ثورة في الضرائب ..
أحمد يحيى الديلمي
أختزل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام تأثير المال ودوره في كشف معدن الرجال كدليل على استقامة السلوك ونقاء السرائر في عبارة بسيطة رد بها على أحد أصحابه الذي أسهب في ذكر صفات وفضائل أحدهم فقال (هل جربته كيف يتعامل مع المال ) .
الإجابة دلت على أهم أداة نوعية تؤكد مصداقية الصفات الأخرى المميزة لشخص ما عن غيره من البشر ، فالمال بالفعل هو المحك بفعل حب البشر الشديد له قال تعالى «وتحبون المال حباً جماً « .
مما تقدم تتضح صعوبة وحساسية المسؤولية على عاتق موظفي المؤسسات المعنية بتحصيل ما هو للدولة من زكاة وجمارك وضرائب ، بالتالي نُدرك الصعوبة الكبيرة في القيام بإصلاح الأوعية الضريبية وفق الخطة التي وضعها الدكتور هاشم الشامي منذ تولى قيادة المصلحة ، حيث يقوم بما يشبه الثورة في نطاق المصلحة وفروعها بقصد تحسين الأداء وإيصال الإيرادات إلى خزينة الدولة .
في كل الأحوال الصعوبات كبيرة نتيجة أن الاختلالات البنيوية اخترقت آليات الفحص والتحصيل وما رافق ذلك من فتاوى محسوبة على الدين وصفت الضرائب بالأتاوة غير المشروعة وعدم أحقية الدولة ، هذا الوعي الزائف من جماعات الدين السياسي شوه مفاهيم الناس عن المهام والحقوق المتبادلة بين الدولة والمواطن ومثل محوراً للتلاعب والتهرب من أداء الضريبة المستحقة واتساع نطاق الفساد والإفساد ليصبح التفلت السلوكي شطارة وفهلوة من الموظف المعني باحتساب وتحصيل الضريبة ، إضافة إلى المعضلات الخطيرة الناتجة عن العدوان ممثلة في هدم الأنظمة والقوانين والنهب المنظم للمدخرات في ما يسمى بالمناطق المحررة ، مع كل هذه الإحباطات إلا أن الثقة كبيرة بالدكتور هاشم كونه رجل دولة ملمّاً بثقافة الأنظمة والقوانين واسلوب التعاطي المرن مع الواقع معززاً بالموروث الديني بآفاقه الرحبة الكفيلة بتوجيه السلوك وفرض حالة التزام ذاتي امتثالاً لتعاليم الدين وترجمة لإرادة الخالق سبحانه وتعالى .
استناداً إلى نفس الثقافة قبل التكليف بالمهمة ولو كانت الغاية المنصب أو كسب المزيد من المال لكان قد احتفظ بعمله في إحدى الدول العربية بما هي عليه من إغراء يصل ريعها إلى خمسة آلاف دولار في الشهر ، اقتضى السياق الإفصاح عن هذه المعلومة لما لها من دلالات تتفق مع المعيار الذي وضعه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كأهم دليل على صحوة الضمير ونزاهة اليد والإحساس بثقل المسؤولية التي ألقيت على عاتقه ، حيث أصبح الخيار الوحيد أمامه في ظل الأوضاع الصعبة التي فرضها العدوان الهمجي السافر وتراكمات الماضي المريبة هو الاستمرار في نفس المسار وإن كان متعباً وشاقاً ، إلا أن إصلاح هذا الوعاء الإيرادي بات من الضرورات الملحة كالتزام بقيم الدين ومبادئ الانتماء للوطن ، والأمل أن ينتقل هذا الوعي المتقدم إلى طرفي العملية موظف الجباية والمكلف بالضريبة حتى تتضافر الجهود ويرتقي الجميع إلى مستوى المسؤولية الوطنية والتسليم بأن الضريبة واجب وطني والتزام قيمي وأخلاقي يجب أداؤه بأمانة وإخلاص كونه يصب في مصلحة الوطن ، وهذه هي الثقافة التي يجب أن تسود عند الجميع ، وأرجو الوصول بها إلى هذه المكانة من الفهم والوعي حتى تتوفر مقومات البناء والتنمية وتوفير النفقات المطلوبة لإقامة الدولة ..
والله من وراء القصد ..