أمة الملك الخاشب
منذ يوم السادس والعشرين من مارس عام 2015 وإلى تاريخ كتابة هذا المقال واليمن يتعرض لعدوان سافر ومظلومية فاقت كل المظلوميات، وفي نفس ذلك التاريخ أُعُلنت ثلاثة أهداف لتحالف العدوان الأمريكي على اليمن، وإلى يومنا هذا وبعد ما يقارب الثلاث سنوات لم يتحقق لهذا التحالف الأرعن أي هدف من الأهداف المعلنة، بل وكشفت الحقائق في أرض الواقع لمن كان لا زال يصدق أن السعودية جاءت لأجل أن تحرر اليمنيين من اليمنيين، وتعيد شرعية ماتت وتم تشييعها ودفنها بل ونبذها والدوس على قبرها البائس، لأنها تسببت في آلاف الثكالى واليتامى والجرحى والنازحين والمشردين والمكلومين، ولا مجال هنا لذكر ما سببه هذا العدوان من مآس وجراح ومعاناة وحرب اقتصادية وضحايا بلغوا عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، ولكن حاولت في هذا التقرير المصغر التركيز على الحقد التاريخي والمذهبي الذي جعل من المقامات والأضرحة في اليمن هدفا استراتيجيا لهذا التحالف الصهيو أمريكي وهابي، وجعلت منهم يخرجون ما كانوا يكتمون من ضغائن وأحقاد على تراثنا وإرثنا الحضاري الذي يشعرون بعقدة نقص كلما مرت طائراتهم من على مقام لعالم أو ضريح أو آثار عمرها آلاف السنين.
فإن لم يستهدفوا المقامات والأضرحة بغارات الحقد أرسلوا بديلا عن ذلك أياديهم القذرة ممن يسمون أنفسهم دواعش أو قاعدة أو جبهة نصرة أو غيرها من تلك المسميات التي تصب جميعها في مصب واحد وهو المصب الأمريكي الوهابي في المنطقة محاولة منهم لفصل المجتمع عن تأريخه وعن معتقداته وبلا شك أن هذه المحاولة باءت بالفشل ولكنها أخرجت حقيقة ما يكتمون .فُطٌرحت عدة أسئلة بديهية وبسيطة ولم يستطع أحد من المطبلين للعاصفة والمؤيدين لها أن يجيبوا عليها ومن هذه الأسئلة هي ما علاقة استهداف الآثار واستهداف مقامات الأولياء بإعادة ما يسمى الشرعية في اليمن ؟؟ من المؤكد أنه سؤال صعب جدا عليهم فتجدهم يتلكأون ويتهربون من الإجابة لعدم حتى اقتناعهم في قرارة أنفسهم.
فمشهد استهداف المقامات والأضرحة ليس مشهداً جديداً، فقد بدأ حتى من قبل العدوان الظاهر في يوم 26 مارس وبدأ على يد ما يسمى تنظيم “القاعدة”، أو كما يحلو لأنفسهم أن يسموا “أنصار الشريعة” ، وكانت تحت مبرر وحجة أنها موروثات تقود إلى الشرك وتتعارض مع فكر التوحيد، وعمد التنظيم إلى استهداف عدد من الأضرحة والقباب والمشاهد الدينية القديمة، في عدد من مدن حضرموت جنوب اليمن، التي يسيطر عليها، ولا سيما في مدينتي المكلا والشحر.
ومن بين أبرز المعالم التي استهدفت حتى الآن، قبة ولي الله الصالح يعقوب، في المكلا عاصمة حضرموت، وضريح المحجوب في المدينة نفسها، وأضرحة عدة مشهورة، يرتادها المتصوفون بشكل دائم، ويعود تاريخها إلى مئات السنين.،
حيث قام مسلحو التنظيم بهدم ونسف قبة بن إسماعيل في منطقة مسي السمعون، وهي التي تقع على موقع مرتفع، وتعتبر من أكبر وأقدم المزارات الدينية الصوفية في مناطق ساحل حضرموت. وإضافة إلى معقل أضرحة الصوفية في ساحل حضرموت اليمنية ، يوجد عدد من المزارات الأخرى في بعض المدن الأخرى، والتي أيضا تم استهدافها، وكان آخرها أضرحتهم في منطقة الوهط بمحافظة لحج، والتي زحف إليها الصوفيون من حضرموت، وبُني لهم فيها العديد من القبور.
