“ترامب” والسعودية
أحمد يحيى الديلمي
الحقيقة أن الموقف بين الرئيس الأمريكي “ترامب” والسعودية بلغ مرحلة لا تطاق وعبر عن مكنونات غير سوية ودوافع انتهازية بحتة جعلت المتلقي في موضع الاستهداف والاستحقار والمقت ، وحولته من دولة وكيان إلى مجرد تابع يتلقى الضربات والابتسامة على شفاهه ، وكأنه يتلقى وروداً متفتحة ، ألم أقل لكم أن الامر وصل إلى حالة لا تطاق ، ولا يمكن لأحد احتمالها مهما كان مستواه الثقافي وتكوينه الجسدي ، فحينما نستمع بين الفينة والأخرى إلى ترامب هذا الرئيس العاتي المغرق في الجنون ، وهو يُكيل التهم إلى النظام السعوي ويعتبره نظاما هزيلا لا يمتلك أي شيء من أسباب البقاء سوى المال ، فيقول مثلاً (السعودية لن تكون موجودة خلال أسبوعين إذا تخلينا عن حمايتها، السيولة المالية أكثر ما لدى هذه الدولة ، ونحن نقدم الدعم العسكري والمعنوي لهم وعليهم أن يدفعوا لنا المال ، مشتريات السعودية من الأسلحة تجاوزت أربعمائة وخمسين مليار دولار ، فكيف نفرط بهذه الدولة ، هناك من يريدنا أن نخسر هذه الدولة ، ولن نعمل على خسارتها ، لأنها تمدنا بالمال) .
أنظروا إلى تفكير هذا الرجل القابع على كرسي عرش أكبر دولة في العالم ، إنه تفكير مجنون ومحصور في المصلحة والمنفعة الذاتية ، لم يفكر أبداً في آلاف من الضحايا الذين يسقطون ثمناً لهذه النزوات المشبوهة ، ولم يتوقف هذا الرجل عند هذا الحد من الإهانات ، لكنه أتهم السعودية بالغياب التام عن الفعل وقال (السعودية لا تمتلك سوى النقود ولا أريد أن أخسرها) طبعاً الألفاظ هنا تختلف بحسب الترجمات الواردة من كل قناة ، أضاف “ترامب” رجل المبالغات والعهر السياسي (لقد اتصلت بالملك وقلت له أنت لا تمتلك إلا المال ونحن نحميك ، فأعطنا من هذا المال كي نستمر في حمايتك) أجاب الملك (لماذا تتصل بي ، لم يفعل هذا أحد قبلك) علق ترامب (لأنهم حمقى لا يعرفون من أين تؤكل الكتف) بالله عليكم أين يمكن أن نضع هذا الرئيس وكيف نفسر هذا السلوك لرئيس معتوه يعبر دائماً عن انحطاط قيمي وأخلاقي ويحاول الابتزاز قدر الإمكان على المكشوف ، بعيداً عن الدبلوماسية وكل أنواع المجاملة.
مع ذلك ومن المؤسف والمخزي معاً أن حكام النظام السعودي لا يتجرأون على الرد ، بل وكما حدث في المرة الماضية يجتهدون لتبرير هذه المواقف الفاضحة ، ويعتبرونها مجرد دعابة من “ترامب” أليست قمة المهزلة !!؟ وما قمية هذا النظام الذي بات عاجزاً ولم يدافع حتى عن نفسه ، بل يتحمل الضربات الكلامية ويحولها إلى حالات انتقام ضد أشقائه في اليمن وليبيا وسوريا والعراق ودول عديدة يحاول أن يستنفد فيها ما أعطاه الله من ثروة ليستعيد كرامته المسفوحة.
يا هؤلاء نحن إخوانكم لماذا لا توجهون كل هذا الحقد والكراهية والبغضاء إلى “ترامب” الذي يوجه إليكم سهامه كل صباح ومساء بنفس الحدة والكراهية ، وكأنه بات موكلاً بكم وغير مستعد لأن يصمت على أي شيء قدمه لكم ، هو لم يخفي يوماً أنه يقدم الدعم العسكري والمعنوي واللوجستي لكم في عدوانكم الظالم على اليمن ، لكنه في نهاية المطاف يقول نحن نقدم السلاح والمقاتل سعودي لكي يطمئن المواطن الأمريكي بأنه لا يقدم ضحايا بشرية في هذا العدوان الظالم.
الإشكالية الأكبر أن هذا الترامب يختم كل خطاباته بالحديث عن حقوق الإنسان والحرية والكرامة والديمقراطية بعد أن عرض كل هذه الشعارات للسحل ومسح بها الأرض ، وهذا هو أساس التناقض الصارخ بين الأقوال والأفعال، وكم يحزن الأمر أن يصدر مثل هذا الكلام من رئيس أكبر دولة في العالم ، وكأنه يتعمد إهانة هذه الدولة ويمسح بكرامتها الأرض ، وهذا ما يجعلنا نشفق على المواطن الأمريكي الذي تباهى لزمن بالدولة الحضارية الديمقراطية الحامية لحقوق الإنسان ، مع ذلك جاء ترامب لكي يسقط كل هذه المبادئ مقابل حفنة من المال ، ولا عزاء لآل سعود الذين أصبحوا في وضع الطبل الذي يتلقى اللكمات من كل الجهات وهو يبتسم.
فهل يعي هؤلاء الناس معنى الكرامة والسيادة والاستقلال ؟! ولوا أنهم راجعوا ما يحدث بدقة ورؤية وطنية لوجدوا أنهم يسيرون إلى الخسران بأنفسهم ، أما اليمن فإنها تزداد قوة وصلابة وإن شاء الله سيأتي الفتح من هذه الدولة المظلومة التي تعرضت لأبشع أنواع الظلم والغطرسة من اشقائها ، وأختم بقول المتنبي رحمة الله عليه :
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ
والله من وراء القصد..