الصيام هو الركْن الرابع من أركان الإسلام، وقد كتبَه الله على أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – كما كتبه على الأمم السابقة؛ من أجل أن يتحصَّل الصائمون بصيامهم على تقوى الله – عز وجل – قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فالتقوى تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفَريضة، وهي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية.
والصيام وقاية من أدواء الروح والقلب والبدن، وهو علاج روحي ونفسي إذا روعي فيه مقصوده وأسراره، والصيام هو المدرسة الكبرى لتهذيب النفس والبدن وتطهيرهما؛ لما يَشتمِل عليه من إصلاحٍ لكليهما معًا.
وكما يؤكِّد “عبدالوهاب خَلاف”[1]، فالصيام عبادة فيها إصلاح روحي وإصلاح بدني.
فأما إصلاحه الروحي، فلأنه دَرس عملي يُروِّض به الإنسان نفسه على مقاوَمة ما تَقتضيه غريزته الحيوانيَّة من طعام وشراب وشَهوات، وبهذا يُقوي سلطان روحِه على جسمه، ويُقوي إرادته على عاداته، وقوة الإرادة هي الكَفيلة بطهارة نفس الإنسان من الشرور والآثام، والروح هي رمز الخير والسموِّ، ولهذا اتخذ كثير من الصوفية والفلاسفة أنواعًا من الصيام كرياضة لتقوية جانبهم الروحي على جانبهم المادي الجسمي، وبهذا صفَت نفوسُهم، وطَهُرت أرواحُهم، وخلصت من أكدار المادية وعوائقها، ويُشير إلى هذا الحديث الذي أوردَه البخاري عن عبدالله بن مسعود أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يا معشر الشباب، من استَطاع منكم الباءة فليتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصَنُ للفَرج، ومن لم يستطِع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء))؛ أي: وقاية ورادِع، والحديث يُشير إلى أن الصوم يُعالِج شهوات النفوس ويوقِفها عند حدِّها، وهو ما يُفسِّره قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث آخَر: ((الصوم جُنَّة))؛ أي: وقاية.
وأما إصلاحه البدني، فإنه فترة استِجمام للمَعِدة والأمعاء، ومن الحقائق التي أثبتَتْها التجارب أن البطنة شر داء، وأن الحمية خير دواء، وما ملأ ابن آدَم وعاءً شرًّا من بطنه، وكثير من الناس لهم في كل أسبوع أو كل شهر أيام يَصومون فيها ويرَون في ذلك عِلاجًا لأبدانهم وصلاحًا لأمعائهم.
قد يعجبك ايضا