مبخرة جيزان!
مصباح الهمداني
جمعَ الملك الخرِف كل خرفان الخليج والعرب والمسلمين، في قمم ثلاث، من أجلِ الأنبوب، ولم يبقِ في جعبته، لوقت الحاجة قمة أخرى،
ولقد ظنَّ المهفوف وأبوه؛ بأن تلك القِمَمْ ستجعل اليمنيين يرفعون الراية، ويتوسلون بني سعود، ولكن الذي حدَث هو العكس..
لقد صعَّدَ اليمنيون ضرباتهم أكثر، وازداد تقدمهم، وما تزال أيامهم؛ تحكي عن مفاجآتهم..
لقد استنفد بنو سعود كل ما في أيديهم من قوة، وجيش، ومال، وأخيرًا استفدوا القمم!
فماذا لو دعا الملك الخرف الآن لقمة بسبب ضرب مطارات هنا أو سقوط معسكرات هناك، فمن سيجيبه؟ ومن هو المعتوه الذي سيأتيه؟ وإن أتاه جائع أو طامع أو تابع؛ فما عساه أن يُقدم للمملكة بأكثر مما قدمت أمريكا وحلفاؤها الكِبار..
لقد أصبحت أمريكا متفرغة تمامًا لصناعة المدرعات والآليات، والتي تستغرق صناعة الواحدة منها أسابيع وأشهرًا، ولا تكاد تصلُ الحد الجنوبي؛ حتى تلتقفها الولاعة، وما يزال صبغها طريًا، وسريع الاشتعال..
ماذا بقي في جعبة أمريكا لتعطي العبيد، وماذا في عقول الصهاينة لينقذوا الأراذل.. وهم يشاهدون اليمنيين يسقطون طائرات الإم كيو بكل سهولة في الحديدة وصعدة وصنعاء ونجران وجيزان وعسير؟.
ماذا هناك من جديد في جعبة دحلان وناقته محمد زايد، وقد أصابهما البَكَم والصمم بعدَ أن فضحهما اليمانيون بنشر فيديو ضرب مطار أبو ظبي؟.
الجميع يتفرج على مملكة البِعران، وهي تتساقط في سمعتها، وفي أخلاقها، وفي اقتصادها، وفي أطرافها، وفي عائلتها، وفي علمائها، وفي شعبها..
ولا أحدَ يجيد قطف الثمار من كل هذا السقوط سوى ترامب، لقد أجاد اللعبة باحتراف، وامتهن تدوير النفايات بفاعلية، وليس ببعيد أن يكون ابن الناقص يده اليمنى في سَوقِ البقرِ الدرارة إلى حظيرته العامرة.
لقد ابتعدتُ كثيرًا عن العنوان، وأخذتني نفايات الشيطان، في حديثٍ يثير الغثيان..
فهيا بنا إلى جيزان ، وما أدراك ما جيزان، حيث مطارها العامر بما لذ وطاب، وبما غلا ثمنه، وحدُثَ صنعه..
