بيروت/ وكالات
بعد تعثّر دام 9 أشهر، وتوصّل القوى السياسية قبل مدّة إلى التشكيلة الحكوميّة الجديدة، نالت حكومة الرئيس سعد الحريري ثقة البرلمان اللبناني حيث صوّت111 نائباً لمصلحة منح الثقة من أصل 117 حضروا الجلسة.
وبعد ثلاثة أيّام على جلسات مناقشة بيانها الوزاري الذي أكّد على ثوابت القضية الفلسطينية والعدوّ الإسرائيلي وحقّ المقاومة، انتهت المناقشة في الجولة الخامسة بعدَ جلسة استمرت أكثر من ٨ ساعات بتصويت 6 نواب ضدّ حكومة الحريري وهم أسامة سعد، جميل السيد، بولا يعقوبيان، سامي الجميل، نديم الجميل، الياس حنكش، ليختمها الحريري بكلمة ردّ فيها على مداخلات النواب مدافعاً عن المصارف و”سيدر”.
أرخى الضجر بظلاله على ممثّلي الشعب اللبناني، ولاسيّما أن النتيجة كانت معروفة مسبقاً بالنسبة للجميع قبَل أن ينال السأم من الحريري، فيلتجئ إلى الرئيس نبيه بري للاستفسار عن عدد النواب طالبي الكلام.
لم يعر الحريري أيّ أهميّة للكلام الذي صدر عن خصومه السياسيّين حول الفساد والفاسدين وتقصير الحكومة السابقة والدين العام الذي بدأ منذ عهد الأب وتراكم في عهد الابن، لكن كلام النائب جميل السيّد استفزّه، وبعد إسهاب وزير المالية علي حسن خليل في شرح مصاريف الوزارة وكيف توزّعت، تخللتها مداخلات فكاهية للرئيس نبيه بري، اعتلى الحريري المنبر لقراءة ما هو أشبه بالبيان الوزاري راسماً جملة من الخطوط الحمراء.
حاول الحريري أن يظهر نفسه واقعياً، أكثر منه منحازاً، محاولاً التنصّل مما طرحه حزب الله حول التفاوض مع المصارف لخفض الفوائد، وبالتالي خفض تكلفة الدين العام، عبر التأكيد على أن أسعار الفوائد يحدّدها السوق ولا تحدّدها الحكومة، تحدّث الحريري عن إصلاحات هيكلية قبل إدخال المصارف في قضيّة تحمّل المسؤولية، ليُستشف من كلام رئيس الحكومة الجديد أن الإصلاحات التي يتحدّث عنها تحت شعار تحسين الأوضاع الاقتصاديّة للبنانيين هي شروط القطاع الخاص، وفي مقدّمتهم المصارف وكبار المودعين، والتي تستهدف بأغلبها أصحاب الدخل المحدود والمتوسّط، وتصبّ في استمرار عند مراكمة ثرواتهم في السنوات القادمة، كما فعلوا في السنوات السابقة.
في الشقّ الآخر من حديثه دافع الحريري عن “سيدر” وشروطها مؤكداً أن لا بديل في حال عدم الموافقة على سيدر، ليقول: “من يرى الفرصة في غير برنامج الحكومة ليتفضل ويعطي البديل، ومجلس النواب يملك قراره ويستطيع أن يقول إن برنامج الحكومة غير نافع، لنذهب إلى برنامج آخر، ليس لدي أي مانع، ونستطيع أن نقول للمجتمع الدولي والأشقاء العرب: لا تؤاخذوننا، برنامج سيدر لا يناسبنا، لكن الحكومة وأنا نرى الفرصة بما طلبنا الثقة على أساسه”.
في جانب آخر من حديثه عرّج رئيس الحكومة على حقبة ما بعد الـ2005م ودخوله القصر الحكومي، غامزاً للأحزاب المتواجدة في المجلس بأنّهم شركاء في هذا الحكم من 14 عاماً، وبالتالي نتحمّل جميعنا المسؤولية في محاولة واضحة للتنصّل من أيّ تحركات قد تستهدفه في إطار مكافحة الفساد، وذلك بعد ساعات على تصريح النائب عن كتلة الوفاء للمقاومة عند باب المجلس النيابي للصحفيين: اطلعنا على مستندات ووثائق تدين رؤساء حكومات سابقين تؤدي بكثيرين إلى السجن ونريد من القضاء أن يتحمّل مسؤوليته، وتابع القول: حين تصلني هذه المستندات لن تبقى سراً، وسأكشفها للشعب اللبناني لأن من حقه أن يعرف أين هُدرت أمواله”، متوجّهاً بالشكر لوزارة الماليّة التي أنجزت الحسابات في هذا الوضع الحساس.
إذن نالت الحكومة ثقة البرلمان، على أن تبقى بانتظار ثقة الشعب الذي ينتظر الحدّ من الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي يعيشها لبنان، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى جملة من النقاط:
أوّلاً: تعدّ مسألة تشكيل الحكومة بحدّ ذاتها تقدّماً واضحاً للبنانيين، ولكن المعركة مع الفساد الآن قد بدأت، ويجب على جميع الأحزاب المتواجدة في الحكومة والمجلس أن تتعاون لمكافحة الفساد، الشغل الشاغل للبنانيين في هذه الأيّام.
الجميع ينتظر من حكومة العمل على تنفيذ الوعود التي تقدّمت بها الأحزاب، نعم هناك خشية واضحة لدى كثيرين أن تؤدي التركيبة القائمة بين المجلس والحكومة إلى عدم فاعلية الحكومة والقدرة على محاسبتها.
ثانياً: تشير ثقة النواب إلى أن الفشل ممنوع هذه المرّة في حكومة الحريري الذي تعهد بحل مشكلة الكهرباء وأن يكون قراره العمل لحل المشكلات، داعياً إلى التعاون بين أعضاء الحكومة، فضلاً عن التعاون مع المجلس النيابي”، على الجميع استثمار الفرصة التاريخية القائمة ولاسيّما الابتعاد عن القضايا الخلافية، أو وضعها جانباً ريثما تتحقّق الإنجازات التي أجمع ممثلو الشعب كافّة على أهميتها.
ثالثاً: يجب العمل بشكل جيّد على النقاط التي وردت في البيان الوزاري في حكومة “إلى العمل”، لاسيّما الملفات الأكثر حساسيّة المرتبطة بمسألة المصارف، مكافحة الفساد والنازحين السوريين. الجميع يعلم الظروف الاقتصادية الصعبة في لبنان، وينتظر اللبنانيون أن تسير بهم هذه الحكومة التي تشكّلت بشقّ الأنفس إلى برّ الأمان، رغم أن البيان يشبه إلى حد كبير البيانات السابقة، ولكن يجب السير بتنفيذه كون المرحلة تبدو مختلفة كثيراً عن المراحل السابقة.
الوعود كبيرة جدّاً، وتطلعات اللبنانيين أكبر نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلد، وبالتوازي فإن الصعوبات أيضاً ليست بالأمر السهل، لكن مشهد الأمس في المجلس يعكس إيجابيّة قلّ نظيرها نأمل أن تنعكس برداً وسلاماً على لقمة عيش اللبنانيين.