عبدالفتاح حيدرة
ركز حديث السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في محاضرته الرابعة من سلسلة محاضرات (رمضان عبادة وعمل) على مزايا عيش الفئة المؤمنة التي لا تؤثر فيها اي إغراءات لأن خوفها فوقي وعالٍ، هو الخوف من الله وعذاب الله، لذلك تعيش حالة من الرجاء والتطلع والأمل والافق الواسع لما وعدها الله به في الدنيا والآخرة، وهذه هي الحالة الايمانية التي تساعد الإنسان على النجاة من عذاب الله والعيش بحالة انتصار وعزة وكرامة، لذلك فإن نتيجة ثمرة الخوف من عذاب الله، شكل لدى هذه الفئة عاملا مهما في الاستقامة والنجاة، و هذان العاملان جعلا الاستشعار عند الفئة المؤمنة بشكل مستمر بقربها للقاء الله، وهو ما جعلها دوما في حالة حذر وانتباه من ارتكاب المعاصي أو غضب الله..
ومقابل عيش الحالة الايمانية، لم يتركنا السيد بدون شرح حالة عيش الغفلة، التي هي حياة عبثية، مليئة بالتنازع والاختلاف والصراع، ويعيش هذه الحالة كل الذين كذبوا بالله وبالآخرة، وهذا التكذيب بالحقائق الثابتة لا ينفع الإنسان بشيء ، بل ان سعي الانسان لتكذيب الحقيقة الكبرى بوجود الله والإيمان به، يجعله في حالة خوف وهلع وشك وقلق وارتباك، وهذه الفئة تشترك معها فئات أخرى وهم اصحاب الإيمان الضعيف، وقد يكونون مقرين بالإيمان، ولكنهم يعيشون في حياة الغفلة والنسيان..
ان حالة الغفلة هي حالة خطيرة ونتيجتها الاعراض عن العمل الصالح وعن التحرك الجاد والانشغال الذهني بالأشياء الجانبية، والانسان السوي والمؤمن ليس من الحكمة انشغاله بالأمور البسيطة والغفلة عن الأشياء المهمة والكبيرة وحقائقها الكبرى التي أولها حقيقة الله الخالق ، الله الذي زودنا بوسائل للمعرفة، تساعدنا على اليقظة والانتباه، فلو حلل احدنا من واقع المنبع وهو واقع هدى الله عن المنحرفين عن الله ومنهم الضائعون، سوف نجد انهم أولئك الذين لم يزنوا مواقفهم بميزان الله واتجهوا لميزان الدنيا وحسابات المصالح والمال وهذا هو الدافع الرئيسي عند البعض، وآخرون يكون دافعهم المخاوف من الآخرين، هذا هو ما اقعد الكثير عن طاعة الله والإيمان به.
ان ما يحرر الإنسان من السقوط في صف الباطل بمواقفه او سقوطه تحت شهوة الطمع هو الايمان الصادق بالله ووعده ووعيده، والانسان إذا صحح ايمانه بوعد الله ووعيده سوف يخاف الله ويتحرر من العبودية للآخرين، فإذا تتبعنا محاضرة السيد القائد الرابعة وحديثه عن قيام الساعة، لم يتساءل او يفسر ويحلل كيف يتحول الإنسان إلى مؤمن حقيقي، سوف نجد ان التحول هذا عندما يقرر ان يكون وعيه هو وعي المؤمن الميداني، العملي، مؤمنا بمواقفه، بولائه، بتقواه، بتعامله، بممارساته، بتفكيره، وليس إيمان القطيع، وايمان ثقافة المجتمع القسري، ان السر هنا ، ليس سوى اكتساب المعرفة، والسعي للمعرفة بالله من تلقاء نفسه، اكتساب الوعي الذي لا يمكن لأي عقل ان يستوعبه او يؤمن به أحد، ما لم يكن ملما إلماما كاملا بوعي هدى الله وقيم كتاب الله ..
ان وعي الايمان بالله عالٍ وكبير، وعي الحق ضد الباطل، وعي الخير ضد الشر، وعي يجسد حكمة ومعرفة رب العالمين ضد تضليل ومؤامرات الشيطان الرجيم، انه وعي ان تؤمن بما هو أكبر وأسمى وارفع من كل شيء، وعي يجعلك تسمو وترتفع وتعرف جيدا ان لا ولاء آخر ولا توجيهات أخرى ولا التزام آخر ولا معايير أخرى سوف تتحكم بك وبمشاعرك وتلغي اوهامك وتثبت احاسيسك وتبعثر مخاوفك، غير الإيمان بالله وبهدى الله وبكتاب الله، انه ايمان ووعي وثقافة ومعرفة وعقيدة مرتبطة بما هو أكبر وأعظم وأحدث من كل ما هو دنيوي، انها معرفة كيفية تنفيذ مشروع الحق ..
ختاما، ارجو ان لا تحاكمونا ولا تحكموا علينا من خلال ماضي وعينا الإيماني والمعرفي، كوننا تأخرنا عن تتبع وعي هدى الله، فأنا متأكد ان ماضي إيمان بعضكم اليوم اسوأ بكثير من ماضي وعي إيماننا السابق ، لا تحاكمونا وتحكموا علينا، لأن من ذاق لذة هذا الوعي الذي يقدمه السيد عبدالملك الحوثي خلال هذه الايام المباركة، فقد عرف، وإذا عرف، فقد ارتفع رفعة وسما سموا متواصل الحدث والحدوث، لا يوقف تواصل رفعته وسموه إلا الموت، إنها رحلة وعي نفسي وروحي قبل أن تكون رحلة عقل، ثم إنكم إذا أعملتم العقل في رحلة الانتماء الايماني، سوف تتبينون أن الوجود لا يستقيم ابدا بمنأى عن الإيمان المطلق بالله وبكل المفارقات التي لا يمكن ان يصنعها إلا واحد أحد، فله الحمد وله الشكر على نعمة المعرفة هذه التي منحنا إياها بمحاضرات صوت وصورة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي..