعة صنعاء كانت أول من نادى عبر الأثير بدحر المستعمر من جنوب الوطن وكانت أول وسيلة إعلامية تقارع المد الاستعماري‮ ‬في‮ ‬جنوب الوطن من خلال اصوات وكتابات العاملين في‮ ‬الإذاعة أمثال عبدالله حمران ومحمد عبده نعمان رحمهما الله ولازلنا كما‮ ‬يقول الديلمي‮ ‬نعتز ونفتخر بتلك الأعمال الإذاعية الوطنية التي‮ ‬ما تزال محفوظة في‮ ‬إرشيف الإذاعة‮ .. ‬
وعموما كانت إذاعة صنعاء وسيلة الإعلام الوحيدة التي‮ ‬تغطي‮ ‬كل الأحداث والاخبار التي‮ ‬يشهدها الوطن وكانت بمثابة مطبخ السياسة الإعلامية للجمهورية بشكل عام حيث لم‮ ‬يكن هناك وكالة انباء مستقلة وايضاٍ‮ ‬لم تكن الصحافة المقروءة تغطي‮ ‬كل المدن اليمنية في‮ ‬السنوات الأولى للثورة ولم‮ ‬يكن هناك سوى إذاعة صنعاء التي‮ ‬تولت مسؤولية ايصال صوت الثورة والجمهورية إلى جميع المواطنين في‮ ‬داخل الوطن وخارجه كما تولت مسؤولية الدفاع عن الثورة والجمهورية والنظام الجمهوري‮ ‬ودحض الاكاذيب والاشاعات المعادية للثورة والجمهورية خلال ملحمة السبعين‮ ‬يوماٍ‮.‬
بيان الثورة
صبيحة‮ ‬يوم الـ26‮ ‬من سبتمبر وبعد بدء البث من الإذاعة كما‮ ‬يقول عبد الله حمران في‮ ‬شهادته وصل المدير العام الأستاذ احمد المروني‮ ‬الذي‮ ‬تحول إلى ضابط في‮ ‬غرفة عمليات عسكرية فقد كان‮ ‬يصوغ‮ ‬بعض البلاغات في‮ ‬ذلك الصباح ويعرضها على المجلس بواسطة التلفون ويبلغها للأخ علي‮ ‬قاسم المؤيد لإذاعتها وفي‮ ‬حوالي‮ ‬الساعة العاشرة أو العاشرة والنصف قام الأخ محمد الفسيل‮ ‬يطلب وبإلحاح بيان الثورة ليذيعه وكان البيان لدى عبدالوهاب جحاف كما علمت أخيرا فرفض الأخ عبدالوهاب‮ ‬وقال‮: ‬أن المسؤول عن إذاعة البيان الأول للثورة وكل البلاغات والبيانات العسكرية هو علي‮ ‬قاسم المؤيد وبدأ السماح للإخوة الزملاء بدخول الاستديو ليؤدوا واجبهم ويشاركون في‮ ‬إذاعة البرقيات وسمح لمحمد الشرفي‮ ‬بإذاعة قصيدة‮.‬
محاولة‮ ‬يائسة
في‮ ‬حدود الساعة الحادية عشرة والنصف أو الثانية عشرة ظهراٍ‮ ‬بدأ إطلاق النار على الإذاعة من بيت الحسين بن‮ ‬يحيى حميد الدين ومن بيت العباس‮ – ‬مجلس الوزراء حالياٍ‮ – ‬ولكن الرشاشات التي‮ ‬كانت مع حامية الإذاعة أسكتت تلك الطلقات‮ ‬لكن علي‮ ‬بن حميد الدين صاحب دار الحمد بدأ‮ ‬يطلق النار على الإذاعة فرد عليه عبدالله عبدالسلام صبرة بطلقة من الدبابة اخترقت