مصاصو الدماء دعاةٌ للسلام!
عبدالعزيز البغدادي
من مظاهر الحرب الناعمة دعوة بعض المحسوبين على ما يسمى الشرعية بواسطة أتباعهم من مدعي الثقافة وحقوق الإنسان للمعتدى عليه إلى السلام ومن مقر إقامتهم في عواصم مشعلي الحروب والفتن كعاصمة الضباب والغبار صانعي وممولي داعش والقاعدة والنصرة وكل مشتقات الإرهاب الديني والسياسي.
نعم هؤلاء الأفاضل يقومون بهذه الوظيفة انطلاقا من عواصم صناعة الإرهاب وتمويله مقابل رواتب بالدولار واليورو والريال السعودي والدرهم الإماراتي لا تساوي شيئا عند من يملك ضميراً حياً ، يأخذون هذه الأموال ليتفرجوا على أشلاء أطفال اليمن وكل أبنائه دون أن يرف لهم جفن ويعزمون احتفاظهم بألقابهم العلمية وصفاتهم كزعماء وقياديين في موكب الشرعية المعلبة في عاصمة الغبار بتوجيه عاصمة الضباب فنعم الزعماء ونعم القياديون!!.
نعم واجب الإنسان أقصد الإنسان الحقيقي بل رسالته في الحياة أن ينشد السلام ويسعى لإعمار الأرض وإشاعة الأمن والمحبة ولكنه لكي يتميز عن بقية الكائنات يجب عليه أن يُعمل عقله ولا يهمله، وسيدرك أنه وهو يدافع عن نفسه لا يخرج عن منهج الدعوة للسلام، بل يتموضع في عمق هذه الرسالة.
الحروب ليست غاية، ولكنها قد تكون إما حاجة مدروسة لتفادي عدوان محتمل وإما ضرورة حتّمها عدوان محقق للدفاع عن النفس والعرض والدين والمال، والدفاع عن الدين بالطبع لا يكون إلا مقروناً بالدفاع عن حرية الاعتقاد (لا إكراه في الدين( )ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحس) ، (قل ياأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبدُ ولا أنا عابدٌ ما عبدتم لكم دينكم ولي دين) ، فالحرية وعدم الإلغاء والإقصاء هي الأساس الأول لأي دعوة للسلام الحقيقي.
لهذا ينبغي توجيهها دائماً لمن يدبر العدوان ويديره وينفذه ويموله ويحرض عليه ، لأنه ببساطة هو صاحب القرار في البدء وهو بالتالي صاحب القرار في وقفه ، ولا توجه الدعوة لمن يدافع عن نفسه وعن كرامته، وعن أرضه وعرضه، عدو الله هو عدو الإنسان وهو من يعتدي على غيره ليقتله وينهب أرضه وخيراته أو يتدخل في شؤونه، وهو بالتالي من يُدعى إرهابياً، أما من يدافع عن نفسه ويستشهد من أجل الدفاع عن وطنه وبني وطنه فإنما هو مجاهد وهو حبيب الله وحبيب الإنسانية.
البعض أجهدوا أنفسهم ويجهدونها في محاولة قلب المفاهيم، فهم يَدعون من يدافع عن نفسه إلى ترك سلاح دفاعه رغم قلته وضعفه من الناحية المادية المجرّدة، ويغضون الطرف عن سلاح المعتدي رغم ضخامته وتعدده وعدم تناسبه مع ما بيد المدافع عن نفسه رغم تفوقه الذي لا يقارن ووقوف تحالف قوى الشر معه.
