الوطن العربي بين حُكْمِ العصابات وحُلمِ الشعوب !
عبدالعزيز البغدادي
من المفترض أن مؤسستي الجيش والأمن جزء من السلطة التنفيذية يقتصر واجب الجيش على حماية إقليم الدولة من أي عدوان خارجي وعلى المؤسسة الأمنية حماية المجتمع في الداخل من خلال منع الجريمة قبل وقوعها وضبطها بعد وقوعها وتقديم مرتكبيها للعدالة.
وتبقى كافة مجالات السلطة التنفيذية وغيرها من السلطات التشريعية والقضائية محكومة بحاجات وتطلعات المجتمع ووفق المبادئ القانونية التي تنظمها بما يحقق الأهداف والغايات المرسومة، ويبقى الشعب وفقاً لدساتير أغلب الدول هو صاحب الحق في السلطة والثروة يسيرها ويقيِّم أداءها من خلال الممارسة ، وتظل كافة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية محكومة بحاجات وتطلعات الشعوب والمجتمعات وليس المؤسستان العسكرية والأمنية كما هو حاصل في معظم الدول العربية إن لم يكن جميعها منذ اتفاق (سايكس بيكو) الذي بموجبه تم تقسيمها إلى قسمين .
الأول: دول عدد سكانها قليل نسبة إلى الأرض التي خصصت لتقيم عليها كياناتها ولم يكن لها دول عبر التأريخ وانمااقتطعت برعاية الاستعمار الفرنسي أو البريطاني الذي ورث تركة الإمبراطورية العثمانية التي أطلق عليها : (الرجل المريض) وبها ثروات نفطية ومعدنية لتقوم الدول الراعية بامتصاصها وتحديد كيفية استثمار ما تتفضل به منها على هذه الكيانات المستحدثة التي منحتها استقلالا شكلياً وأعلاماً وأسماء ونصّبت عليها ملوكاً وأمراء وسلاطين تشعرهم دائماً بالحاجة للحماية وتسيرهم من غرف عملياتها وتمن عليهم بالحماية ، وفي نفس الوقت قامت بزرع وكيل معتمد في قلب الوطن العربي والإسلامي هو الكيان الصهيوني كعمل احتياطي لأنها لاتثق بالعملاء !.
القسم الثاني : دول تتفاوت مساحاتها وحجم سكانها ومقدار ثرواتها وتشمل الدول ذات التأريخ والعمق الحضاري وعدد سكانها غالباً كبير ، وفي الظاهر صارت دولا متحررة وبعضها جمهوريات تحتفل سنوياً بأعياد استقلالها و ثوراتها ونظامها الجمهوري والديمقراطي بل وتتباهي بعضها بحمل تسميات وشعارات الاشتراكية والتقدمية وتبالغ في الأوصاف التي توهم بأن سلطاتها صارت ملك الشعب وكونت إيديولوجيات ، هذه الدول سرعان ما تحولت جيوشها عن مهامها من حامية ومدافعة عن حدود الوطن وأمن المجتمعات والشعوب إلى وصية عليها وقامعة للحريات ومنتهكة للحقوق بذريعة الدفاع عن أهداف الثورة وحماية النظم السياسية والإيديولوجيات الثورية !.
ولذلك بقيت أنظمة الممالك والسلطنات والإمارات ذات التعداد السكاني الأقل والواقعة تحت الإشراف المباشر غير المعلن للدوائر الاستخبارية الاستعمارية تبدو أكثر استقراراً وأمناً وتتمتع ببعض الرفاه المادي الناتج عن فائض الثروات المنهوبة ، وفي نفس الوقت تم اختراق أنظمة ومجتمعات الدول المسماة بالجمهورية ، وتكونت لدى كثير من قياداتها العسكرية وبعض الرموز السياسية والحزبية مصالح ترعاها نفس الدوائر الاستخبارية التي تسير السلطنات والممالك والمشيخات ، ومن خلال هذه الرعاية تم الإشراف على هذه الدول ومنها الجزائر والسودان ومصر واليمن وتونس وليبيا وسوريا ولبنان والعراق بالإضافة إلى بعض الدول الإسلامية وصارت ممارسات حكامها أسوأ وأكثر ديكتاتورية من الملكيات ، ولانقصد بهذا إصدار أحكام مطلقة ولكننا نتحدث عن الأغلب وهذا موضوع بحث يطول .
وبخروج المؤسسة العسكرية عن مهامها القانونية والدستورية صارت تدير وتدار بالانقلابات بمختلف فنونها الناعمة والخشنة !!.
