حسن الوريث
عندما يكون قصر النظر لدى المسؤولين على الرياضة في البلد هو السائد فإن النتيجة تكون ما نحن فيه الآن من تدهور كبير لهذا القطاع الحيوي والهام وعندما يكون لدينا مدينة رياضية بحجم مدينة الثورة الرياضية ولا نستثمرها لصالح الشباب فإن ذلك مؤشر ليس على قصر نظر مسئولينا ولكنه يؤكد أن مسئولينا مازالوا يعيشون ويعملون بعقلية العقود الماضية ويديرون المؤسسات الرياضية بهذه العقلية.
وبالتأكيد أن مسئولينا لا يعرفون أن الاستثمار والتسويق الرياضي يلعبان دوراً مهماً وحيوياً في تطوير الرياضة باعتبارهما من أهم الأدوات الاقتصادية التي تعود بالنفع على الرياضة والرياضيين ومصدراً مهماً لتنمية موارد الاتحادات والأندية الرياضية بحيث أصبحت الشركات تخصص جزءاً من أموالها للاستثمار في مجال الرياضة لأنه يعود عليها بأرباح هائلة وإلا لكانت رياضتنا في وضع آخر وأفضل.
هذه المقدمة جاءت من وحي زيارتي لمدينة الثورة الرياضية لحضور افتتاح بطولة الصمود لكرة القدم التي تنظمها مديرية الثورة بمرور خمسة أعوام من الصمود في مواجهة العدوان على بلادنا وذلك الوضع المؤلم لهذه المنشأة التي أكلها العدوان من جهة بتدمير للصالة الرياضية الكبرى وملعب المريسي لكرة القدم وبعض المباني ومن الجهة الثانية الإهمال الذي اعتبره أنا متعمداً من قبل مسؤولينا الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن آليات للاستفادة من مدينة الثورة الرياضية وأراضيها التي يمكن لو تم استثمارها بالشكل الصحيح فإنها بلا شك ستكون رافداً مهماً لتمويل الأنشطة الرياضية والشباب لكنه ربما القصور في الفهم بأهمية الاستثمار والتسويق والتكامل بين الرياضة والقطاع الخاص لتطوير الرياضة، ولاشك أننا نتابع النجاحات التي تتحقق في الرياضة العالمية والملايين التي تجنيها الأندية والاتحادات الرياضية جراء التسويق والاستثمار في هذا القطاع الهام بمعنى أن هناك تبادل منافع بحيث أن الأندية والاتحادات واللاعبين يستفيدون والشركات تجني أرباحاً طائلة.
ولو أن هؤلاء المسؤولين اقتطعوا جزءا بسيطاً من وقتهم لمتابعة التطورات الكبيرة في عالم الرياضة وكيف تعمل البلدان على الاستفادة من أي فرصة ولو بسيطة للاستثمار في قطاع الرياضة ولو أنهم فقط شاهدوا الملاعب الرياضية وكيف يتم الاستفادة منها لتحولت مدينة الثورة الرياضية وكل ملاعبنا إلى دجاجة تبيض ذهباً بدلاً من الدجاجة الحالية التي لا نستفيد حتى من البيض العادي لها والدليل على هذا الكلام هو موقع رياضتنا المتخلف في قائمة الرياضة ليس العالمية ولكن العربية والإقليمية رغم ما نمتلكه من طاقات بشرية مبدعة لكننا نقتل هذه الطاقات بقصر نظرنا رغم أن مسئولينا يمتلكون عيوناً واسعة لكن نظرتهم للأمور ضيقة.
اعتقد أن الشركات ومؤسسات القطاع الخاص في بلادنا تحتاج إلى من يطرق أبوابها بعقلية متفتحة وبرامج ومشاريع واضحة تجبرهم على أن تكون الاستثمارات الرياضية جزءا مهماً من خططهم ومشاريعهم لكن الأكيد أن المشاريع التي تقدم لهم هزيلة تجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا حتى مبالغ بسيطة للرياضة وهذه مصيبة أن تجعل الكل يهرب منك الحكومة والقطاع الخاص وحتى الاتحادات القارية والدولية التي تتخوف من منحك أي دعم أو مبالغ للاستثمار الرياضي.
جعلنا الاتحادات والأندية الرياضية في بلادنا تعتمد في تمويل أنشطتها على وزارة الشباب والرياضة وصندوق رعاية النشء والشباب وبعض الهبات والتبرعات المشروطة من جهات وشخصيات وبالتالي فما زلنا متخلفين رياضياً وأنشطتنا شبه موسمية غالباً وبعض الاتحادات والأندية تكون غائبة تماماً عن المشهد، كما أن الوزارة والاتحادات والأندية عندنا لا يعرفون أساليب التسويق والاستثمار والتمويل الذاتي للأنشطة وبناء المنشآت الرياضية عبر الشركات وعقود الرعاية وحقوق الدعاية والإعلان والتسويق التلفزيوني وتسويق البطولات والمباريات وتسويق اللاعبين وتسويق المنشآت الرياضية واستخدام الشعارات على المنتجات ووسائل الخدمات وكذا الإعلانات على ملابس وأدوات اللاعبين والإعلانات على المنشآت الرياضية واستثمار المرافق والخدمات في الهيئات الرياضية وعائدات الإعلان على تذاكر الدخول للمباريات والمناسبات الرياضية وعائدات انتقال اللاعبين وغيرها.
هل آن الأوان لأن نعمل جميعا برؤية جديدة ويكون لدينا في وزارة الشباب والرياضة والاتحادات والأندية إدارات للاستثمار والتسويق الرياضي ويتم رفدها بكوادر مؤهلة أو تأهيل كوادر في هذا الجانب باعتبار أن الاستثمار والتسويق الرياضي صار فناً وعلماً يستند إلى أسس وقواعد لتلبية احتياجات ورغبات المستهلك الرياضي من خلال عمليات متعددة ومتشابكة ومترابطة ويتطلب أن يكون لدينا كوادر مؤهلة تأهيلاُ عالياً لتستطيع تطوير جوانب التسويق والاستثمار الرياضي وتسهم في الارتقاء بالرياضة.
فهل من يسمع ويعقل أم أننا سنظل ندور في الحلقة المفرغة التي تبقينا في أسفل السلم الرياضي في العالم ننتظر بيض الدجاجة وليس ذهبها.