خالد موسى
أولا: الدور التنويري والتعبوي
يدرك العلماء والخطباء والحكماء وعقلاء المسلمين القائمون – النظار- على بيوت الله العامرون لها والمسؤولون عن وقفياتها والساعون في إصلاحها وتحقيق مقاصد واقفيها والواقفون للأموال أو العقارات على مصالحها والمنوطة وظائفهم بها على المستوى الشخصي أو الأهلي والرسمي يدركون جيدا أن المساجد لم تبن لمجرد الصلاة ولا يقتصر دورها على رفع الأذان وإشعار المسلمين بدخول وقت الصلوات الخمس أو النداء للصلاة عند النوازل –وما أكثر النوازل والكوارث والمصائب التي يتعامى عنها عمار المساجد- ثم ينتهي الدور وأنجزت المهمة وبرأت الذمة وأديت الأمانة فيما يتعلق بوظيفة ودور المسجد الذي حصرت وقصرت وظيفته بفتحه ورفع الأذان وإقامة الصلاة وتعيين مؤذن وخطيب وإمام المؤذن لا همّ له إلا رفع الأذان والإمام لا هم له إلا الالتزام بإمامة الصلاة والخطيب لا هم له إلا إلقاء الخطبة ونظار الوقف لا هم لهم إلا توفير احتياجات المسجد وتوفير مستحقات من ذكر غير مكترثين أو مهتمين بعدالة واستقامة ووعي من ذكروا وهذا ما أفقد المساجد دورها وبعدها الرسالي والتنويري لذا نتمنى أن يعي عمار المساجد جميعا مسؤولياتهم ويستوعبوا دورهم فيما يتعلق بالدور الروحي والتنويري للمساجد لا سيما بعد ثورة الــ21الواحد والعشرين من سبتمبر التي جاءت من رحم المعاناة والألم لتصنع أملا بل آمالا على المستوى التربوي والتنويري والرسالي فقيادة الثورة معنية ومسؤولة عن تصحيح الوضع ومعالجة الاختلالات وأول تصحيح حقيقي واستراتيجي يبدأ بتصحيح وضع المساجد ودراسة واقعها دراسة جادة ومسؤولة فلو صلحت المساجد لصلح النفوس ولو صلحت النفوس لتغير الواقع من الأسوأ إلى الأحسن لذا لازالت الأمانة الكبرى والمسؤولية العظمى باقية في المقام الأول على قيادة الثورة ثم على قيادة وزارة الأوقاف فالقيادة الثورية تمتلك القرار الثوري التغييري الحاسم والفاصل وقيادة وزارة الأوقاف معنية دينا وقانونا بتصحيح ما يلزم تصحيحه وتعديل ما يلزم تعديله لتصحيح الاختلالات ومواجهة غول الفساد المستشري ولو وجدت الإرادة مع القرار وأحسن الاختيار للصادق الأمين والقوي النزية والموظف الأكفأ لوجدت نقلة نوعية في الأداء الرسالي للمساجد ولأسهمت أوقافها في تصحيح كثير من الأخطاء ومعالجة كثير من العلل ومواجهة كثير من الأخطار والتحديات ولو وجد القرار والتوجه الصريح والجاد في النهوض بوزارة الأوقاف كما وجد في المجال العسكري والأمني لحدث انجاز كبير في مستوى الوعي والحد من استقطاب الأعداء ولكان الشباب والشابات في حصانة من الحرب الناعمة وغيرها
ثانيا: المسجد محطة لبناء الإنسان