فمن مساوئ الدهر أن تتعرض الحضارة اليمنية الضاربة في جذور التاريخ إلى هذا التدمير المتعمد” هذه التصرفات العبثية أثارت استياءً واسعا لدى أبناء حضرموت، الذين بدأوا يقلقون كثيرا من أن تتعرض متاحف أخرى للنسف، كما كان يهدد المسلحون في منشوراتهم الإلكترونية والورقية، وفي مقدمتها “متحف مدينة المكلا”، الواقع حالياً في نطاق سيطرة الجماعة، رغم خلو المتحف بالكامل من أي تماثيل وثنية قديمة، ما يعني غياب حجة التنظيم للتدمير. والعجيب هو مقابلة الصوفيين كل ذلك بالصمت أمام هذا التصعيد، تجاه مزاراتهم التي يتوافد إليها الطلاب من كل جنسيات العالم، فهم بطبيعتهم بعيدون عن كل صراعات وتفاصيل الأحداث التي يمر بها اليمن وكأنهم يعيشون في كوكب آخر وهذا موقف سلبي من مواقفهم سيحسب عليهم.
وبهذا نلاحظ أن موروث اليمن النادر أصبح مهدداً بالاندثار والتدمير، ولا يختلف الحال فيها عن ما فعلت تيارات التشدد في سورية والعراق، بأماكن التاريخ ومتاحف التراث
محافظة تعز على رأس أهدافهم
وبما أن تعز الحالمة عرفت بالمدنية وبالتعايش وعرفت أنها عاصمة الثقافة إلا أن حزب الاصلاح وجد فيها مرتعا ملائما لزراعة أفكاره وغرسها في العقود الماضية أمام صمت وبرود من علماء الزيدية والشافعية حتى تخرج الآلاف من دواعش الإصلاح ممن لا يقبلون بغير فكرهم ومن يكفرون كل مخالف لهم .
ولهذا استهدف المشروع التكفيري الوهابي الشافعية في محافظة تعز ودمر المقامات والأضرحة والمساجد وجرائم الإبادة والتطهير العرقي ونسف وفجر المزارات والمعالم التاريخية في تعز خاصة وفي اليمن عامة.
أبناء تعز خاصة المعروفون بانتمائهم المذهبي لأهل البيت عليهم السلام تعرضوا لمجازر الذبح والإبادة التي ارتكبها مرتزقة العدوان ” دواعش الإصلاح ” بحقهم ومنها جرائم التطهير والتنكيل والذبح بحق ساكني قرية الصراري وتفجيرهم للمقامات الدينية ونبش قبورها بمديرية صبر الموادم . وكذلك ما حصل في »مشرعة« و»حدنان« من تطهير عرقي وجرائم لن ينساها التاريخ لأسرة آل الرميمة.
وأقدم مرتزقة العدوان ” دواعش الإصلاح، على تفجير المعالم التأريخية واستهداف المقامات الدينية في المحافظة التي كان من بينها تفجير مقام الولي الصالح »إبن فارض اليمن عبد الهادي السودي« بمنطقة المظفر وسط مدينة تعز وما سبقها من تفجير لمقام الولي العارف بالله /جمال الدين الجنيد في الصراري وقبة سلمان في حبيل سلمان .
كما أقدم مرتزقة العدوان السعودي الأمريكي من الدواعش التكفيريين بمحافظة تعز على تدمير عدد من القبب والأضرحة وسط المدينة. ومنها مسجد قبة المتوكل في المدينة القديمة وعمدوا على تفجير القبة بالقوة
وكذلك بعد أن أقدم المرتزقة على نبش قبر الولي »عبد الهادي السودي« في تعز في نوفمبر من عام 2015م، ونبش قبر العلامة عبدالله محمد الرميمة بمنطقة »مشرعة« و»حدنان« في ديسمبر 2015م الفائت، وتفجير ضريح وقبة الولي عبداللطيف الرميمة الملقب بالحويج بمنطقة الحاضر قرية الحبيل في الـ 2 من مارس من العام 2016م.
