أحمد يحيى الديلمي
النتائج التي تمخضت عن ما سمي بمؤتمر وارسو للأمن والسلام وما ترتب عليها من انسحاق نفسي وهرولة من قبل بعض الدول العربية أعاد الذاكرة إلى ما قبل ثلاثة عقود لاستحضار كلام الرئيس الفلسطيني المرحوم ياسر عرفات ، وهو يرد على الأسئلة الغاضبة من قبل الصحفيين حول موضوع أوسلو فقال “كنا نعول كثيراً على الشارع العربي ووعي المواطن العميق بطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني وما تحتمه المفاهيم القومية والمبادئ من ثوابت جعلت قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة ولكل إنسان عربي ، للأسف هذه القيم والثوابت بدأت تتعرض للتدجين بسبب ترويج قيم بديلة أثرت على عناصر الوعي الأساسية لقضايا الأمة وكانت النتيجة تيهان معركة المصير الواحد في دهاليز الانكفاء ودعاوى النأي بالذات الانهزامية خوفاً من غضب أمريكا ودول الغرب.
الشواهد كثيرة في هذا الجانب تؤكد أن التعاطي مع قضية فلسطين تدنى جداً ونقل القضية من سلم الأولويات إلى درجة الاهتمام الثانوي بعد أن كانت فلسطين حاضرة في وعي الأمة لمدة عقود يتعامل معها الإنسان العربي بمشاعر صادقة وأحاسيس نبيلة تحولت إلى موضع الاهتمام الثانوي ، لذلك لجأنا إلى التفاوض مع كيان العدو والتوقيع على اتفاق أوسلو لمنع المزيد من حالات التدهور والوضع المزري الذي وصل إليه حال أبناء فلسطين في دول الشتات بحيث أصبحوا لا يمتلكون هوية ولا وثائق تمكنهم من السفر بعد أن توقفت الدول العربية عن منحهم هذه الوثائق حتى شهادة الميلاد للأطفال الجدد بات عليهم أن يسجلوا هؤلاء المواليد باسم الدول التي يعيشون بها ، وهذا هو عين الخطر على مستقبل فلسطين الشعب والدولة.
إذاً أوسلو كانت خطوة اضطرارية هامة لإقامة كيان الدولة الكفيلة بالحفاظ على هوية فلسطين وإصدار الوثائق اللازمة لصيانة هذه الهوية نظراً للمخاطر الكبيرة التي تُحيط بهذا الإنسان أقلها مشاريع التطبيع العلنية والسرية والمساومات على القضية من قبل عدد من الدول العربية وكلها ترسم معالم مستقبل مخيف معها نخشى أن يتم تصفية القضية الفلسطينية بقرار من الجامعة العربية ، هذا ما صدر عن الرئيس المرحوم ياسر عرفات كما قلت قبل ثلاثة عقود من الزمن وها هم العرب يترجمونه قولاً وعملاً ، وما التصريحات التي أعقبت مؤتمر وارسو إلا واحدة من المؤامرات الخبيثة التي توجه إلى صدر القضية الفلسطينية حتى باتت تتقاذفها الأمواج العاتية وعدد من دول الخليج تحمل معاول الهدم والتمزيق لإيجاد كيانات هلامية وحكومات هزيلة لديها الاستعداد للمتاجرة بالقضية في أسواق النخاسة بالرهان على الولاءات الزائفة بعد أن تحول الحكام العرب إلى دُمى ينفذون ما يملى عليهم من أمريكا ويتخلون طواعية عن أي التزامات تتصل بالهوية الوطنية وقضايا الأمة الأساسية ، ألم أقلكم أن نبوءة عرفات تمت بعد أن سقط البعد القومي وتجرد من كل المبادئ والقيم السامية ، لقد تم استخدام كل شيء بهدف سلب الأمة من معاني الصمود والثبات للأسف حتى البعد الديني تم توظيفه للتدمير وتعميق الانقسامات وبذلك تبقى الأمة بحاجة ماسة إلى صحوة وزخم عربي حقيقي يعي بطبيعة المخاطر والتحديات المحدقة بالأمة التي تصب في فكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني بأفق انهزامي فظيع لا يحافظ على أي شيء طالما أنه سيظل على كرسي الحكم متربعاً عليه بإرادة أمريكا لا بإرادة الشعب الذي يحكمه ، رحم الله عرفات فلقد تنبأ بحدوث هذه المخاطر وها هي اليوم تحدث في الواقع ونحن نشاهدها بأم أعيننا وأمريكا تتاجر بكل ما هو عربي باسم العروبة.. اللهم لا شماتة.. اللهم نج أمتنا من هذا الهوان والانسحاق المرير.. والله من وراء القصد..
Prev Post