جدار الطابق الثالث وشرخت المحول الإذاعي‮ ‬الذي‮ ‬كان بجانب سور الإذاعة من الجهة الجنوبية فرفع علي‮ ‬بن‮ ‬يحيى حميد الدين علماٍ‮ ‬ابيض دليل استسلامه وذهبت مجموعة من جنود الثورة للقبض عليه‮ ‬وبالنسبة للعقيد حسن العمري‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬قد نقل من مبنى المولد إلى مكان صغير كان‮ ‬يجلس فيه بجانب باب الإذاعة واللاسلكي‮ ‬الشاوش حمود الاشموري‮ ‬وأحضروا له أحد الصحيين‮ »‬احمد عوض‮« ‬فأعطاه علاجاٍ‮ ‬وضرب له‮ (‬حقنة عضلية بنسلين‮) ‬وتماثل للشفاء بسرعة‮.‬
ظلت الإذاعة تعمل إلى ما بعد الساعة الثانية عشرة ظهراٍ‮ ‬ثم أغلقت تخفيفاٍ‮ ‬على الأجهزة واحضر لنا الشهيد الملازم محمد الوادعي‮ ‬الغداء من دار الضيافة واستأنفت الإذاعة البث وظل الإخوة الزملاء جميعاٍ‮ ‬يواصلون العمل بالتعاقب‮.‬
حصار صنعاء والدور الخالد للإذاعة
أخذت إذاعة صنعاء تبث برامجها الرمضانية كعادتها بأجوائها الروحانية‮ ‬وكانت الساعة الرابعة عصراٍ‮ ‬وفجأة قطع سكون الأصيل حنين أول قذيفة صاروخية موجهة من جبل الطويل شرق مدينة صنعاء نحو الإذاعة لإسكات صوت الجمهورية‮ ‬واخماد الثورة‮ ..‬تجاوزت القذيفة الأولى مبنى الإذاعة الصغير بثلاثين متراٍ‮ ‬ثم توالت الهجمات الصاروخية على الإذاعة فكانت تسقط في‮ ‬وسط البساتين القريبة من الإذاعة‮ ‬كبستان رئاسة مجلس الوزراء ومنها خلف دار الحمد الذي‮ ‬كان‮ ‬يومها‮ »‬ورشة صيانة الاسلحة‮«.‬
وفي‮ ‬عشية‮ ‬يوم القصف توقع عدد ممن كانوا في‮ ‬العاصمة أن المدينة‮ »‬صنعاء‮« ‬أصبحت محاصرة وانها على مرمى مدفعية الملكية وانها ستضرب لا محالة من الجبال المحصنة المحيطة بها بهدف اسقاطها بين عشية وضحاها‮ ‬يقول عبدالعزيز شايف وعبد الكريم الشرجبي00كنا جميعا‮ ‬نرابط في‮ ‬الإذاعة ليل نهار‮ ‬مع الحراسة وطلاب من الكلية الحربية‮. ‬وقد تجاوز عدد القذائف التي‮ ‬استهدفت الإذاعة بداية الحصار‮ ‬375‮ ‬قذيفة بمدفعية الهاورز‮.‬
فالحرب من أول ايام الثورة لم تتوقف بين الملكيين والجمهوريين‮.. ‬وكانت المحطة الاخيرة للحرب الأشد‮ (‬ضرب صنعاء ومحاصرتها‮) .. ‬وكانت الإذاعة في‮ ‬خطتهم هي‮ ‬الهدف الأول والرئيسي‮ ‬فوجد المغامرون وبينهم خبراء أجانب من المأجورين ان أنسب فرصة لتحقيق النصر‮ – ‬حسب توقعهم‮- ‬شهر رمضان المبارك فرمضان الكريم سيكون النصر وذلك باستغلال العواطف الدينية‮.‬