بأدنى تأمل وأبسط قراءة لموضوع المساجد يدرك كل مسلم ما يتعلق بها من مهام وأدوار ومسؤوليات وما هو مرسوم لها في القرآن الكريم والسنة النبوية وحركة النبي التعليمية والتربوية والتوجيهية التي كان المسجد أحد محطاتها التي تبني فكر الإنسان وتستقيم بسلوكه وتصحح مساره وتحدد وجهته العلمية الصحيحة وتجعل منه مسلما متنورا وإنسانا نافعا مستشعرا لمسؤوليته مستعدا للقاء ربه وهذه كله من مقاصد وغايات بناء وتشييد المساجد التي أسست على التقوى من أول يوم إن للمساجد دورا محوريا وحيويا في واقع الحياة ومعترك الصراع مع الأعداء فيمكن أن تكون وسيلة تنوير للأمة ومحطة تزود للتقوى وتزكية للنفس البشرية وهداية للتائهين والضائعين والحيارى فبمقدور المساجد أن تستقطب الشباب لتحصنهم من تلك الأفكار التكفيرية المتطرفة وتكمل النقص الروحي والتربوي والتعليمي لو صدق القائمون على بيوت الله مع الله وأعادوا دورها من خلال إعادة أوقافها على مصالحها ومصارفها وأحسنوا اختيار نظارها المتولين عليها فلو صدقت النوايا وصفت القلوب وتجردت لله وتخلصت من الولاءات الضيقة والحسابات الشخصية والانتماءات الحزبية والسياسية المقيتة عندئذ ستنهض الأمة من جديد وتستعيد قوتها وهيبتها بين الأمم وتكون لها الكلمة المسموعة لأنها جعلت من مساجدها أمكنة مقدسة يستفيد منها المسلمون العلم والوعي والتعاليم التربوية بل يمكن أن تكون في ذات السياق والمسار معسكر تعبئة ومنطلقا لتحريض المؤمنين لقتال الأعداء وجهاد الغزاة بوعي وبصيرة ومدرسة لتحفيز الشباب لبذل الروح واسترخاص النفوس من أجل الحق والعدل والعزة والكرامة وإعلاء كلمة الله ويبدأ هذا الدور الحيوي والمحوري والاستراتيجي بجهد وسعي الواقفين أنفسهم باختيار وتعيين المكان (الأرض) المناسب ووضع اللبنات الأولى لبيوت الله لتكون مسجدا لله وبيتا له معمورا بالتقوى والإيمان ومنزلا تهوي إليه أفئدة المؤمنين لعبادة الله وذكره آناء الليل وأطراف النهار وفي الغدو والآصال قال تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )
ثالثا: القيم الدينية لعمار المساجد
لا بد أن يكون العامر أو الباني لمساجد الله على درجة عالية من التقوى والتحري للمال الحلال حتى تكون مبرته وإحسانه مقبولا عند الله وأن يكون صاحب وعي بأهمية المشروع الذي سيقوم به فهو مشروع مقدس وهو من أجل القرب عند الله ولا بد أن يكون على درجة عالية من الإخلاص لله في تأسيس وإنجاز هذا المشروع الوقفي الخيري وأن يستشعر ويستحضر قول الله ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) فالواقف لبيت من بيوت الله هو أحد العامرين فيدخل في التوصيف القرآني دخولا أولياً بل هو محور الارتكاز الأول في هذا المشروع فيلزمه إلزاما شرعيا وأخلاقيا أن يجعل من وقفه وقفا له آثاره الممتدة إلى يوم القيامة أن يحرص الواقف منذ البداية أن تكون خطواته الأولى لإنجاز هذا المشروع خطوات مدروسة وهادفة حتى يكون المسجد مكانا مقدسا له وظيفته المقدمة حتى يصير شعاعا مضيئا ومصدر هداية وبيت عبادة في نفس الوقت، ويكون الناس فيه وبواسطة عبيدا لله وحده متجردين له في كل شؤون حياتهم ومتقربين إلى الله بأداء أعمالهم والقيام بمسؤولياتهم في الحياة الأداء المرتبط بقيم الإسلام وأسسه.
