” خريف أربعة أعوام من الحرب المنسيّة على اليمن “

 

ماجد الوشلي

في عالمنا المُعاصر والذي يمتلك منظومات تكنولوجية دقيقة ، وعولمة حديثة وتطوراً احترافياً سريعاً جعلتاً من الكرة الأرضية قرية صغيرة في متناول أيدي البشر ، حيثُ يستخدمون فيها كل أدوات المعرفة والتطور الحضاري والتقني للحياة الإنسانية ، نجد أنَّ محورية هذا العالم الذي يمثل إنسانية الإنسان لم تعد فيه نظارة الربيع في معالمها وجمالها التي تتحلى بألوان السعادة والنمو ، وتعطينا حياة أمثل وعيشاً كريماً يحفظ للإنسان كرامته ويبني حضارات الثقافة الراقية والمتقدمة ..
نعيش اليوم في موسم الخريف بكل معانيه وصفاته وبكل ألوانه ومراحله في واقعٍ لم نجد فيه الحياة الإنسانية التي نأمل ترجمتها قولاً وفعلاً في حياتنا ونظامنا الاجتماعي والسياسي ..
عاصفةٌ خريفيةٌ محت كلَّ ألوان الحياة ، وقضت على مستقبل الشعوب والأمم، أصابت البشر والحجر وجعلت من الإنسان ضحية في مستنقع عميق لا يستطيع الخروج منه إلا بشقّ الأنفس ، نعم هذه الحياة التي أرادوها لكل أبناء الشعب اليمني في الشمال والجنوب ، للحياة والإنسان ، للأرض والحضارة ، للماضي والمستقبل ، خريفٌ عاصفٌ يهدم كل شيء ولا يبالي بقوانين الحياة وقواعد العيش المشترك ..
خريفُ أربع سنوات من العدوان على اليمن ماذا أنتجت .. ؟ وماذا أثمرت .. ؟ وماذا حصدت .. ؟! غير هذه الأرقام التي كُتِبت بدماء اليمنيين ورُسِمت بلوحة رمادية لرؤية المشهد الإنساني لكل أبناء الشعب اليمني ..
فهذه الأمم المتحدة تقول إنَّ ما يقرب من 100 مدني يتعرضون للقتل أو الإصابة أسبوعياً وقد تسببت الغارات الجوية في مقتل وإصابة 37 طفلاً شهرياً خلال الشهور الإثني عشر الماضية ، وبحسب منظمة ” أنقذوا الأطفال ” المنظمة فإنّ الغارات الجوية كانت السبب الرئيسي في حالات الوفاة والإصابة المرتبطة بالحرب ..
ونحو 10 ملايين شخص يمثلون أكثر من ثلث اليمنيين ، لا يجدون ما يكفيهم من الطعام .. ونحو 85 ألف طفل تحت سن خمس سنوات ربما توفوا بسبب الجوع الشديد منذ عام 2015م، ونحو مليوني طفل يمني يعانون من سوء التغذية ، من بينهم 360 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد وخطير .. ويحتاج 24 مليون شخص ، يمثلون حوالي 80 % من السكان ، إلى شكل ما من أشكال المساعدة الإنسانية ..
وما يقرب من 18 مليون يمني يفتقرون إلى المياه النظيفة وقد تسببت الحرب والأوضاع الإنسانية الصعبة في فرار أكثر من 190 ألف شخص إلى البلدان المجاورة ..
ويوجد أيضاً حوالي مليونيّ طفل في اليمن خارج مقاعد الدراسة ، وتم الإبلاغ عن اشتباه بإصابة نحو 1.2 مليون شخص بالكوليرا منذ عام 2017م، توفي منهم أكثر من 2500 شخص ..
وفي تصريحٍ لمنظمة الصحة العالمية في تقريرها الأخير قالت : إن النظام الطبي في اليمن في حالة انهيار كامل، كذلك عدم إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة والغذاء ..
هذا خريف أربعة أعوام وهذه نتائجه الكارثية على شعب اليمن وهذا ما أرادته أنظمة العدوان السعودي والإماراتي والأمريكي بكسر كل مقومات الحياة والمعيشة لأبناء الشعب اليمني ؛ كي يبقى ضعيفاً فقيراً مُهاناً أمام آلة القتل والقصف والدمار والتجويع اليومي ، وحتى يبقى مرتهناً لقوى الاستكبار والاستعمار ..
إنّ عواصف آل سعود في زمن محمد بن سلمان وبعد اهتزاز شرعيته داخل وخارج المملكة وخاصة بعد ذبح خاشقجي ، لم تعد تُقنِع أحداً .. ! بل إنها عادة تنقلب على مُطلِقيها ، وتؤكد دعوتنا الثابتة منذ سنوات ضدهم وعلى امتداد حكمهم الظالم بحق أبناء شبه الجزيرة العربية ، أنهم لم يعودوا جديرين برعاية المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة ، فاليد التي تصافح القتلة في تل أبيب وواشنطن ، وتقتل المسلمين في اليمن ومن قبل في سوريا والعراق وليبيا بل وحتى داخل المملكة ( الشيخ النمر وخاشقجي ومئات غيرهم مثال على ذلك ) غير جديرة بأنْ تكون الحاكمة الفعلية للمقدسات الإسلامية بأي حال من الأحوال ..