وكان شعارهم المسموع من اذاعتهم صوت زوامل‮ (‬لا بْدِ‮ ‬من صنعاء ومن فيها‮) ‬مركزين في‮ ‬برامجهم والتعليقات على أن في‮ ‬صنعاء من الملحدين والكفرة وان موتهم في‮ ‬هذا الشهر فضيلة‮.‬
قذائف لا تتوقف
توالت القذائف الصاروخية في‮ ‬رمضان على مبنى الإذاعة كما‮ ‬يقول شايف والشرجبي‮ ‬بشكل مستمر من مختلف المواقع المحيطة بصنعاء‮ ‬وكان الوقت المناسب للضرب‮ ‬من الساعة الرابعة والنصف إلى وقت المغيب‮ ‬ويتوقف ليلا حتى لا تنكشف مواقعهم في‮ ‬المخابئ وفي‮ ‬الكهوف والملاجئ الجبلية‮ ‬لكن الإذاعة كانت صامدة وتبث برامجها بصورة طبيعية وكانت تركز على إذاعة برامج وأحاديثا وتعليقات موضوعية صادقة وهادفة لتعلم الآخرين بالحقيقة في‮ ‬الداخل والخارج‮.. ‬وان جماهير الشعب مع الجيش والأمن والمقاومة الشعبية تقف وقفة دفاع وصمود واستبسال لحماية الثورة والجمهورية من أي‮ ‬مساس‮ ‬شعارها‮ (‬الجمهورية أو الموت‮) ‬وشعار الجانب الملكي‮ (‬لا بد من صنعاء ومن فيها‮)…..‬
في‮ ‬يوم الثلاثين من نوفمبر‮ ‬1967م الذي‮ ‬نال فيه الشطر الجنوبي‮ ‬من الوطن استقلاله وتم جلاء آخر جندي‮ ‬بريطاني‮ ‬من عدن.كانت إذاعة صنعاء تبارك بأناشيد النصر واقتراب وحدة الشطرين‮. ‬وفي‮ ‬هذا الوقت العصيب‮ ‬وصنعاء تئن تحت نيران الحصار كان هناك عدد قليل ممن ساورتهم الشكوك باستمرار الصمود وذلك بفعل الدعايات والحرب النفسية عن قرب سقوط صنعاء خاصة بعد انسحاب القوات المصرية ونكسة حزيران‮ ‬فالذين أصيبوا بيأس تنبهوا للحقيقة‮ ‬حين اشتد الضرب على صنعاء الصامدة‮ ‬و استمر سماعهم للإذاعة التي‮ ‬لم تسكتها كثافة المدافع الصاروخية طوال ايام الحصار‮. ‬
فقد كانت إذاعة صنعاء وبعدها الإذاعة في‮ ‬تعز من أهم الوسائل الاتصالية داخليا وخارجياٍ‮ ‬والاكثر انتشاراٍ‮ ‬في‮ ‬المدن والارياف وأبلغ‮ ‬تأثيراٍ‮ ‬لأن الوسائل الإعلامية الأخرى ومنها المقروءة محدودة الانتشار‮ ‬فكان‮ ‬80٪‮ ‬إلى‮ ‬90٪‮ ‬يتابعون عن كثب منذ قيام الثورة وخاصة أيام السبعين‮ ‬يتابعون الإذاعة من افتتاحها حتى الليل‮ ‬حيث اسهمت الإذاعة بدور كبير في‮ ‬الصمود وفي‮ ‬تعزيز الاصطفاف والتلاحم بين قوات الجيش المدافعة عن الثورة وبين المقاومة الشعبية من خلال دورها التنويري‮ ‬عبر برامجها الفنية والاجتماعية والتثقيفية وشعاراتها الحماسية التي‮ ‬لم تنظفئ للاحرار والمواطنين للقيام بالواجب الوطني‮ ‬والتصدي‮ ‬لكل من‮ ‬يريد اطفاء وهج الثورة‮ ..‬