ثقافة السلام لا تعنى الاستسلام لقوى الشر ، والشهادة في سبيل الحرية هي أرقى مراتب الدعوة للحب والسلام، أما دعوة الخنوع للمعتدي والظالم والمستبد فهي أوقح دعوة لإشاعة التجبر والفوضى والجريمة المنظمة ومدخل لاستمرار الطغيان والحروب )لا يفل الحديد إلا الحديد!)، هذا أساس سياسة الردع القائمة على الفطرة السليمة وقد رأينا نتائجها في لبنان وغزة كما شهدنا مآسي أوسلو وآثارها المدمرة، عصابات مدرسة أوسلو في كل زمان ومكان !!؛
لابد لأنصار السلام الحقيقي في هذا العالم أن يبحثوا بجد عن نظام عالمي جديد يبدأ بدعوة الدول المهيمنة على العالم لأن تخطو خطوات حقيقية نحو السلام ومقاومة مخططاتها وممارساتها العدوانية !، أما منهج الشر الذي تقوده الولايات المتحدة مثلاً فلا يؤدي إلاّ إلى مزيد من الحروب والصراعات والإجرام والشعب الأمريكي أول ضحاياه !،فإدارته تدعم الكيان الصهيوني دعماً مفتوحاً لترتكب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين من قتل للأطفال والنساء بل والإبادة الجماعية المنظمة للشعب الفلسطيني وتشريده ونهب أراضيه ، ومحاصرة قطاع غزة بأكمله منذ سنوات ومنع دخول متطلبات الحياة ، وتدعم وتشجع الكيان على امتلاك أفتك الأسلحة وأخطرها بمافيها السلاح النووي وبكميات تهدد وجود المنطقة بأكملها وفي ذات الوقت تسعى بكل طاقتها وتأثيرها في العالم إلى محاولة حرمان الشعب الإيراني من حقه في امتلاك الطاقة النووية السلمية وكل هذا يتم بذريعة حق هذا الكيان في الحفاظ على أمنه الذي يقابله بالمفهوم الأمريكي الصهيوني خوف الفلسطينيين بل وكل الجوار!.
السلام إذنْ بالمفهوم الأمريكي يعني استسلام المعتدى عليه للمعتدي، يعني نقض الاتفاقات والمواثيق والعهود والسعي لإخضاع الجميع لمشيئة الشر الأمريكي.
وحق الكيانين السعودي والإماراتي المصنوعين بريطانياً وأمريكياً في محاصرة الشعب اليمني، وحق أمريكا في محاصرة إيران وكوبا وفنزويلا وكل العالم ومنع لبنان من أن يكون له علاقات مع أي دولة يمكنها مساعدته سواءً إيران أو غيرها المهم منعه من أن يعيش حياة حرة وكريمة !.
وكذلك تفعل في اليمن حيث تتفنن في تغطية بشاعاتها بأغطية التزوير والكذب حيث تسمي ما صنعته من توجيه ودعم ومساندة لأقذر وأخبث عدوان ينفذه ويموله الكيانان السعودي والإماراتي بالدعم اللوجستي أو (المنجستي من النجاسة) وتسمي كل ذلك دعم عودة الشرعية) أي شرعية الفساد والموت والدمار باسم السلام والحب !.
الأنظمة الشرعية بنظر أمريكا إنما هي أنظمة الفساد والاستبداد التي يحكمها المعتوهون والمستبدون الجهلة والحمقى وتجار المخدرات والسلاح والسموم ومصاصو دماء البشر ومن يقبل بهم ويندمج معهم تحت عناوين شتى أحياناً بمقتضيات مراعاة الظروف، ومن يقاوم العدوان وفق هذا المنظور فهو إرهابي.
ومن العجائب أن بعض المحسوبين على الثقافة ومنهم زعماء سياسيون ومنظرون ومنهم من انتقل بسرعة البرق من خانة اليسار إلى هذه الخانة اليمينية المتوحشة بل وصارت عواصم الرجعية العربية قبلتهم السياسية وموجههم في مسيرتهم الجديدة! صارت الرياض منقذ الثورة والجمهورية وحكم القانون !! .
تقتلون السلام المعزز بالحب والكبرياء
وتدعون للمكر والبغي والاحتيال
السلام المغلف بالموت
أنتم سلاطينه ومفاتيحه
فسحقاً لكل ادعاآتكم
بئس ما تصنعون