التطهير العرقي والدولة الافتراضية في اليمن
د. حسن زيد بن عقيل
هروب الرئيس هادي الى السعودية يعني سقوط دولة ” الوحدة اليمنية “. كان حينها أمام هادي حلان: الحل الأول اعادة بناء قوته والزحف نحو صنعاء. والثاني اعلان فك الارتباط مع اليمن الشمالي واعادة ترتيب دولة الجنوب قبل ان يحسم الرئيس هادي أمره، أسرع التحالف السعودي – الاماراتي في إنشاء واعلان الدولة الافتراضية أو ما يسمى الحكومة الشرعية لتنفيذ مشاريعهم ولإعطاء الشرعية لـ ” العدوان على اليمن”.
الظروف الدولية كانت مواتية، إدارة أوباما في حاجة الى طمأنة حلفائها في الخليج أثناء التفاوض على الاتفاقية النووية مع إيران. شرعن أوباما حرب 2015م لطمأنة حلفائه في التحالف ضد الحوثي / صالح ودعم قرار مجلس الأمن، القرار 2216، لكن رغم دعم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا العسكري الكبير للتحالف واغلاق جميع حدود اليمن، ومنع وصول المساعدات الانسانية إلى البلاد، فشل التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في إنهاء الحرب خلال الأربع سنوات.
وضعت الحرب جميع سكان اليمن على شفا الموت جوعاً، بسبب الحصار البحري والجوي بدعم عسكري من الولايات المتحدة، حرب لم يصرح بها الكونجرس بالتالي هي انتهاك للدستور الامريكي استمرت الولايات المتحدة اربع سنوات تبيع للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة صواريخ وطائرات حربية، وتساعدهم في توجيه عمليات القصف الجوي، التي تشن بشكل عشوائي – تسببت في خسائر في الأرواح والممتلكات – وبتجويع ملايين اليمنيين كتكتيك بشع للحرب.
الحوثيون لا يرتبطون بأي حال من الأحوال بالمتطرفين في تنظيم القاعدة أو داعش، التي كانت الولايات المتحدة تتابعها في جميع أنحاء العالم بموجب ترخيص استخدام القوة العسكرية لعام 2001م، إذاً المشاركة الأمريكية في دعم الحرب في اليمن ضد حركة الحوثي غير مشمولة بهذا الترخيص، لذلك جاء قرار الحزبين في الكونجرس بوقف الدعم، ثانيا وكالة أسوشيتيد برس قد أشارت إلى أن تنظيم القاعدة “حليف فعلي” للمملكة العربية السعودية وائتلافها في معركتهم المشتركة ضد الحوثيين. هذا يثير السؤال التالي: من الذي تدعمه الولايات المتحدة وحلفاؤها ومجلس الأمن الدولي عمليا في اليمن؟
في أواخر عام 2018م ظهرت مستجدات غيرت المزاج في واشنطن وهي: الأول – اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول على أيدي السعوديين في أوائل أكتوبر. الثاني – الأثر التراكمي للكارثة الإنسانية المتصاعدة والتي أحرجت أمريكا وبريطانيا وفرنسا أمام المجتمع الدولي. حرب اليمن لا تختلف عن الإبادة الجماعية في رواندا ودارفور أو المحرقة اليهودية في اوروبا. لتجنب تحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية فيما يتعلق بجرائم الحرب والوضع الانساني في اليمن، الأسوأ في العالم.
هذان السببان دفعا بالحزبين في الكونجرس الأمريكي في إدارة ترامب إلى البدء في وقف الدعم عن التحالف بقيادة السعودية الولايات المتحدة تريد تبرئة موقفها من الفظائع التي ارتكبها حلفاؤها في المنطقة ضد المدنيين اليمنيين.
الحاصل في اليمن هي محرقة ترتكبها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والأمم المتحدة، هذه القوى تدرك تمام الإدراك اجراميتها وجريمة قوى التحالف العميلة لها والتي تشن بواسطتها حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب اليمني لأكثر من أربعة أعوام حاول الإعلامي الامريكي – الغربي تبييض جرائم الحرب اليومية التي يرتكبها التحالف لكنه فشل.
الوقائع تشير دائما الى ان الحرب في اليمن ليست حربا أهلية ولا هي حرب ضد حركة الحوثي واعادة الشرعية هذه شائعات مظللة وغطاء لتنفيذ مشروعهم، التطهير العرقي. ظهرت خطط مجلس التعاون الخليجي لغزو اليمن قبل ان تظهر حركة الحوثي، في أبريل 2013م بدأت بعض دول الخليج بالتآمر للاستيلاء على جزر وموانئ اليمن. قامت الشيخة موزة بنت ناصر المسند بزيارة سرية إلى جزيرة سقطرى اليمنية، في نفس الشهر قام الشيخ سلطان بن خليفة آل نهيان بزيارة إلى جزيرة سقطرى اليمنية. تنفيذا لمخطط الولايات المتحدة إلى تحويل جزيرة سقطرى إلى قاعدة عسكرية للأمريكيين على غرار قاعدة دييغو غارسيا.
ولعلم كل اليمنيين جزيرة دييغو غارسيا تم تطهيرها قسرا من سكانها الأصليين في عام 1960 و1970م وتحولت لاحقا إلى قاعدة عسكرية للمملكة المتحدة والولايات المتحدة. احذروا وانتبهوا ! لذا نلاحظ جموح السعوديين والاماراتيين يميل نحو ممارسة الهيمنة الجيوسياسية وتجلياتها واضحة في إحكام السيطرة على الجغرافيا والمنافذ والموانئ والسواحل ومضيق باب المندب، مع تجريف كل مظهر لسيادة الدولة اليمنية، تحت شعار حماية الشرعية في أواخر عام 2018م بدأت محادثات مباشرة من دون وساطة خليجية تحت رعاية الأمم المتحدة بين ممثلين عن حكومة هادي والحوثيين في السويد. هذه خطوة كبيرة الى الأمام في حد ذاتها النقاط التي اتفقوا عليها تشير الى أن التقدم الجوهري نحو الحل السلمي للنزاع لم يعد أمرا مستحيلا كما كان في بداية الحرب خاصة إذا التقى اليمنيون على طاولة المباحثات.
تجربة الوساطة الخليجية للأسف كانت غير موفقة وعدوانية، وتفتقر للمصداقية والحيادية وذلك من خلال جموح السعودية والامارات نحو ممارسة الهيمنة الجيوسياسية.ان تفسير ما يجري في اليمن حسب الاعلام حرب أهلية بين السنة والشيعة هذا خطأ، هذا التفسير يريده التحالف السعودي – الاماراتي ليخفي وراءه مشروع التطهير العرقي لليمنيين.
في 1962م دعمت المملكة العربية السعودية الجماعات الامامية لإبقاء اليمن تحت نظام الإمامة وهو نظام شيعي. المهم ألا يتحول اليمن إلى دولة قوية. لن يرضى مجلس التعاون أن يرى جمهورية تعددية وقابلة للحياة اقتصاديًا في شبه الجزيرة العربية. ما يؤكد ذلك سلوك السعوديين والاماراتيين في اليمن، مروع حقًا ومثير للاشمئزاز. كيف يمكن أن تبرر الولايات المتحدة وأصدقاؤها في أوروبا الدعم العسكري لحرب الإرهاب هذه؟