خطة بديلة
عندما اشتد الحصار على صنعاء‮ ‬وضعت القيادة الإعلامية خطة بديلة في‮ ‬حال توقفت إذاعة صنعاء بالقصف‮ ‬وكانت إذاعة تعز هي‮ ‬المحطة الرديفة‮ ‬وقرر ان‮ ‬يكون الشعار‮: (‬هنا إذاعة الجمهورية العربية اليمنية من صنعاء وتعز‮) ‬فأحيل عدد من مذيعي‮ ‬صنعاء الكبار كالاستاذ احمد الرعيني‮ ‬إلى تعز فهو ابرز قراء نشرات الاخبار وآخرين معه ولم‮ ‬يحدث ان توقف الإرسال أو اوقفته كثافة القذائف لساعات إلا‮ ‬يوم الاربعاء‮ ‬1يناير‮ ‬1968م عندما سقطت على الإذاعة‮ ‬14‮ ‬قذيفة كادت ان تقصف مواقع الإرسال فتمزقت الاسلاك الكهربائية الموصلة من الاستديوهات للإرسال لعشرين دقيقة فقط حتى هب المهندسون بشجاعة نادرة تحت وابل القذائف وانتقل المذيع وضابط الصوت إلى ملجأ تحت الأرض أوصل المهندسون‮ -‬سريعا‮- ‬الأسلاك وإصلاح العطب وتواصل الإرسال‮.‬
وكان الاعتذار كالآتي‮: (‬نأسف مستمعينا الكرام على هذا الانقطاع المفاجئ نظرا لانخفاض التيار الكهربائي‮ ‬والآن نواصل إرسالنا على الهواء‮) ‬
أما الجانب الملكي‮ ‬فكان توقعه عند سقوط‮ ‬14‮ ‬قذيفة في‮ ‬ساعات على الإذاعة انها ستقف نهائيا أو سيصاب كل من فيها بالذعر والهلع‮.. ‬أو اللجوء إلى تقديم أناشيد حماسية لكن كان العكس‮ ‬كانت السياسة الإعلامية حكيمة وكأن شيئاٍ‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬فالإذاعة ايام السبعين لم تلجأ إلى تغيير المواد اليومية والبرامج المعتادة ونفس تقديم الاغاني‮ ‬الموضوعية والعاطفية‮.. ‬حتى إذا ما سمع حنة القذيفة في‮ ‬الجو‮ ‬يقولون في‮ ‬المقايل أكيد انها على الإذاعة واذا ما فتحوا الراديو لا‮ ‬يسمعون إلا اغان عاطفية أو زراعية مثل اغنية الحارثي‮ (‬يا شمس عز الظهر هوني‮ ‬قليل خفي‮ ‬على الزارع شوية‮) ‬وهي‮ ‬من كلمات مطهر الارياني‮.‬
كما توالت القصائد الغنائية الرائعة للفضول‮/ ‬عبدالله عبدالوهاب وسعيد الشيباني‮ ‬وعبدالله سلام ناجي‮ ‬وعلي‮ ‬صبرة‮ ‬ومحمد سعيد جراده‮ ‬ولطفي‮ ‬أمان‮ ‬وآخرين من الأدباء المبدعين‮.‬
