رمضان مبارك.. ولكن!!
عبدالفتاح علي البنوس
مرت الأيام والشهور سريعة جدا وانقضى العام الهجري بسرعة البرق، وها نحن نستقبل شهر رمضان المبارك ، شهر القرآن ، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.. عام مضى من أعمارنا وما نزال نتذكر تلكم اللحظات الروحانية الرمضانية التي عشناها في رمضان الماضي وكأنه لم يمر عليها سوى عدة أشهر.
رمضان هل هلاله وأقبلت أيامه ولياليه ، التي هي أحلى الأيام وأجمل الليالي ، يعيش فيها الصائمون لحظات مفعمة بالإيمان وعامرة بالقرآن وعبادة الديان ، فمرحبا وأهلا وسهلا بشهر الصيام والقيام ، شهر الله الذي تتضاعف فيه الحسنات ، ويباهي فيه الله بالصائمين من عباده أمام ملائكته ، شهر تغلق فيه أبواب النيران وتفتح فيه أبواب الجنان ، تصفد فيه شياطين الجن ، من صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، هو شهر الفضائل ، شهر الإحسان ، شهر التكافل ، شهر التراحم ، شهر التسامح ، شهر فيه ليلة هي خير من ألف شهر ، والشقي كل الشقاء من أدرك رمضان وخرج منه صفر اليدين لم يغفر له ، ولم يتقبل منه ، ولم يرض الله عنه.
ولكننا وللأسف الشديد نشاهد الكثير في أوساطنا يسيئون فهم معنى الصيام وأهميته والفائدة منه والهدف والغاية التي أراد المولى عز وجل أن نصل إليها من خلال فرض الصيام ، حيث ينظر هؤلاء إلى الصيام على أنه الامتناع عن الأكل والشرب والجماع في نهار رمضان فقط ، وما دون ذلك من المحرمات والمنكرات فهي متاحة وطبيعية بالنسبة لهم ، فتراهم يسرقون وينهبون ويفسدون ويحتكرون السلع ويغالون في الأسعار ويمارسون صنوف الإساءة والتعدي على الآخرين ، ونهب حقوقهم ، ومصادرة ممتلكاتهم ، والبعض منهم يجعلون من رمضان شبحاً مخيفاً ومرعباً للآخرين ، حيث تتغير سلوكياتهم وأخلاقهم وطبيعة تعاملهم مع من حولهم ، منطقهم شرر متطاير من أفواههم ، وما تبقى من جوارحهم ترعد وتزبد ، وتطلق نيران النزق والغضب التي تتحول إلى حمم ملتهبة تحرق كل من يقترب منها ، أو يحتك بها ، وكأن رمضان كرنفال (للدبور) و(الشقابة ) والفتن ، وما نشاهده في نهار رمضان من خلافات ومشاحنات وصدامات بين المواطنين وخصوصا في لحظات ما قبل الإفطار يجسِّد ذلك ، ويعكس حقيقة الفهم الخاطئ للصيام لدى الكثير من الصائمين الذين ليس لهم من صومهم سوى الجوع والعطش.
والمشكلة هنا تكمن في شياطين الإنس ، فبعد أن أمنا على أنفسنا من شياطين الجن ، ويقوم هؤلاء بأداء المهام التي كانت تقوم بها شياطين الجن وزيادة ، ولابد لهؤلاء من مراجعة أنفسهم ، وتصحيح مسارهم ، والإقلاع عن ممارساتهم السلبية في نهار رمضان ، وأن يحرصوا على استغلال شهر رمضان ونفحاته الإيمانية ، وأن يشمروا عن سواعدهم ، ويشحذوا هممهم ، بغية الحصول على جوائز رمضان الإلهية الكبرى التي أعدها للصائمين من عباده ، ويدركوا بأن رمضان محطة إيمانية روحانية يجسد فيها الفرد المسلم الصائم قيم وأخلاق الإسلام ، ويعكس معاني الصوم والعبادة.
بالمختصر المفيد، رمضان فرصة قد لا تعوض لحصد الحسنات والتقرب إلى الله بالطاعات والعبادات ، وهي مناسبة للتكافل والتراحم والتعاطف والجود والبر والإحسان على ذوي القربى والمساكين والفقراء والمحتاجين ، والعناية بأسر الشهداء والجرحى والأسرى والمفقودين ، والاهتمام بأسر المرابطين في الجبهات الذين تركوا أولادهم وذويهم وفضَّلوا الصوم في جبهات العزة والكرامة بالنيابة عنا، وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لهم.
نسأل الله جل في علاه أن يجعل شهر رمضان شاهدا لنا بالحسنات، لا شاهدا علينا بالسيئات ، وأن يجعله مرتحلا بذنوبنا وكفارة لسيئاتنا ، وأن يجعلنا من الفائزين فيه برحمة الله ومغفرته وعتقه رقابنا من النار ، وأن يعيننا على صيام نهاره وقيام ليله ، وأن يكتب لنا ولوطننا فيه النصر والتمكين على قرن الشيطان الرجيم وتحالفهم اللعين.