ونلاحظ في الفترة الأخيرة حملات الاعتقالات المستمرة بحق الناشطين في مجال حقوق الإنسان في السعودية وهذا ما صرّحت به منظمة هيومن رايتس ووتش حيث قالت : إن الاتهامات الموجهة للمعتقلات في السعودية مرتبطة بنشاطهنّ في الدفاع عن حقوق الإنسان واتهامات الادّعاء العام السعودي للناشطات تتعلق بعمل سلمي في الدفاع عن حقوق الإنسان.. حتى هذه النشاطات الحقوقية أصبحت تزعجهم وتعرّي صفحاتهم السوداء أمام الرأي العام ..
ورغم وضوح الرؤية السياسية والحقوقية للمنظمات الدولية والإقليمية خاصة فيما يخص شرعية التحالف السعودي وبأنه بات واضحاً للجميع عدم أحقيته ومخالفته للقوانين الدولية بشكل صريح وعدم مراعاة هذه الأمور إلاّ أنّ النظام العالمي المتحكم أمريكياً وبريطانياً واسرائيلياً يغضُ الطرف بشكل مستمر عن كل هذه الجرائم غير الإنسانية ويشغل الرأي العام بأمور سطحية وتفاصيل جزئية لا تتعلق بكرامة البشر ..
وفي تصريح خطير لصحيفة ديلي ميل البريطانية حيث قالت :ما كشفناه من تجنيد للأطفال واحتمال تورط قوات بريطانية في حرب اليمن أثار ردود فعل كبيرة ..
وتأكيد ذلك ما نقلته صحيفة الغارديان حيث قالت: إن وزير الدولة البريطاني لشؤون آسيا يعد بالتحقيق في قيام قوات بريطانية بتدريب أطفال للقتال باليمن، وتشير إلى أنّ الأطفال يمثلون 40 % من جنود التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ..
وفيما يتعلق بردود الأفعال المستمرة خاصة الدولية حيث صرحت الحكومة الألمانية بتمدد حظر تصدير الأسلحة إلى السعودية لمدة 6 أشهر ..
وأما بالنسبة لرغبة النظام السعودي بامتلاك مفاعيل نووية وخطورة هذه المرحلة فقد صرح الديمقراطي ميننديز والجمهوري روبيو : إنه يتعين على واشنطن عدم تقديم التكنولوجيا والمعلومات النووية للسعودية ؛ لأنهم يدركون جيداً مدى خطورة تطور هذه الأمور على الساحة الإقليمية وأنّ نتائجها ستكون سلبية ومؤثرة في المنطقة ..
والمُلاحظ خلال فترات الحرب المنسية على اليمن أنها غيرُ متكافئة في الجوانب السياسية والإعلامية والعسكرية فهناك أكثر من 17 دولة تحالفت مع النظام السعودي فيما يسمى بـ” التحالف العربي” إضافة إلى الدعم اللوجستي والمخابراتي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والغطاء الدولي من مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي لكل ما تقوم به السعودية من استمرار للمجازر والجرائم بحق الشعب اليمني ، وهذه حقيقة لا بد من الالتفات لها وتعريف الرأي العام بكل ما يحدث ، وكي ندرك خطورة الوضع والكارثة الإنسانية في اليمن ..
إنّ المعادلة اليوم أصبحت واضحة وجلية في المشهد اليمني والمواقف السياسية ؛ لأن كل الحقائق والوقائع تشير إلى كارثة إنسانية اختلقتها الأنظمة الاستكبارية والاستعمارية ، وجعلت من النظام السعودي والإماراتي مطيّة وأداة لتحقيقها والدخول في فوضى خلاقة ، وحروب مستمرة ، وصراعات جانبية تخدم وجودية الكيان الإسرائيلي ، وتشتت الآراء حول القضايا المركزية والاستراتيجية والدخول في دوامة الصراعات الداخلية ؛ كي تبقى ضعيفة أمام القوى المتحكمة بالقرارات الدولية ورغم كل ذلك إلا أنّ القضية اليمنية لازالت حاضرة بصمودها ومقاومتها وبناء معادلة جديدة للردع والتصدي أمام آلة القتل الاجرامية بحق أبناء الشعب اليمني ..

قد يعجبك ايضا