مائدة رمضان في صنعاء

 

رشا محمد
لكل محافظة يمنية طقوسها في رمضان ، ولكل محافظة وجبات مفضلة وترتيبات غذائية قد تتشابه عند البعض وقد تختلف ..والقهوة اليمنية وخصوصا في صنعاء (قهوة القشر) تعتد من أهم المشروبات القيمة والتي كان أهل الريف يتفاخرون بضيافتها في رمضان.
ينقلب المشهد منذ حلول اليوم الأول لهلال رمضان في العاصمة إلى سكون وعدم حركة كالليل، وليله أصبح كالنهار صخباً وحلوى وقات وسهراً، وبالمقابل تحول الليل الرمضاني في اليمن إلى نهار بكامل الحركة والتسوق والتجول في الشوارع، حيث يقضي معظم اليمنيين ليلهم في تخزين ومضغ “القات” الذي يتضاعف استهلاكه في رمضان ثلاثة أضعاف الكميات المستهلكة في الأوقات العادية حيث يزداد سوق القات ازدحاما خلال رمضان وخاصة بعد صلاة العصر وصلاة العشاء حيث يقبل الناس على شرائه باعتبار القات مادة منبهة تساعد على السهر في الليالي الرمضانية.
وعلى الرغم من الحالة الاقتصادية الصعبة التي يمربها غالبية اليمنيين إلا إن ما يميز شهر رمضان هو الإقبال الشديد على بعض المأكولات والمشروبات الشعبية المشهورة حتى أصبحت جزءا من التراث الرمضاني في غالبية بيوت أهل صنعاء اليمنية، وتضم المائدة اليمنية في وجبة الافطار أو العشاء في رمضان صنوفاً من الأطعمة ومنها (الشفوت) وقوامه (اللحوح) واللبن.. و(اللحوح) خبز طري لين يُصنع من دقيق القمح أو الذرة الرومية حيث توضع العجينة على وعاء فخاري أو معدني لتطبخ على نار هادئة حتى تنضج وبعدها يتم ترتيبه في اناء عريض على شكل طبقات رقيقة يضاف اليها اللبن والخضار المهروسة.
وهناك (بنت الصحن) حيث يتم تشكيل عجينة مكونة من الدقيق المخلوطة بالسمن والبيض والخميرة وحبة البركة على هيئة اقراص رقيقة جدا ثم توضع في الفرن حتى تنضج وبعدها يضاف اليها العسل.. فضلا عن اطباق اخرى منها (السلتة) وقوامها الارز واللحم والخضار المهروسة والحلبة المخفوقة وتفضل طباختها في اناء من الفخار أو ما يسمى (بالمقلى الصعدي) حتى يحتفظ بدرجة الحرارة خلال الاكل.
ويزداد الطلب كثيرا على بعض الحلويات التي يرتبط بعضها برمضان فقط ومن أشهر هذه الحلويات – الرواني والقطائف والشعوبية والسمينة ولا يقتصر الإقبال على محلات الحلويات الشعبية، فمحلات بيع العصائر الشعبية هي الأخرى تشهد إقبالا كبيراً عليها في شهر رمضان من قبل الصائمين الذين يفضلون الإفطار على هذه العصيرات وهي الزبيب والشعير المنقع وكذلك عصير الدبا.
وعادة ما تنتعش الأسواق الشعبية اليمنية بصفة عامة في شهر رمضان فالزائر لها يشعر بولوج حقبة تاريخية قديمة لبدائية صناعاتها وطريقة عرض بضائعها بأساليب تقليدية قديمة تشعر الزائر بأنه يقلب صفحات من التاريخ، فهنا يرى معمل طحن البن والجمل يدور حول المطحنة معصوب العينين، وهناك معمل آخر لعصر السمسم وبطريقة مشابهة للأولى وفي الجهة الأخرى أنواع مختلفة من الحبوب والبهارات المعروضة بأكياس وأوان لتمثل في ألوانها المختلفة شكلا يجذب الزبون ويلفت النظر.