ومن ابرز البرامج التي‮ ‬قدمتها الإذاعة كما‮ ‬يقول عبد العزيز شايف خلال حصار السبعين برامج موجهة باللهجة الشعبية وباسلوب السخرية كبرنامج‮ (‬صالح علي‮) ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يقدمه‮ ‬يومياٍ‮ ‬الاستاذ حمود زيد عيسى‮ ‬وبرنامج آخر لمحمد حسين الشرفي‮ ‬و(الجد تاريخ‮) ‬لمحمد عبدالله البابلي‮ ‬إلى جانب برامج صباحية منوعة تقدم مع الشروق تفتح النفس مع تناول كأس البن الصباحي‮ ‬مثل برنامج‮ (‬أفراح‮) ‬وبرنامج حكايات وقصص بطولية‮. ‬بالاضافة إلى التعليقات السياسية التي‮ ‬كانت تقدم‮ ‬يومياٍ‮ ‬كانت مواضيعها حول المواقف الوطنية المشرفة والمواقف العميلة للجهات الخارجية‮.. ‬وكانت تعليقات تلك الفترة‮ ‬يكتبها ابرز الشخصيات الوطنية مثل الاساتذة محمد عبده نعمان وزير الإعلام في‮ ‬السبعين والوكيل احمد دهمش وعبدالله حمران مدير الإذاعة وعبدالله عبدالوهاب نعمان ويوسف الشحاري‮ ‬الذي‮ ‬كانت كلماته الادبية تستفز الجانب المعادي‮.‬
حكاية أول قصيدة
وعن دور الكلمة والشعر في‮ ‬الإذاعة‮ ‬يقول االشاعر الكبير محمد الشرفي‮: ‬إن الكلمة أيام الثورة أو مابعدها سواء كانت مذاعة شعراٍ‮ ‬أو نثراٍ‮ ‬كان لها فعل البندقية والدبابة والمدفع‮ ‬ولها فعل السحر عند الناس‮. ‬وقبل قيام الثورة باسابيع قيل أن الشرارة الاولى للثورة ستبدأ من تعز فأعددت قصيدة إسمها»أنا الشعب‮« ‬وخوفاٍ‮ ‬أن لاتفوتني‮ ‬الفرصة‮ – ‬فرصة المناسبة-ولا أساهم لحظة قيامها بشيء ذهبت إلى تعز بهذه القصيدة على طائرة ولأول مرة أركبها‮ »‬بقرار‮« ‬لأن لدي‮ ‬الضغط وصنعاء لاتصلح لمن لديهم ضغط وفعلاٍ‮ ‬وافق نائب ولي‮ ‬العهد وذهبت إلى تعز فلم أجد شيئاٍ‮ ‬يحدث‮ ‬هنالك التقيت بالزملاء ومنهم أحمد علي‮ ‬الوشلي‮ ‬وكان زميلي‮ ‬في‮ ‬نفس الشعبة بالمدرسة العلمية وأحمد الكبسي‮ ‬وكان في‮ ‬المدرسة الثانوية وآخرون مثل الأخ علي‮ ‬الضبعي‮ ‬التقيت بهم فسألتهم فلم‮ ‬يعطوني‮ ‬أي‮ ‬شيء ولا أي‮ ‬خبر‮ ‬من هنالك فهمت أن الثورة لن تبدأ من هنا من تعز‮ ‬وليس هنالك مايدل على ذلك رغم أنني‮ ‬أشك أن هناك تكتماٍ‮ ‬من قبل الزملاء في‮ ‬موضوع قيامها إلاِ‮ ‬أنني‮ ‬اقتنعت أن الثورة لن تقوم في‮ ‬تعز فرجعت إلى صنعاء على نفس الطائرة وقد صادف وجود المرحوم السلال الذي‮ ‬نزل في‮ ‬مهمة إلى تعز فعرضت عليه أنني‮ ‬أرغب في‮ ‬العودة إلى صنعاء فأمر بذلك ورجعت إلى صنعاء والقصيدة لازالت في‮ ‬جيبي‮ ‬طبعاٍ‮ ‬كانت لديِ‮ ‬مشاعر طفولية وهو أن الثورة ستقوم في‮ ‬تعز وأتخيل نفسي‮ ‬وأنا وسط الجماهير ألقي‮ ‬هذه القصيدة والجماهير‮ ‬يحملونني‮ ‬فوق الأعناق بعد إلقائها‮ ‬مشاعر طفولية أتخيلها حتى الآن‮.‬
