ابن سلمان وورشة العمل

أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي

انطقت أمس في البحرين ورشة العمل التي خططت لها أمريكا بدفع وتخطيط مسبق من قبل دولة الكيان الصهيوني بهدف التمهيد للإعلان النهائي عن صفقة القرن وكما قال كبير مستشاري البيت الأبيض وزوج ابنة الرئيس الأمريكي “كوشنير” الورشة تمثل الشق الاقتصادي في صفقة القرن ، مضيفاً لقد غيرنا سيناريو ترجمة صفقة القرن على أرض الواقع إذ بدأنا بالرشوة الاقتصادية بهدف إسالة لعاب الفلسطينيين ودول الطوق كي يندفعون نحو القبول والتسليم بما سيفرض عليهم في الجوانب الأخرى، أي أن الرجل يتباهى بما أعلن عنه وهي خمسون مليار دولار سيتم استثمارها على مدى عشر سنوات بحسب زعمه ويعتبرها قادرة على انتزاع التنازلات من الجانب العربي ونحن نقول : له عشم إبليس في الجنة ” .
وهكذا تتوالى التصريحات من مسؤولين أمريكيين لتكشف عن مجموعة من المغامرين المراهقين الذين لا يحترمون إرادة الشعوب ولا يضعون حساب للأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية ، كل همهم الوصول بصفقة “ترامب” إلى نهايتها المرجوة ، وسار على نفس الركب الطرف العربي في العملية أو (التيس المستعار) بالذات محمد بن سلمان و محمد بن زايد ، فلقد كانوا أكثر إخلاصاً من غيرهم لليهود والأمريكان معاً ، وكشفوا أنهم قلباً وقالباً مع صفقة القرن ، حيث تباهى محمد بن سلمان في جلسة خاصة مع جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي بأنه من أقنع البحرين باستضافة هذه الورشة ، وتحمل الأعباء والنفقات ،مشيراً إلى أنه كان على استعداد للاستضافة في الرياض لولا وضعه الحساس في المنطقة باعتبار السعودية كما يزعمون تمثل اليوم واجهة العمل العربي والإسلامي ، بالمقابل خوفاً من استغلال إيران لأي مبادرة في هذا الجانب تمكنها من تأليب الشارع العربي والإسلامي على السعودية ، هذا الموقف كرره أبن سلمان في آخر اتصال مع الرئيس الأمريكي “ترامب” حيث طلب من الرئيس السماح له بأن يلعب دوراً هامشياً في الورشة ، وأنه من حيث الأساس مبارك لأي نتائج تترتب عليها وعن امكانية ضغطه على الفلسطينيين ، بالذات السلطة وإقناعها بالحضور أجاب بأن الأمر مستحيل ، لكنه مستعد بأن يجبر الفلسطينيين على الموافقة والقبول بالنتائج عبر قرار جماعي تتخذه الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ، كما حدث مع المبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002م ، فعبر هذه القنوات التي أصبحت كلها تحت إمرة الجانب السعودي كما قال المستحيل يصبح ممكناً ، منوهاً باجتماع وزراء مالية الدول العربية المنعقد في القاهرة والذي خصص لبحث امكانية دعم السلطة الفلسطينية ، مؤكداً أنه يمثل خطوة هامة على طريق التمهيد للقبول بنتائج ورشة البحرين ووضع الجانب الفلسطيني أمام الأمر الواقع ، وقال إن معظم الدول العربية موافقة من حيث المبدأ ، خاصة القيادات لكنهم يتحفظون خوفاً من ردود الأفعال الغاضبة على المستويين النيابي والشعبي ، وعندما تخرج النتائج إلى حيز الوجود سيرحبون بها ويعملون على ترجمتها بكل الوسائل .
ما أسلفت يكشف حالة التناقض الصارخة في سياسة الدول الكبرى أو أذيالها في المنطقة فهم يخططون في الخفاء بأشياء تخالف تماماً ما يفصحون عنه في العلن ، ويعتبرون أنهم وصلوا إلى مرحلة السيادة الكاملة وأن على العالم الإذعان والخنوع لما يتم الاتفاق عليه في الكواليس ، هذه الخفايا تكشف بجلاء طبيعة المأزق الحرج الذي وقع فيه النظام السعودي ، ومن وقع على شاكلته، فالسعودية وإن كانت تترجم ما تم الاتفاق عليه قبل عقود من الزمن والمتمثل في تمهيد الطريق أمام دولة الكيان الصهيوني والاعتراف المباشر بها لتصبح كياناً مكملاً لدول المنطقة ، إلا أنها لا تعرف طبيعة الإنسان العربي ولا تدرك أن مثل هذه التحالفات المشبوهة والمواقف المهينة لن تكون سوى مقدمة للسقوط المريع الذي سيكون أفضل طوق نجاة ويمكن الشعب في نجد والحجاز من الاحتفاظ بما تبقى من ماء الوجه بعد تآمر ابن سلمان على كل شيء وتبديده للثروة الهائلة واتخاذ المواقف المذلة التي مرغت سمعة هذه الشعب الكريم في الوحل .
بالمقابل فإن كل الوقائع تؤكد أن الطريق الذي اختاره “ترامب” منذ اعتلائه عرش أمريكا مغلق وأنه يسير في نفق مظلم ليس له نهاية إلى السقوط أيضاً ، وكل هذه المؤشرات تؤكد أن ما سيحدث في البحرين اليوم ليس إلا مسرحية هزلية ستنتهي إلى لا شيء طالما وأن دماء المواطن العربي ما زالت تنبض بالحرية والكرامة ، وهو ما يفصح بجلاء أن الرهان على القادة المدجنين لم يكن سوى حالة من العبث والتجديف في الصحراء القاحلة وستظل إرادة المواطن العربي هي الأكثر قدرة على التأثير والفاعلية في الواقع .. ولا نامت أعين الجبناء .. والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا