حسن سعيد الدبعي
لماذا صار العرب متخلفين وانطوائيين على أنفسهم بل ولماذا هم عدوانيون ضد بعضهم ومنتكسون أمام اعدائهم؟ هذه أسئلة ينبغي الإجابة عليها بشكل صريح وواضح خاصة من قبل النخب السياسية التي ما حاولت أن تراجع نفسها وتحاسبها على تقصيرها الدائم في أنها هي السبب الأول في جعل المواطن العربي منتكس الإرادة مغلوباً على أمره هامشي التأثير في محيط لا يعرف إلا منطق القوة والسيطرة والتكنولوجيا الحديثة والاقتصاد المتسيد.
إننا بحاجة ماسة إلى مشروع عربي نهضوي تحرري ينطوي على توجه وحدوي يفرض الحد الأدنى من التنسيق السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي على السياسات العربية العقيمة التي تجثم على أنفاسنا منذ قرون من تاريخنا فنحن أمة قابلة للتأقلم مع مستجدات الحياة إذا وجدت لها قيادات ونخب سياسية تستوعب المتغيرات وتتعامل معها بإيجابية ليكون لها مكان لائق في الخريطة الدولية والتخلي عن الإرادات القطرية والطائفية والحزبية المثبطة لكل محاولات التخلص من الجمود والتخلف والقبول بالأمر الواقع بكل انهزامية وانكسار أمام طوفان التغيرات التي تجري حولها.
فالمشروع النهضوي الحضاري العربي ليس طوبى مغرقة في الخيال أو نزعة عرقية شوفينية بقدر ما يتعلق بمحاولة نقد الأوضاع والتصورات والأفكار السائدة للتمكن من الإمساك بتحولات اللحظة العربية الراهنة ضمن اللحظة العالمية المحيطة بها.. ثمة قضية لا يستقيم معها المشروع الحضاري العربي وهي ركود العقل العربي تجاه الايديولوجيات المستقرة القومية الليبرالية والاشتراكية والإسلام السياسي.. المشكلة أن النقد العربي شبه معطل لوقوعه بين إرهاب الدولة وإرهاب الأصوليين .
لذلك يستمر الاعتماد على نماذج فكرية جاهزة نموذج للماضي الإسلامي ونموذج الفكر الغربي بتياريه الكبيرين الليبرالي والاشتراكي.. وقد تم نسخ التجارب واعتماد الأفكار الجاهزة دون مساءلة عن مدى ملاءمة النموذج المجلوب للواقع الراهن.
وفي سبيل التوصل إلى تلاؤم نظري وعملي بين المشروع الحضاري والايديولوجيا الموافقة له لا بد من تفكيك هذه المفاهيم المهيمنة في عالم الفكر والاعتقاد لكشف مفارقاتها وتناقضاتها وغربتها عن الواقع العربي خاصة وأن المتغيرات القومية الجارية تكشف بما لا يدع أي مجال للشك ضرورة إعادة بناء الاطروحات والمفاهيم القادرة على استيعاب الواقع الراهن وتطويره وباستشراف آفاق توحيد الأمة العربية ومؤسساتها.. فالأمة العربية لن تدخل بوابات العصر الحديث ما لم تتوصل نخبها السياسية إلى صيغة شاملة تنتظم الكيانات العربية في دولة واحدة تنطوي في تكوينها على بذور التحرر والتقدم والاستقلال وبناء حضور فاعل في دائرة الصراع السياسي العالمي والمحلي ولإصلاح هذه الاختلالات في المنظومة العربية لا بد من رأب الصدع وإزالة الشروخ في الصف العربي وبدون تحقيق مشروع عربي نهضوي حضاري وبصورة عاجلة فإن الأمة العربية ستمضي نحو الانحدار والسقوط في هاوية بلا قرار.