إن الواقفين أنفسهم هم المؤسسون لبنيان المساجد الأول وهذا التأسيس هو تأسيس لمشروع تنويري ومكان عبادي ومساحة من الأرض تخصص كصدقة جارية تصير وفقا لله تعالى وفق ضوابط ومقاصد الشرع الحنيف بما يسهم في تعزيز معاني العبودية لله وتنوير الأمة لتكون خير أمة أخرجت للناس تتحمل مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعلاء كلمة وإسقاط كلمة الكفر ومشاريع الطواغيت قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) [النحل : 36]
رابعا: أهمية التجرد لله في بناء المساجد
إن الواقفين لبيوت الله والمشيدين لأسس المساجد يقومون بهذا العمل وهم متقربون إلى الله بكل ذرة تراب وببناء كل حجر من أحجار المساجد كصدقة موقوفة لله ومن هنا يبدأ المشروع الوقفي الخيري فيما يتعلق بأوقاف المساجد وتستمر ولاية الوقف المباشرة للواقف نفسه الذي أخرج ملكه باختياره وإرادته الحرة إلى ملك لله عن طريق وقف العقار ويتحول الواقف إلى مجرد ولي أمين ومراقب حريص كل الحرص على ما أوقفه لله أن يكون خالصا لله ووسيلة إليه وسبيلا لإعلاء كلمته وتبليغ رسالته وهداية خلقه وإصلاح ذات بينهم وجمع كلمتهم والاهتمام بشؤونهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية من خلال رسالة المسجد الموقوف هكذا يجب أن تكون نظرة الواقفين والمتولين شؤون بيوت الله المباشرين وقد ينقل الواقف ما أوقفه إلى أحد أفراد أسرته ويلزم الواقف هنا إلزاما شرعيا أن يحسن الاختيار وأن يكون اختياره اختيارا حكيما وأمينا ومسؤولا بعيدا عن الأهواء الشخصية والعواطف الأبوية .
*جناية المتولين بين مسؤولية الأوقاف وواجب القضاء
ما أكثر الكتب والمؤلفات القديمة والحديثة التي تناولت موضوع الأوقاف والواقفين والموقوف عليه وما يترتب على ذلك من نظريات علمية وأحكام عملية وأسس شرعية تبصر النظار وتعرفهم بمسؤوليتهم وطبيعة عملهم وحدود صلاحياتهم فيما يتعلق بالوقف وما يحل لهم منه وما يحرم عليهم وكيف يصرفونه في مصارفه الشرعية بناء على الوثائق والمسودات الوقفية إلا أن الجهل بأحكام الوقف والتضييع لحقوقه لا زال ساري المفعول بل يتزايد يوما بعد يوم حتى صار الوقف مطمعا لكل طامع من ضعاف الإيمان عديمي الضمير من الأقربين منه والأبعدين والأشد ظلما لأوقاف الله هو ظلم وتعدي المتولين عليه المؤتمنين على ريعه وأمام هذا التعدي على أموال الوقف وما يتعرض له من نهب وسلب واستغلال وعبثية وإهمال يمكن أن نقدم بعض الحلول والمعالجات ونذكر ببعض الأحكام الشرعية والقوانين المفيدة في هذا الشأن آملين أن تجد صدى وأن يأخذها المعنيون بمسؤولية وجدية …
قد تكون الجناية على الوقف جناية تعدٍ وقد تكون جناية تفريطٍ وإهمالٍ له وعبثٍ به والنظارة أو الولاية على الوقف تعني أن يقوم الناظر بمسؤوليته بحفظ الوقف وتسليم ريعه لمستحقيه بكل أمانة ومسؤولية ويعتبر الناظر على الوقف وليا وأمينا على ما أؤتمن عليه و ومسؤولا عما استرعاه ويكون ضامنا إن تعدى أو فرط كسائر الأمناء وهذا ما يجب أن تعززه وزارة الأوقاف في موظفيها المكلفين من قبلها بتحصيل الأموال الوقفية فعندما يكون المتولي موظفا رسميا كان أو مكلفا بذلك بصفه غير رسمية فعليهم جميعا أن يكونوا على دراية تامة ومعرفة شرعية وقانونية بمسؤولياتهم على الوقف وينبهوا أو يحذروا من خطورة التعدي أو التقصير بحق الوقف
خامسا: مسؤولية وزارة الأوقاف في تفعيل الرقابة والمحاسبة
حين يدرك المتولون على الوقف بحتمية المحاسبة والمسائلة وتفعيل قانون الثواب والعقاب فإن كل ناظر ومتولي سيكون على حذر وفي حالة يقظة وانتباه وتبين لأمر الوقف ولن يصرف الوقف في غير مصرفه لأن المحاسبة تعني التدقيق في كل إيرادٍ ومصروفٍ قليلا كان أو كثيرا. وكما هو مقر شرعا فإنه يعتبر قول الناظر -ولي الوقف- فيما يتعلق بريع الأوقاف وتوزيعه أو تسليمه على مستحقيه مجرد دعوى لا يكون مقبولا إلا ببينة لأنه متهم في تحصيل ريع الوقف وصرفه وحتى لا تضيع أموال الوقف ومسوداتها وتتعرض لجناية التزوير والتلاعب والاندثار فلا بد من اضطلاع وزارة الأوقاف بمسؤولياتها على أكمل وجه ولا سيما بعد نجاح ثورة الـ21من سبتمبر التي أزاحت المفسدين وقوى النفوذ عن كاهل هذا الشعب وحررته من الوصاية السعودية والأمريكية على الوزرات وفي مقدمتها وزارة الأوقاف التي كانت لسنوات طوال خاضعة لإملاءات الخارج وخادمة لمصالحة وساعية في تحسين صورته عبر دراويش المنابر وأبواق الفتنة الذين استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير وأجرموا أيما إجرام بحق العقارات والأموال الموقوفة.