أسواق صنعاء في رمضان
في صنعاء تختلف أسواق رمضان عن العالم الإسلامي كله، فكل مكان بها يحمل عبق التاريخ وذكريات من الماضي القريب، ففي العشرين من شهر شعبان تتوافد القبائل من ضواحي مدينة صنعاء قاصدة أسواقها المختلفة لشراء حاجيات رمضان… فالأسواق في مثل هذه الأيام تكون قد امتلأت بكل ما يحتاجه الانسان في هذا الشهر ونظرة واحدة من خلال «باب اليمن» وهو أكبر أبواب مدينة صنعاء تلفت الانتباه لتزاحم الناس وتداخلهم، فذلك يشتري الحب «الذرة، الشعير، القمح، الرومي»… وهذا يشتري البهارات والحوائج «الثومة – البصل – الحلبة المطحونة – الكمون – السعتر» وآخر يتساوم مع البائع لشراء سلعة معينة وهكذا… ظاهرة الخل تنتشر بشكل واسع فالخل اليمني المصنوع من الزبيب الحامض يعتبر من الأساسيات في وجبات رمضان حيث يخلط مع الحلبة ويتم الإفطار به. محلات كثيرة لا تفتح إلا في هذا الشهر وتبقى مقفلة طوال العام، والغريب أن هذه المحلات الموسمية تجلب رزق بقية العام مما يدل على تزاحم الناس عند الشراء… آخرون في أسواق البزور المختلفة والتي تزداد بالأقمشة والملابس الفاخرة والبسيطة فكثير من القبائل تشتري حاجيات عيد الفطر مع حاجيات رمضان.
روحانية صنعاء
تبدأ مئذنة الجامع الكبير أقدم وأكبر جوامع المدينة في التكبير وتلحقها مرددة كل المآذن الشامخة بالتهليل بالعبارات التالية: «يا مرحبا بك يا رمضان… يا مرحبا بك يا رمضان… يا شهر الخير والبركات والغفران… يا مرحبا بك يا رمضان» هذه العبارات تردد بصوت شجي ومؤثر يتردد صدى هذا الصوت في كل الجبال المحيطة بصنعاء ابتداء من جبل نقم وانتهاء بجبل عيبان مروراً بكل الجبال والتباب المحيطة.
وغالباً ما يحمل هذا الفطور الأولاد الصغار، وفي المسجد يتجمع الناس على شكل حلق عديدة ويفطرون جماعياً والفرد الواحد يضع فطوره مع أي حلقة ويجلس معهم والذي يصل المسجد وليس لديه فطور فإنه يلقى الترحيب من أي مجموعة من الناس يفطرون فكل واحد منهم يريد تقديم الفطور ليفوز بالأجر الموعود لمن فطّر صائماً.
وبعد عشر دقائق تقريباً من أذان المغرب يقوم الناس لأداء الصلاة وتكون المساجد مزدحمة حتى أنها لا تسع المصلين وتكون صلاة المغرب في هذا الشهر خفيفة، فبعد الصلاة يتسارع الناس نحو منازلهم لتناول طعام الإفطار مع بقية أفراد أسرهم… يكون طعام العشاء في هذا الشهر محتوياً على العديد من الأصناف المختلفة.
يأتي موعد السحور، ويسمّيه أهل صنعاء أحياناً بالغذاء، ويكون عادة من الحلبة البيضاء أو العصيد والمطيط وكثير من الناس يصنعون خبزاً معجوناً بالسمن والبيض ويتناولونه على قهوة في السحور ويسمّى بـ «الذمول» وبعد تناول السحور يخرج الرجال من جديد لأداء صلاة الفجر.
أما الأطفال في صنعاء فيقضون أوقاتهم بشكل مختلف فهم ينامون غالباً في منتصف الصباح وبخاصة الذين تقل أعمارهم عن العاشرة ويخرجون إلى الشوارع والأزقة الخالية فيمرحون ويلعبون. وفي رمضان للأطفال ألعاب موسمية يلعبونها لأنهم لا يصومون… أما المساء عند الأطفال فهو أجمل أوقاتهم وأمتعها، فهم متعودون في غير رمضان أن يظلوا طوال الليل في بيوتهم، أما في رمضان فبإمكانهم الخروج للعب في الخارج لوقت طويل… ومنذ فترة كان الأطفال يتجمعون في مجموعات يبنون لأنفسهم مكاناً في حوش أحد البيوت ويتخذونه مكاناً للسمر في شهر رمضان ويسمّى المحراس.
خيرات الأرض – الــبـــــــــــن
عرف اليمن بأنه موطن البن الأصلي، وكان البلد الوحيد في العالم إنتاجاً وتصديراً للقهوة، وهناك رأي يقول: إن البن في اليمن اكتشف عام 500 قبل الميلاد، وانتشرت زراعته في القرنين الخامس والسادس عشر الميلاديين وتحديداً منذ بداية عام 1525، ويزرع في المنحدرات والمرتفعات وفي مناطق عدة من اليمن (بني مطر، الحيمتين، بني حماد و….الخ).