فلقد أصبحَ بعدَ إغلاق مطار_نجران هو الوجهة الجديدة، للطائرات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والإسرائيلية، مخازنه الكثيرة، ومدرجاته الواسعة؛ جعلت منه مطارًا إقليميًا بامتياز، وضعَ فيه الأمريكي أغلى ما يمتلك من سلاح، وأحدَث ما جادت به القريحة العالمية من طائرات حربية، وطائرات بلا طيار، ويعج المطار بجنسياتٍ متعددة، ويُعد أحدُ أهم مراكز القيادة والسيطرة، وتحيط بالمطار مئات العربات الحاملات لصواريخ الباتريوت…
وفي الجهة الجنوبية، حيثُ الرجال الذين لم يعُد بأيديهم ما يخسرونه، ولم يعُد لديهم ما يخافوا عليه، وما تزالُ حرارة اللقاء بوزيرهم الشجاع، تغلي في أيديهم، وتتحرك في عروقهم، وما تزال كلمات قائدهم تنبض في قلوبهم، وتسري في أنفاسهم…
يجلسُ الثلة المؤمنون؛ خلف تبةٍ مُؤَمَّنَة، وحولهم خمسٌ من أبابيل يمانية، وعلى يدِ أحدهم جهازٌ محمول، وفي يدِ آخر جهاز لا سلكي، وفي يد ثالث جهازٌ لا يُعرفُ كُنهُه.. يتقدم أحدهم وهو يقول:
-التقطنا بعض الأصوات لكنها بلغات غريبة، يفتحُ التسجيل فإذا بالمتحدث الأول يقول”نوز أفينتومينا لا ماتنوز ديكس أفيوز” يجيبه قائدهم:
-الله اعلم ماهي هذه اللغة.. افتح التسجيل الثاني، ويتحدث آخر يقول”ستَّا يِري سونو برونتي” يضحكون جميعًا، ويلتفتُ قائدهم إلى حامل التسجيل ويقول له مبتسمًا:
-متأكد أنك التقطت هذه الأصوات من مطار_جيزان ..يهز الشاب رأسه بالإيجاب..فيقول القائد..افتح التسجيل الثالث، ويأتي الصوت” ذا سؤودي أيديوتس، ديد نوت أندرستاند أنيثينق”..يبتسم القائد وهو يقول:
-هذا التسجيل فهمناه وهو يقول “إن الأغبياء السعوديين لا يفهمون شيئًا”..ثم يلتفتُ إلى الشاب ويسألهُ إن كان هناكَ تسجيل رابع، فيفتح التسجيل الرابع ويصدح صوتٌ جهوري”يا ولد أينَ الكبسة ترانا ميتين جوع”
يضحكون جميعًا، ويقول القائد لحامل التسجيل:
-بارك الله فيك.. اضبط الإحداثيات سنطلق الأبابيل الآن…وعليكَ رصد الأصوات…
وينطلقُ سربُ الحاسمات، بكل إتقانٍ وثبات، ويقف فوق مطار جيزان؛ يتأمله ويرسل الصور تلو الصور، ويصدر الأمر بإفراغ الحمولة والعودة بهدوء، وتنزل الصواريخ المسومة، فوق الطائرات والمدرجات، ويتحول المطار إلى مبخرة مشتعلة، وتشترك عربات الباتريوت في إيقاد الشعلة بعد دقائق من الاشتعال، وترتفعُ أصوات الانفجارات من كل مكان، وترتفعُ أصوات الاستغاثات من كل زاوية..ويرصد الأبطال بعض الأصوات التي عرفوا معانيها ومنها:
“ذا إيربورت إز بيرنينق” وتعني “أن المطار يخترق”
“سيف أس أور وي ويل داي” وتعني “أنقذونا وإلا سنموت”
“ذا دوزن ديد، أند ذا بلينز آر أول بيرنينق” وتعني “القتلى بالعشرات والطائرات كلها تحترق”
وعادت الطائرات الخمس سالمة غانمة، تجللها التكبيرات، وتحفها الصرخات، وتحيط بها السجدات…
فيا بني سعود..لقد استنفدتم كل شيء، ولم يعُد بأيديكم إلاَّ كف عدوانكم، وعليكم أن تلتقطوا كلمة الأستاذ محمد عبدالسلام الأخيرة، فهو ناطق الأنصار، ورئيس الوفد، وكل حرفٍ يقوله له معنى وفِعْل، فإنه من رجال القائد العارفين، وأعمدة المسيرة الثابتين، وتذكروا ما قاله للناقصين قبل عام؛ فأنكروا واستكبروا، وما إن فضحهم وكشف جلالهم حتى اخنسوا خاسئين..
فالتقطوا ما بأيديكم من قرار قبلَ أن تطلبوا السلام فلا تجدوه…
“ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه، وما كانوا يعرشون”