إن الولاية على المساجد قد تكون مباشرة من الواقف نفسه وقد يكون المتولي عليه السلطة السياسية الحاكمة (الدولة ممثلة بوزارة الأوقاف)أو جهة أهلية (كجمعية أو مؤسسة خيرية)أو بمن يتوسم فيهم الواقفون الصلاح والورع والتقوى والخوف من الله ومراقبته كأن يختار الواقف العالم الفلاني أو ذلك الخطيب الفصيح والمؤثر فيوصي إليهم ويأتمنهم ويحملهم المسؤولية على ما أوقفه فيشعر بعد ذلك ببراءة الذمة وأداء الأمانة لمن ائتمنه على الوقف فيصير من أوكل إليه أمر الوقف وولايته مسؤولا أمام الله وسيحاسب على ما ائتمن عليه فإن حفظ أمانة الوقف حفظه الله وإن ضيع وأهمل واستغل وخان واحتال فقد ضيع نفسه وأجرم بحق الوقف جريمة قد تفوق في جرمها ووزرها وآثارها بعض الجرائم الآن الخائن والمتلاعب والمستهتر والمستغل لمال الوقف ومقاصد الواقفين إنما يخون الله خيانة مباشرة – إن صح التعبير- يكون خصمه في المقام الأول هو الله وفتح على نفسه باب خصومة مع الله فيكون خصمه وغريمه في الدنيا ويوم القيامة هو الله وكفى بهذا زاجرا لكل من تسول له نفسه الخيانة والعبثية والاستغلال للوقف والتحايل عليه ولمقصده أوقفت وصارت قربة يتقرب بها الواقفون إلى الله تعالى ونظرا للحاجة الملحة والضرورة الماسة لتصحيح وضعية الوقف ومعالجة الاختلالات فيه وتساهل الكثير والكثير في الجناية عليه والغبن له نضع بعض الحلول العملية التي أن تسهم في ضبط المتولين ومن أهم الخطوات نحو المعالجات التي يمكن من خلالها الحد من الجناية على أملاك الوقف وعقاراته وإيراداته ما يلي:
أولا:عقد ورش عمل دورية ونوعية وفق دراسة حقيقية تسهم في توعية النظار التوعية الكاملة التي تجعلهم على بينة وبصيرة بأهمية عملهم وطبيعته وحدود صلاحياتهم –الشرعية والقانونية- المسموح بها في إطار العمل فيما يتعلق بحقوقهم أو مستحقاتهم الشرعية وتذكيرهم بخطورة التعدي أو التفريط والتحايل على أموال الوقف.
ثانيا:إيجاد صيغة عقد مكتوب وواضح يعرف من خلالها طبيعة عمل ومهمة متولي الأوقاف وتعتبر بمثابة وثيقة ملزمة للمتولين لا يحق لهم تجاوزها أو تجاهلها قياسا على صيغة عقود الإيجارات الوقفية وما تتضمنه من أدبيات وعبارات ملزمة كعقد بين الأوقاف والمستأجر فكذلك نظرا لتلاعب المتولين وجنايتهم صار لزاما إعداد صيغة تلزم المتحصلين بالتعامل مع الوقف بمسؤولية وأمانة.