ومعروف أن اليمنيين متعايشون منذ عقود طويلة وأن هذه العادات الداعشية دخيلة على اليمن وشعبه ولا تمت إلى سماحة الإسلام وتعاليمه بأي صلة وأن ما يحصل في حق المقامات والقبور ليس إلا جزء من مخطط الفتنة الطائفية الذي كان من أهم ما كشفت عنه “هيلاري كلينتون” في مذكراتها التي نشرت عام 2014م بعنوان خيارات صعبة وغطت فترة ادارتها لوزراة الخارجية الأمريكية من عام 2009م إلى عام 2013م فالإسلام المحمدي الأصيل لا يبيح لنا تفجير ونسف قبور الكافرين فكيف سيأمرهم بتدمير ونبش قبور الصالحين مثلما يزعمون .؟؟
لم يقتصر استهداف الأضرحة والمقامات الدينية على داعش وباقي التنظيمات الإرهابية فقط، بل تنفذه السعودية أيضا خلال العدوان الذي تقوده ضد اليمن، وهو أمر يعكس مدى الارتباك والعجز الذي وصل إلى أقصى درجاته، نتيجة عدم قدرة الرياض على تحقيق أي نتائج من خلال العدوان المستمر ضد اليمن، حيث استهدفت غارات التحالف الأمريكي السعودي المقام الذي أقيم حول ضريح الشهيد “حسين بدر الدين الحوثي”، وتم تنفيذ أكثر من 23 غارة استهدفت مران، منها 14 غارة على ضريح “ الشهيد القائد حسين الحوثي” مما أدى إلى تدميره نهائيًا. وهذا يعكس مدى الحقد الكبير الذي يحملونه لضريح ذلك الرجل الذي تخرج على يديه مئات الألاف من الرجال الشجعان الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن الوطن وقدموا المهج والدماء الزاكية وهم يواجهون أخبث عدوان عرفه تاريخ البشرية حتى جعلوا من اليمني أسطورة العالم في صموده واستبساله من أجل أرضه وكرامته وعزته واستقلاله .
استهداف طائرات الحقد السعودي لبعض المقامات الدينية في اليمن، أعاد للأذهان مشهد تدمير تنظيم “داعش” للمساجد التاريخية والأضرحة والمتاحف والكنائس والمقامات الدينية عند دخول أي مدينة سواء في العراق أو سوريا فالسيناريو تكرر بكل تفاصيله في اليمن ، وهذا مؤشر على الإفلاس والتخبط الفكري وحالة الهستيريا التي يعيشها قادة العدوان على اليمن . تدمير العدوان السعودي لضريح “ الشهيد القائد حسين الحوثي” في صعدة، لم يكن الاعتداء الأول على المقامات الدينية اليمنية، فقد سبقه استهداف مقام وجامع الإمام الهادي في صعدة” وغيره من جوامع أثرية تحمل في داخلها أضرحة لأئمة وأولياء من الصالحين في مختلف المحافظات .
وختاما نؤكد أنهم مهما حاولوا من استهداف للتأريخ ومحو للآثار إلا أن اليمني الذي عمره أكثر من ستة آلاف سنة ويعتبر مهد الحضارات سيظل هو اليمني ولكن على الجهات المعنية محاولة توثيق كل جرائمهم التي لن تسقط بالتقادم والبدء في عمليات التوثيق بتاريخ الاعتداء وإن توفرت الإمكانات فعليهم بالبدء بالترميم في حدود الإمكانات وبالتعاون مع بعض أبناء المناطق المستهدفة من التجار والميسورين والتنسيق مع أي مؤسسات أو منظمات محلية مختصة في المحافظة على ما تبقى من تراثنا.