جمهورية الحياد الشرعية!
عبد العزيز البغدادي
إنها جمهورية دائمة الفتوة ولكي تكون من مواطنيها لا بد أن تدرك معنى الحياد وقواعده وكيف تكون محايداً تحظى بقبول الجميع!
فلكي تكون كذلك لابد أن تقبل الشيء ونقيضه، كي تكون محايداً عليك أن ترى الناس بعين واحدة، ليس من المنظور الذي يطلبه الناس عادة من الأب في النظر إلى أبنائه من حيث المساواة في الحقوق مع أن هذه النظرة الطوباوية التي يطالَبُ بها الأب صعبة التحقيق إن لم تكن مستحيلة فالمسألة هنا نسبية تحكمها العلاقة بين العقل والعاطفة،
المطلوب منك لتكون في نظر الناس محايداً أن تنظر إليهم كجسم واحد أو ككتلة صماء يستوي فيها الخير والشر، المبتدأ والخبر الجار والمجرور و…!،
لكي تكون محايداً عليك بترديد الدعاء المأثور: (اللهم أرنا الحقُّ حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه)، وفي ذات الوقت يجب ألا يكون ترديدك لهذا الدعاء بدافع من يريد حقاً أن يرى الحق فيتبعه ويرى الباطل فيجتنبه، وإنما بدافع من يسلِّم نفسه للعدم بإصرار، من يجردها من الرغبة في المعرفة والعزم على الوقوف مع الحق مهما كانت النتائج !،
ينبغي لكي تحسب في عداد المحايدين بنظر الناس إياهم وليس كل الناس ألا تُغضب أحداً بمخالفته الرأي، فالمحايد عند هؤلاء جلمود صخر كما وصفه الشاعر المعري:
(أفضلُ من أفضلهم صخرةٌ لا تَظلمُ الناسَ ولا تكذبُ)
لكي تكون محايداً عليك أن ترى الارتزاق والعمالة فضلاً من الله يؤتيه من يشاء من عباده وأن تشكيل اللجنة الخاصة من قبل النظام السعودي لشراء ذمم بعض المشايخ المرتزقة كرم وسخاء من آل سعود وتعبير منهم عن الحرص على حسن الجوار لأنهم بما ينفقونه عبر هذه اللجنة الخاصة جداً إنما ينفقون بعض ما آتاهم الله من فضله أو هو نوع من الشهامة والقبيلة كما قال أحدهم ممن يحملون الجميل أما الأرض التي أخذوها من وطنه مقابل ما كانت تجود به قريحتهم عبر اللجنة إياها فليست في نظره سوى حفنة من تراب وأما الوطنية فإنما هي شعارات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع!،
لتكون في خانة المحايدين كصفة من صفات العدالة كما يراها حماة شرعية هادي عليك أن ترى طيران التحالف الذي يقتل الشعب اليمني بأطفاله ونسائه وكل حي فيه ويدمر كامل بنيته التحتية وكل معالمه الأثرية ثم تذهب إلى العمرة لتدعو على الظلمة والظالمين وتردد نفس الدعاء اللهم أرنا الحق لا بل وتدعو على المجوس عبدة النار لأنهم السبب، لا يهم معرفة لماذا !،
لكي تكون محايداً معتدلاً عليك ألا تبصر إلاّ بالعين الصهيونية الأمريكية رمز الحرية والتقدم والسلام وأن تبارك كل ما تفعله وأن تراها صديقاً مهما قتلت ومهما سلبت ومهما أفسدت وتآمرت أو صنعت الإرهاب وادعت محاربته وإيران هي العدو مهما مدت إليك يدها لتكون لك معيناً وداعماً ومهما أكدت الأيام أنها لا تتدخل في شؤونك ولا تطلب منك جزاءً ولا شكوراً إن أنت تكرمت وتجرأت وغامرت بقبول دعمها ومساندتها لأنك بهذا القبول تغضب أمريكا بل ورموز النظام السابق كانوا يبالغون في معاداة إيران ليس خشية من أمريكا وإنما خدام خدام أمريكا !
كن محايداً وتخلّ عن وعيك وعينيك وقلبك وضميرك، واجعل إيمانك صندوقاً مقفلاً لا علاقة له بالعقل ولا بالضمير وأودع مفتاحه بل سلمه لقادة الصهاينة وحكمائها هم وحدهم من يحق لهم فتحه وهم وحدهم من يملكون حق التفكير نيابة عنك وحق قيادتك إلى الفردوس هم وحدهم من يجب أن تسلم لهم زمام أمرك طالما وخادم الحرمين قد جعل منك وأنت بين ضيوف الرحمن مجرد رقم الكتروني يوضع على معصمك فتكون حاجاًّ مباركاً تحصى حركاتك وسكناتك من غرفة عملية في تل ابيب أو في مكة المكرمة لا فرق ما دمنا في عهد الحكومة الإلكترونية التي يديرها الكيان الصهيوني الذي صار بفضل خادم الحرمين شريكك في جبهة السنة ضد الشيعة مع الاعتذار لأهل السنة الشرفاء ومع أني أرى في هذه التفرقة الإعلامية بين الشيعة والسنة أمراً مدبَّرْاً له أهدافه الشيطانية من نتاجه هذا النشاط المحموم في إعلان حالة الاندماج بين هذه الأنظمة الخليجية المندفعة نحو الافتضاح يمثل علامة فارقة في تاريخ التطبيع الذي شهدنا أكثر مراحله تطوراً بكل هذه الشفافية والوضوح ؛
كن محايداً إذن وسلم أمرك لهذا المخلوق الذي وضعه قادتك وملوكك في مرتبة الخالق والعياذ بالله ومنه المغفرة؛
نحن هنا انما نحاول معرفة شروط الحياد في هذا العصر كي نتبين كيف يكون المرء من أهل القبول إذا توفرت له شروطه!
فكن محايداً معتدلاً ولا تكن إرهابياً مصدراً للإرهاب ضد المحايدين المعتدلين المسبحين المهللين بحمد الملوك المماليك والسلاطين المسلط عليهم، وبذلك تكون معترفاً بك من المعتدلين حماة الثورة الحقيقية والجمهوريين الذين يدوس عليهم اليوم ملوك البدو وسلاطينهم؛
نعم الملوك هم اليوم قادة الجمهوريين التقدميين الأمميين القوميين معاً وحماة شرعيتهم !!!؛
والرياض عاصمة الجمهورية وملاذها؛
كن محايداً لكي ترى هذه الحقائق والقواعد والمبادئ وتعرف بكم ضحت المملكة المبجلة من أموال وعتاد وكم ازهقت من أرواح لكي ترسخ مبادئ الحياد الجديدة فكن محايداً تكن جمهورياً مالكاً أو ملكاً للشرعية بلا منازع!!.
علينا أن نتعلم من هذا المجاهد صرامة الموقف
فهو يعلم كيف يحفر الجدار
بإزمير دمه
ونبض صدقه
وكيف نجعل الحزن مشكاة
ننسج بها ما نفرِّق به بين الخيط الأبيض والأسود
وهو يعلم جيداً
أن الموت دفاعاً عن الوطن هو عنوان الحياة .