عدت وكأنني‮ ‬أملك كنزاٍ‮ ‬في‮ ‬جيبي‮ ‬لم أفكر أنها ربما تكون سبباٍ‮ ‬في‮ ‬قتلي‮ ‬أو إعدامي‮ ‬أو سبباٍ‮ ‬آخر‮ ‬بقيت في‮ ‬صنعاء اسبوعاٍ‮ ‬وبلغني‮ ‬أن الأمام توفي‮ ‬وأن البدر بدأ‮ ‬يأخذ البيعة من الناس ولياٍ‮ ‬للعهد حاول بعض الزملاء في‮ ‬الإذاعة تقديم الناس للبيعة‮- ‬لكنني‮- ‬وهذا أقوله صادقاٍ‮ – ‬أنني‮ ‬عندما كان‮ ‬يدعونني‮ ‬بعض الزملاء إلى تقديم البيعة في‮ ‬دار البشائر كنت أرفض لأن الحرز أو الوقاية أو التميمة في‮ ‬جيبي‮ ‬وهو القصيدة فكنت أرفض حتى الذهاب إلى دار البشائر مع الذين كانوا‮ ‬يقدمون الناس للبيعة إلى ولي‮ ‬العهد البدر‮.‬
في‮ ‬تمام الساعة الرابعة أو الخامسة فجراٍ‮ ‬بدأت طلقات النار على دار البشائر عرفت أن شرارة الثورة الأولى بدأت فقمت وولعت النوارة»السراج‮« ‬وأخرجت القصيدة من جيبي‮ ‬وقمت بنسخها لماذا¿ خوفاٍ‮ ‬عليها»من باب الاحتياط‮« ‬أن لاتضيع‮ ‬نسختها على ضوء النوارة الخافت ووضعتها لدى صديقي‮ ‬حمود عباس الشامي‮ ‬وقلت له هذه القصيدة أمانة لديك إذا حصل لي‮ ‬شيء أحتفظ بها فسخر مني‮ ‬لأنه كان‮ ‬غير راضُ‮ ‬بثورة ضد الإمام والبدر‮ ‬ذهبت إلى الإذاعة وكانت الشوارع خالية من المارة لأنه قد أعلن حظر التجول حيث والناس لايعرفون مامعنى حظر التجول‮ ‬وجدت في‮ ‬كل الطريق من قاع العلفي‮ ‬حتى الإذاعة وجدت عسكرياٍ‮ ‬واحداٍ‮ ‬فقط‮ ‬يمشي‮ ‬قرب رئاسة الوزراء لم‮ ‬يكلمني‮ ‬ولم أكلمه‮ ‬دخلت الإذاعة وعند باب السور الخارجي‮ ‬كانت الساعة التاسعة إلاِ‮ ‬ربع فوجدت الملازم أحمد الناصر وكنت أعرفه من قبل لأنه هو والأخ علي‮ ‬قاسم المؤيد زملاء ويظهران دائماٍ‮ ‬بجانب البدر لأنهما من أوائل الخريجين من الكلية الحربية فلم‮ ‬يكلمني‮ ‬ودخلت وهو ساكت دخلت إلى المبنى الأبيض الذي‮ ‬تقع فيه الإدارة فوجدت في‮ ‬مكتب المدير الملازم صالح علي‮ ‬الأشول‮ ‬فقلت له لدي‮ ‬قصيدة‮ ‬فقال لي‮: ‬إنتظر لقد أرسلنا مصفحة للأستاذ أحمد المروني‮ ‬وأحمد المروني‮ -‬رحمه الله‮- ‬كان مديراٍ‮ ‬للإذاعة قبل‮ ‬يوم الخميس‮»‬يوم قيام الثورة‮« ‬وكان على صلة كبيرة بالضباط الأحرار ومركوناٍ‮ ‬عليه‮ ‬فلم‮ ‬يوجد إلاِ‮ ‬هو في‮ ‬تلك الساعة‮ ‬فانتظرت بقصيدتي‮ ‬حتى جاء المروني‮ ‬وجلس على كرسيه فقدمت له القصيدة فقرأها