السودان.. والتداول السلمي للاستبداد

 

محمد ناجي احمد
ما حدث في السودان أيام البشير هو أن السعودية اختطفت الإخوان والبشير من الترابي ؛أي جعلتهم إخوان آل سعود ،تماما كما حدث في اليمن منذ مقتل عبده محمد المخلافي عام 1969م ،حيت تمت تصفيته بحادث سير في محافظة (إب ،نقيل سمارة ).
الجيش في سودان البشير جيش إخواني ،لهذا لم يسقط النظام ،وإنما يتم تشبيبه ،ولكي لا يكرروا غفلة إخوان اليمن الذين كان الجيش والأمن ومفاصل الحكم بأيديهم إلى ما بعد حرب 1994م ،وحين جاءت انتفاضة 2011م وحاولوا استثمارها كانت سلطتهم قد تآكلت في مفاصل عديدة للسلطة ،سواء الجيش أو مجلس النواب أو الحكومة ومؤسساتها الخ .
يتم الانتقال الانتقال السلمي للاستبداد في السودان بغطاء (ساحات الحرية والتغيير ) ويتم الدفع باليسار إعلاميا من خلال قناة الجزيرة ،وتقديمهم على أنهم متصدرو مشهد الساحات ،مما يساعد في عملية الانتقال ،على أرضية من الخدع السياسية التي تتفنن وتتميز بها حركة الإخوان في السودان .فضوضاء الساحات بسمات الصورة المتلفزة شيوعيا يساعد على تداول الاستبداد بشكل سلس ،فإخوان السودان مدرسة في التمويه التمثيلي ،فهذه من الدروس التأسيسية لحركة تراكمت لديها منذ خمسينيات القرن العشرين وكان لجهود الدكتور حسن الترابي منذ الستينيات أن حقنها بالإرث الحركي للشيوعيين، وما تمثيلية اعتقال الترابي الذي دبر انقلاب البشير على حكومة المهدي ببعيد !
بل إن الرئيس عبد الرحمن سوار الذهب الذي ترأس المجلس الانتقالي بعد سقوط حكم النميري كان من مدرسة الإخوان ، ومن باذري الخلايا الأولى داخل الجيش السوداني منتصف خمسينيات القرن العشرين .
يصف طه حيدر في كتابه(الإخوان والعسكر ،قصة الجبهة الإسلامية والسلطة في السودان ) لطه حيدر – مركز الحضارة العربية يناير 1993م جماعة الإخوان بأنها « تقول غير ما تفكر وتفعل غير ما تقول … سمتها الأساسية أنها متغيرة الأشكال والألوان»ص10. متوسلا بعبارة للروائي الطيب صالح ،قالها بأنين ووجع وغضب : من أين جاء هؤلاء الناس ، بل من هم هؤلاء الناس …؟قاصدا بسؤاله الاستنكاري المتفجر ألما وغضبا مجموعة الانقلابيين في الجبهة الإسلامية بالسودان ، التي انقلبت على الديمقراطية في السودان عام 1989م بقيادة الظل الدكتور حسن الترابي ، وعسكريا بقيادة العميد عمر حسن البشير .
على عكس حركة الإخوان المسلمين في مصر واليمن كانت قيادة الإخوان في السودان ، القيادة نالت تعليما عاليا ، فالدكتور حسن الترابي نال دبلوم الدراسات العليا ثم الدكتوراه في القانون المقارن سنة 1964م ، وكان الدكتور جعفر شيخ إدريس حاصلا على درجة الدكتوراه في الفلسفة بإنجلترا ، ومن هنا كان تأثر قيادة الإخوان في تونس ،فكان راشد الغنوشي دارسا للفلسفة بسوريا .
ميزت الثقافة الحقوقية والفلسفية قادة الإخوان في السودان وتونس بقدرة اجتهادية في التفاعل مع الواقع ، ونمو الفكر التجريبي وصياغة الحركة هناك وفقا للتحديات وفقه الواقع ،والتحرك وفقا لطبيعة المشكلات التي لا تتقيد بجمود فهم النص ،وإنما تتسع لحركة الحياة بفقه نفعي ميكافيللي. نجد ذلك لدى الدكتور حسن الترابي بقفزات صادمة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ، ولدى راشد الغنوشي بشكل متدرج .
اتسعت براغماتية الترابي التي حذرت من القوالب الجامدة ،وضرورات التطور وفقا للملاحظة والتجريب ، واتسعت لأفكار وتصورات اقتبسها من خصومه الشيوعيين ،ليصهرها في قالب حركة الإخوان المسلمين في السودان .
لقد أخذ الترابي من الشيوعيين منذ منتصف الستينيات نظام « الحشد والتعبئة الإجمالية ،وأخذ بنظام تأهيل الأعضاء فكريا وتنظيميا في ما يعرف بمدارس الكادر ،واستبدل نظام الأسر المغلقة بنظام الأسر المفتوحة ،التي تدعو من شاء لحضورها والمشاركة في برامجها …»27 المرجع السابق. بل وانفتح على التجارب الأوروبية في المجالات السياسية والاجتماعية والفكرية « ففيها ما هو أدعى للتقدم « ص28.

قد يعجبك ايضا