مركز التراث السقطري حالة مصغرة للمجتمع اليمني

يمتلك ارخبيل سقطرى خصائص ومميزات نادرة جداٍ سواءٍ في الطبيعة أو الأشجار والنباتات أو حتى شواطئها الممتدة على شريطها الساحلي في كل اتجاه وكل شاطئ له مميزات عن بقية الشواطئ الأخرى فشاطئ أو محمية “دطواح” الواقعة في مديرية قلنسية شاطئ فسيح وعريض رماله ناعمة تمتد من البحر إلى أعالي الجبل المطل على الشاطئ حتى مياهه لا تتأثر كثيراٍ بتلك الأمواج العاتية القادمة من أقاصي البحر من مزمجرة وسريعة ولكن شاطئ دطواح يقهرها ويحولها إلى هادئة وتتلاشى تدريجياٍ وبالمقابل شاطئ ذيحمري في مديرية حديبو شاطئ لا يتميز بالرمال الناعمة ولكن فيه صخور كلسية بأشكال مختلفة وبين ثنايا هذه الصخور ترى عالماٍ مختلفاٍ متنوعاٍ من الأسماك الصغيرة والشعاب المرجانية أسماك بألوان جميلة الأصغر البني الأحمر الأبيض وغيرها عالم لا يمكن تخيله فبمجرد أن تضع نظارة السباحة وبواسطتها تلقي نظرة من سطح الماء تجد نفسك منقاداٍ نحو عوالم الأسماك الجميلة التي تذهب وتغدو في حراك دائم وجمال فاتن وعيناك تراقبان المنظر بعجاب واندهاش ولولا الحاجة إلى التنفس لمضت ساعات وأعيننا لا تفارق المنظر.
وإلى جانب كل ذلك الثراء والتنوع بل والتميز البيئي والجمالي الذي تزخر به سقطرى تملك تراثاٍ وموروثاٍ خاصاٍ بها سواءٍ في العادات أو التقاليد أو في الملبس والحرف اليدوية وغيرها ولا ننسى أن نذكر ميزة ظلت ولازالت حاضرة وبقوة في هذا الارخبيل ورغم التحديات التي تواجهها إلا أنها لازالت حاضرة لدى سكان الجزيرة وبشكل كبير جداٍ بل ويعتبرونها من الأشياء الأساسية التي لا بد أن تؤصل لدى كل فرد في الجزيرة ومنذ نعومة أظفاره إنها اللغة السقطرية التي لا يوجد من أبناء الارخبيل لا يتقنها كلاماٍ لأنها لغة لا تكتب بل تنطق فقط وهذا لا يعني أنهم لا يجيدون العربية على العكس تماماٍ فالسقطرية يكتبونها منذ الصغر والعربية يتعلمونها.
مبادرة فردية للسكان
وبالعودة إلى الموروث الشعبي في هذه الجزيرة التي تمتلك أيضا شيئاٍ مميزاٍ آخر ينبغي الاشارة إليه وهو الإنسان المدرك لعظمة وجمال الأرض التي يعيش فيها وأهمية الحفاظ عليها ويقوم بالتالي بدوره في هذا الحفاظ كلْ من موقعه.