ووضعها أمامه فشككت في‮ ‬الأمر لماذا‮ ‬يضع قصيدتي‮ ‬وهي‮ ‬قصيدة في‮ ‬الثورة‮ ‬بينما أتيحت الفرصة لكثير من المذيعين‮ ‬يقرأون أشعاراٍ‮ ‬محفوظة ليست من أشعارهم‮ ‬هل لأن قصيدتي‮ ‬ضعيفة أو ليست صالحة لأن تذاع‮ ‬كنت أكلم نفسي‮ ‬لم‮ ‬يكن هاجسي‮ ‬شيء‮ ‬غير أنها لم تكن لائقة بالمقام في‮ ‬تلك الساعة‮ ‬لكن أتضح لي‮ ‬فيما بعد أنه مازال في‮ ‬هذا تهيئة لعمل جديد لأن تلك الساعة كانت عصيبة ولم‮ ‬يتضح لي‮ ‬إلاِ‮ ‬الآن‮ ‬رغم أني‮ ‬أشاهد المشهد وكأنه الآن‮ ‬إنه كان‮ ‬يتروى فيما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يوافق عليه فيما‮ ‬يذاع لأنه لاحظ مثلي‮ ‬أن هناك كلاماٍ‮ ‬يقال ليس منظماٍ‮ ‬بل إرتجالاٍ‮ ‬بعدها وبتوجيه من المدير الاستاذ أحمد حسين المروني‮ ‬أذعتها كاملة وهي‮ ‬أول قصيدة في‮ ‬صباح‮ ‬يوم الثورة وتقريباٍ‮ ‬أذيعت في‮ ‬تمام الساعة التاسعة والنصف صباح‮ ‬يوم الثورة‮ ..‬
أول جهاز إذاعي‮ ‬ومائة الف وثيقة
كانت إذاعة صنعاء البشير الأول لميلاد ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر ولاتزال الساعات الأولى لبث ميكرفون الإذاعة صبيحة‮ ‬يوم السادس والعشرين موثقة في‮ ‬متحف الإذاعة واستمعنا إلى البيان الأول للثورة وعدد من الفقرات التي‮ ‬قدمت حينها بشكل مرتجل وحماسي‮ .. ‬كما اطلعنا مسؤول الارشيف والمتحف الاذاعي‮ ‬الاخ خالد جار الله على أول جهاز اذاعي‮ ‬لا‮ ‬يزال باقيا حتى اليوم وعلى الميكرفون الذي‮ ‬من خلاله تم إذاعة بيان الثورة واهدفها وعلى التلفون الذي‮ ‬كان‮ ‬يتم التواصل عبره مع قيادة الثورة وصياغة الفقرات والبيانات القصيرة‮ (‬فلاشات‮) ‬وعلى أجهزة الارسال والبث حينها وعلى أول ماكسر اذاعي‮ ‬وكذلك على أجهزة البث الاذاعي‮ ‬المتطورة حينها والتي‮ ‬كانت في‮ ‬حوزة الملكيين ويبثون عبرها بيانات وبرامج معادية للثورة‮ ‬وكيف كان‮ ‬يتم صياغة البرامج حينها والمنهج البرامجي‮ ‬والنشرات الاخبارية وصور المذيعين والمعدين‮ .. ‬كما تحتفظ الإذاعة بارشيف ضخم‮ ‬يضم اكثر من‮ ‬100‮ ‬ألف وثيقة‮ ‬يعود تاريخها إلى الاحتلال العثماني‮ ‬لليمن تم استخراجها وجمعها وارشفتها كما‮ ‬يقول خالد جار الله بشكل منظم وممنهج عام‮ ‬2005‮ ‬بعد جهد كبير وعمل مضن وشاق استمر أكثر من عام لأن معظم الوثائق القديمة كانت آيلة للتلاشي‮ ‬والاندثار‮ .‬

قد يعجبك ايضا