بدأ تصدير البن اليمني إلى الخارج في القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين عن طريق ميناء المخاء، والتسمية التي اشتهر بها آنذاك (موكا كافي)”. المناطق المشتهرة بزراعة البن في اليمن (بني مطر، الحيمتين، بني حماد، جبل برع، ملحان، آنس، بني إسماعيل ومنطقة وادي الدور بالعدين..الخ). والقرنان السادس والسابع عشر الميلاديان هما المرحلة التاريخية التي بلغ فيها البن اليمني أوج ازدهاره.
واليمن من أهم بلدان العالم في إنتاج البن وتصديره وقد انخفض الإنتاج إلى أربعة آلاف طن بعد أن كان يصل إلى 20 ألف طن سنوياً، ويرجع هذا الانخفاض الى العديد من الأسباب منها انخفاض دخله قياساً بدخل القات الذي اتسعت مساحته المزروعة على حساب مساحة البن، إضافة إلى شحة الأمطار (مياه الري) و بالرغم من المعاناة التي يواجهها هذا المحصول حاول بعض المزارعين الذين يعتبرون البن جزءا من حياتهم المحافظة على بقائه مستخدمين طرق الري التقليدية وبعض الطرق والأساليب التي تحتفظ بدرجة رطوبة البن عن طريق بناء الخزانات في الجبال وتوصيل المياه عبر الوايتات من مناطق بعيدة بأسعار مكلفة، وقد استحدث المزارعون في بني إسماعيل طريقة لحفظ الرطوبة وقابلية الشجرة لكمية قليلة من الماء”.
ومن أشهر أنواع البن اليمني هو العديني لارتفاع أشجاره بنحو أربعة أمتار، أما البن الدوائري فيعد من أحسن الأنواع؛ لأن ثماره أكبر حجماً وأنواعه التفاحي والمطري، والجعاري، والدوراني، والصافي، والبرعي، والشاين، و….الخ، وبالنسبة للبن التفاحي بدأت الدولة تنشره حول المشاتل لأن تكاليف إنتاجه قليلة وقامت بتشجيع هذا الصنف، والمشاتل توجد في “الحيمة الداخلية، في الرصعة بـ(صنعاء)، ومشتل البن بورزان (تعز)، ومشتل البن في حمام علي آنس بـ(ذمار)، ومشتل البن في خولان بني عامر (صعدة)، وثلاثة مشاتل في محافظة المحويت”.
وتقوم الدولة بتوزيع الشتلات المنتجة في هذه المشاتل التي تبلغ طاقتها الإنتاجية من 60-80 ألف شتلة موسمياً، حيث يتم معاملتها بالطرق الزراعية الحديثة داخل المشاتل (وتقوم بتوزيعها) على المزارعين بأسعار رمزية تشجيعية أو مجانية، كما تقوم الدولة ممثلة بوزارة الزراعة بتقديم الخدمات الزراعية للمزارعين كتعريفهم بكافة الطرق الزراعية الحديثة منذ غرس الشتلة حتى جني الثمار، وتقدم لهم الأسمدة والمبيدات والآلات الزراعية بالتقسيط، إلا أن هذا لا يكفي لذلك يقوم المزارعون كل في منطقته بعمل شتلات إضافية موسمية وهي جهود ذاتية وبالرغم من هذه الخدمات إلا أنها لا تغطي مناطق اليمن كافة.
فوائد قهوة القشر
فوائد صحية في قهوة القشر في رمضان….
عن الفوائد الصحية لقهوة قشور البن، أشارت الدراسات ، إلى أن القهوة تحتوي على الكافيين الذي يملك فعلا تحفيزيا خاصة على الجهاز العصبي المركزي، وتستخدم لتعزيز التشجيع (اليقظة) وتزيد من النشاط الذهني، والقهوة تملك مميزات مدرات البول، كما تساعد على تلطيف أشكال معينة من الصداع، كما أن عضلة القلب تحتاج إلى الكافيين بكمية محدودة لانجاز وظائفها والقهوة بشكل عام مفيدة إذا لم يتم الإفراط في شربها”.

طريقة عمل القهوة الريفية
المقادير:
كوب من القشر غير مطحون
ملعقة هيل
ملعقة زنجبيل
عود قرفة صغيرة
ملعقة بن صغيرة
حبتا قرنفل
ملعقتا عسل (أو بحسب الرغبة) أو يمكن إضافة تمر
الطريقة:
يوضع القدر- ويفضل أن يكون من الفخار- على نار فحم ويترك القشر فيه يغلي لمدة نصف ساعة ، ثم تضاف بقية المكونات الى القهوة وتترك على نار هاااااادئة جدا .
ثم تصب في حافظات القهوة ( ثلاجات) وتترك ترسخ فيها لمدة ساعة قبل التقديم .
وتقدم بالهناء والشفاء سواء مع الفطور أو بعد العشاء.

قد يعجبك ايضا