ولعل ما جرى مؤخراً ويجري اليوم في الجزائر والسودان يعكس حقيقة هذا التوصيف ، واللافت بروز ملمح جديد من ملامح التفنن في وسائل الانقلابات يعتمد على استخدام أمريكا مركز الاستعمار الجديد قفازات اسمها عربي ومحتواها صهيوني ، مثل ( المملكة العربية السعودية ، والإمارات العربية المتحدة ، فما حجمهما الذي يمكنهما من التدخل في دول مثل الجزائر والسودان وتونس واليمن ولبنان وغيرها ويكون لهما عملاء ومرتزقة وأجندة يتحدث عنها المحللون بل وتحتل دولة واقعة تحت الاحتلال المبطن جزيرة بحجم سقطرى وجزر وأجزاء واسعة من اليمن المعروف بحجمه وتأريخه مستغلة الظروف التي يعاني منها .
أعتقد أن من المعيب القول بأن السعودية والإمارات تتدخل في شؤون تلك الدول وواضح أن الراعي الأمريكي البريطاني يهدفان بذلك إلى إهانة شعوب تلك البلدان من خلال استخدام هذه القفازات وتدمير بعضها ببعض بل وتدمر كل دولة ببعضها كما يحدث في بلادنا، كل هذه المؤامرات والانقلابات تتم بتمويل عربي باسم القفازات !!.
هذه العملية البذيئة هي الراعي لاستيلاء المؤسستين العسكرية والأمنية على السلطات المسماة عربية وهي نفسها راعي اختطاف أشباه الرجال لما يسمى بالشرعية الدستورية وتمويلها وتوظيفها هذا التوظيف المهين لكل يمني، هاهي القفازات تمد أذنابها عبر سيئون وأنابيبها عبر المهرة والأمل في أحرار اليمن إذا ما استفادوا من التجارب !.
المشهد مأساوي ومظلم ولكن انتصارات محور المقاومة في لبنان وسوريا والعراق واستمرار الصمود اليمني الذي دخل عامه الخامس أمام هذا العدوان المغلف بهذا التوظيف البشع للشرعية الدولية المنتهكة ، وما يقدمه الشارع السوداني والجزائري من رسائل تعطي بعض الأمل لملامح إشراق وعي سياسي عربي من خلال رفض السودانيين لمحاولة الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق عوض بن عوف وأراد من خلاله اختطاف الحراك الشعبي وإعادة إنتاج النظام ، ونزولا عند رغبة الشعب تنازل عن رئاسة المجلس العسكري للفريق عبد الفتاح البرهان في خطوة من خطوات التدرج في محاولة الحفاظ على إبقاء المؤسسة العسكرية ممسكة بالقرار وكأن مصير الشعب والسلطة ملك له ، استمر الحراك الشعبي السوداني رافضاً كل تكتيكات الانقلاب ومصراً على الانتقال إلى الحكم المدني هذا الإصرار أعطى الإنسان العربي بعض الأمل في الخروج من دوامة استيلاء المؤسسة العسكرية والأمنية على السلطة !.
وفي الجزائر انتفض غالبية الشعب على الاستهتار بقدراته ليؤكد رفضه وصاية العصابة كما أسماها وبقاءها ممسكة بالكرسي ولعله استفاد من تجارب ما أسمي بالربيع العربي الذي حولته المبادرات المشبوهة والخدع إلى ثورات مضادة ولهذا فهو مصر على أن يكون ربيعه ربيعاً تتفتح أزهاره حرية وكرامة وخروجا حقيقيا من قبضة الاستعمار الفرنسي والاستلاب الذي لا تزال عصاباته تسيطر على مقدرات الجزائر وتنهب خيراته.
هذا الوعي الشعبي الذي يبدو في الشارع الجزائري والسوداني يمثل بارقة أمل ببزوغ شمس الحرية في الوطن العربي ومحاولة لاستعادة الحُلم بامتلاك الحق في تسمية السلطة الشرعية وغير الشرعية والحق في الثورة على الحكام إذا ما تجبروا أو تمادوا وفي الدفاع عن سيادة بلدانهم ورسم سياساتها وعلاقاتها مع جيرانها بعيداً عن أي إملاء خارجي أو تدخل بجح في شؤونها، ولعل ما جرى مؤخراً بين العراق وإيران من تنسيق وتقارب خارج إرادة أمريكا وعملائها في المنطقة مثلٌ يستحق الـتأمل ويفتح أبواب الأمل بفجر جديد!.
كل يوم تشرق الشمس
يستعيد الصباح طفولته
فلا تيأسوا
رحمة الله واسعة وعزم الرجال.