ثالثا:أهمية تكامل الدور الشرعي و الرقابي والقانوني بين وزارة الأوقاف ووزارة العدل فيما له علاقة بالوقف فكلاهما مسؤولان مسؤولية مباشرة عن حماية الوقف وتحقيق مقاصده الشرعية بل يلزم القضاء أن يضطلع بمسؤوليته القضائية إن لم تقم وزارة الأوقاف بمسؤولياتها على الوجه الصحيح فالقضاء له الولاية الأقوى وله حق الاستجواب والمحاسبة لنظار الأوقاف ويملك الحق في إسقاط الولاية وعزل المتولين الذين ثبت عليهم خيانة أو جناية أو عبث وإهمال إلا أن المشكلة اليوم –مع الأسف- مركبة ومشتركة بين الوزارتين بل نجد وزارة الأوقاف نفسها تشكو من عدم تفاعل القضاة وكذلك عدم تجاوب النائب العام فيما يتعلق بقضايا الأوقاف وما تتعرض له من نهب وهبر وجناية وهنا لا بد أن يكون للقيادة الثورية كلمة الفصل والتدخل الثوري التصحيحي الذي يحل العقد ويزيل العراقيل التي لم يستطع الآخرون إزالتها وفي هذا السياق نرفع صرخة الوقف المظلوم والمنهوب إلى كل القيادات الثورية الكبرى والوسطى والصغرى ونحمل كل قادر على نصرة الوقف أن ينصره ويعيد له دوره ووظيفته وأن يتحمل الجميع المسؤولية وينجزوا ما يجب إنجازه ويصححوا ما يجب تصحيحه قبل أن يسألهم الله تعالى عن أن إهمال وكسل وتفريط ومع استحقاق كل خائن وجان للعقاب في الآخرة فلا بد أن تطال يد العدالة والضبط أي مستهتر ومخل بمسؤوليته ولا بد أن يحمل المعنيون حزم وصرامة الإمام علي الصرامة الرقابية والإدارية فيما يتعلق بأموال الأمة وثرواتها وأن يشعر المسؤولون على أموال الأمة ومنها أموال الوقف بأنهم يعرضون أنفسهم للخطر والعقاب إن جنوا وخانوا وبهذه السياسة الإدارية والرقابية تميزت دولة الإمام علي فقد أرسل كتابا إلى زياد ابن أبيه وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة وعبد الله عامل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يومئذ عليها وعلى كور الأهواز وفارس وكرمان وغيرها :وَ إِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً صَادِقاً لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْ ءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً لَأَشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ الْوَفْرِ ثَقِيلَ الظَّهْرِ ضَئِيلَ الْأَمْرِ وَالسَّلَامُ.
لن يعاد للوقف هيبته وتصان حرمته ويحمى من عبث العابثين وتسلط المتسلطين وتلاعب المتولين إلا بتفعيل القوانين العلوية في هذا الشأن ففي سياسة الإمام للدولة زاد لمن أراد أن يتزود وكثير من الحلول والمعاجات لمن يريد أن يصحح الأوضاع ويوجد نموذجاً حقيقياً للدولة العادلة.
رابعا:إعطاء الوقف الصفة الاعتبارية (الحكمية) واستصدار القوانين الجنائية التي تحمي أموال وأعيان الوقف من التعدي عليها وبناء على التقنين السليم يمكن صيانة الوقف وإنزال العقوبات الرادعة بناء على أن التعدي على الوقف يكون بمثابة التعدي على أملاك الآخرين والتعدي هذا يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بناء على مفهوم الصفة الاعتبارية ومن المفيد للمعنيين بأموال الوقف أن يفهموا معنى الصفة الاعتبارية فهي :الهيئة المعنوية التي تتعلق بمجموع أفراد أو أموال، وتنزل منزلة الشخص القانوني في الكسب والحقوق القانونية بحيث تقاضي وتتقاضى، (فقه الوقف) فلو أنزل الوقف منزلة الشخصية الاعتبارية وترتبت الآثار القانونية العقابية عليه كما تترتب على غيره لأسهم هذا التقنيين في الحد من التعدي على الوقف ومن هذه الآثار الضمان لأصل الوقف وريعه بمثله إن كان مثليا أو قيمته إن كان قيميا وإقامة الحد على سارقه إن كان محرزا وبالغا نصابا.
Prev Post