وهنا نتناول قصته نجاح في سبيل الحفاظ على تراث سقطرى يقوم بها الأخ “أحمد بن سعد خميس السقطري” صاحب مركز التراث السقطري منذ سنوات يعمل بجهد فردي للحفاظ على تراث سقطرى بل عن كل ما يعبر عن تراث هذا الأرخبيل أو يرتبط به وأخذ يجمعها ويجمعها من كل أنحاء الارخبيل وبعد هذا الجهد الشاق والعمل الفني استطاع أن يجمع أشياءٍ متميزة جعلته يقترب لتحقيق الحلم الذي ناضل من أجله كثيراٍ وهو إنشاء مركز أو متحف للتراث السقطري ويكون موقعه في القرية التي ينتمي إليها والواقعة على الخط الساحلي الأسفلتي الذي يربط بين مدينة حديبو بالكثير من المواقع والمناطق السياحية منها طبعاٍ شاطئ ذيحمري وكهف حوق العجيب وغيرها من المناطق التي يؤمها السياح عند زيارتهم للجزيرة وفي العام 2008م تحقق حلم “أحمد بن سعد” وفعلاٍ أنشأ متحفاٍ أسماه “مركز التراث السقطري مبنى متواضع لكنه جميل يحتوي على حوش صغير وضع فيه نماذج من الحياة وتحديداٍ حياة الصيادين أثناء الصيد ومن الحوش تطل على صالة ليست كبيرة لكنها تحوي بين جدرانها الكثير من أوجه التراث والحرف وحتى ملامح من العادات والتقاليد السقطرية خاصةٍ أثناء الولادة وتحديداٍ للحيوانات الأليفة بالجزيرة وكذلك عادات سكان الجزيرة في إخراج الحليب من الأبقار أو الجمال من خلال إبراز الأدوات القديمة التي كانت تستخدم لهذه الغرض واحتوى المتحف الصغير على أجزاء كثيرة منها ما خصص للصيد وأخرى للحرف والصناعات التقليدية وجانباٍ للعملات المعدنية التي استخدمت قديماٍ في سقطرى وكذا الازياء التقليدية القديمة والأكسسوارات الفضية وفخاريات وأشياء كانت تستخدم في الحياة اليومية السقطرية منها مثلاٍ “الأحجار التي كانت تستخدم لطحن الحبوب” أيضا الطبول وأحياء بحرية عديدة الأشكال والاحجام بالإضافة إلى آلة الاستخراج الخيوط وأخرى لصنع الملابس والمفروشات وكلها آلات بدائية جداٍ حتى المغالق التي كانت تستخدم في أبواب البيت السقطري قديماٍ موجودة في هذا المتحف الصغير وهي من الاخشاب وغيرها كثير من الأشياء التي تحكي تاريخاٍ جانباٍ من تاريخ هذه الجزيرة العريقة ولا ننسى الصور القديمة التي احتواها هذا المتحف لمناطق في الجزيرة أو أناس وأحياء بحرية ونباتات وأشجار نادرة.
حلم تحقق
ومع أن حلم أحمد تحقق إلا أن الأجل حال بينه وبين متابعة مشواره ومواصلة ما بدأه فقد كان يطمح إلى توسيع المتحف وتطويره ولكنه وبعد قرابة عامين من افتتاح المتحف فارق الحياة وبرغم ذلك كانت وصيته لأولاده وإخوانه بالمحافظة على هذا المتحف وجعله مفتوحاٍ لكل الزوار وهنا يقول شقيقة “محمد” أن المتحف أنشئ بجهود ذاتية من شقيقه لم تتعاون معه أي جهة حكومية في إقامة هذا المتحف الصغير وليس هذا فحسب بل أن الكثير من السياح ممن يمرون بالطريق المجاورة له لا يتم إثارة انتباههم ولو حتى من بعيد إلى هذا المتحف بل أن البعض منهم لا يسمح لهم بالنزول من السيارات إذا التفتوا وقرأوا اسم (التراث السقطري).
وأضاف: حاولنا التواصل مع الشركات السياحية وحثهم على ضرورة أن يكون لهم دور في إدخال هذا المتحف في برامجهم السياحية لكن دون جدوى ورغم ذلك لازلنا حريصين على الاستمرار مهما كانت الأمور ولدينا أعمال نقوم بها لتدر علينا ما نستطيع بواسطته العيش أما المتحف فلا يعطينا شيئاٍ بل على العكس من ذلك يحتاج هو الآخر إلى توفير احتياجات معنية وفي الحقيقة وأثناء مرورنا جوار هذا المتحف ورغم أنها لم تكن الأولى بل مررنا عدة مرات وفي واحدة منها انتبه أحد الزملاء إلى اللوحة الخاصة بالمتحف ورغم أن المرشد السياحي الذي كان يرافقنا كان يعطينا معلومات كافية بل ودقيقة عن كل منطقة نزورها أو نمر بجوارها حتى لو كان معلماٍ إلا أنه لم يذكر لنا أبداٍ هذا المتحف ولولا إصرارنا على زيارة هذا المتحف لما زرناه واكتشفنا مدى ما يمتلكه من ثراء كبير احتوته غرفة صغيرة اكتظت بمختلف أوجه الحياة الموروث بسقطرى

قد يعجبك ايضا