أحمد يحيى الديلمي
• الحرب الناعمة
يبدو أن الفشل الذريع الذي مني به المعتدون وعدم قدرتهم على تحقيق أي هدف من الأهداف المعلنة دفعهم للارتهان إلى وسيلة أكثر فتكاً وفاعلية من الحروب العسكرية، اصطلح الساسة والعسكر والإعلاميون على تسميتها بـ”الحرب الناعمة” لأنها تنخر في جسد الأمة وتسعى إلى خلخلة الجبهة الداخلية لهز ثقة الحاضنة الشعبية بالمجاهدين الأبطال المدافعين عن الأرض والعرض والكرامة ببث الدعايات وترويج الشائعات الزائفة التي يكون لها وقع وتأثير أكثر من القنابل الذكية والصواريخ العابرة للقارات كونها تقلب الحقائق وتقدمها خلافاً لما هي عليه بأسلوب ممنهج يعتمد على سيناريوهات وشائعات مفبركة تضاعف القلق في أوساط البسطاء وتثير كافة النزعات الممقوتة إضافة إلى تجنيد أسراب الظلام وجحافل المرتزقة والعملاء للقيام بالمهمة .
البعض وصل الى درجة الاحتراف في اختلاق الشائعات وفبركة المعلومات والأخبار الزائفة كحرب نفسية تثبط المعنويات وتخلق التوترات وتثير الاحتقانات في الصف المدافع عن الوطن وسيادته واستقلاله عبر التقليل من أهمية التضحيات والبطولات الاسطورية التي يجترحها الأبطال الميامين بما يحملونه من قيم نبيلة ومُثل عليا وانتماء صادق للوطن ، مع ذلك يسعى أفراد الطابور الخامس إلى التشكيك وخلط الأوراق بأفق انتهازي يتسم بالخيانة والتآمر، حيث يلجأون إلى كل وسيلة مهما تدنت بما في ذلك استغلال حالة الناس البائسة عبر تسيس التقارير الإنسانية من خلال التصرفات العبثية بالمساعدات الغذائية وتقديمها في الاتجاه الخطأ بقصد تخفيف التهم على الطرف الآخر في ظل اتساع دائرة العبث والمتاجرة بالمساعدات المخصصة للفقراء بحسب الأدلة والبراهين الساطعة المؤكدة لهذه الممارسات من قبل ما يسمى بالشرعية .
ما يبعث على الاعتزاز أن هذه الحرب الخفية التي ما زال خفافيش الظلام يمارسونها بطرق شتى سقطت تحت أقدام الإرادة واتقاد الوعي في أوساط الملايين من أبناء الشعب رغم المبالغ المهولة التي انفقتها دول العدوان لإنجاح هذا النوع من الحرب إلا أن تأثيراتها ظلت محدودة وما يزال التماسك وإسناد الجبهات معيناً لا ينضب ولن ينضب ، ولن يستطيع الأعداء تحطيم معنويات أبناء الشعب اليمني مهما انفقوا من أموال أو جندوا من مرتزقة وعملاء ، لأن قيم الانتماء للوطن والاستعداد للتضحية في سبيله تعززها ثقافة الشهادة بأفقها المتأصل في منهج العقيدة بما هي عليه من القدسية وإحياء مقومات الفداء والتضحية ، وهو ما سيجعل الإعلام الوطني يتمسك بخطابه ويسير على نفس المنوال مستمداً العون من الخالق سبحانه وتعالى .
• التأثيرات الاقتصادية
في هذا الصدد، اتفق علماء الاجتماع والإعلام على أن الحرب الناعمة عندما تبث الاشاعات وتمارس كل أنواع الارجاف والتهويل كما يحدث اليوم في اليمن بواسطة الجماعات المخصصة لتحقيق هذه الغاية للتخويف وبث الرعب تارة ، وتارة أخرى للتوغل في أماكن التأثير مثل الأسواق ودور العبادة وأماكن الاجتماعات الرجالية والنسائية ووسائل المواصلات وبث الدعايات بأسلوب ممنهج هدفه التأثير على معنويات الحاضنة الشعبية وتشويه صورة القيادة الوطنية بالحديث عن فساد وممارسات مشبوهة وسلوكيات متفلتة بقصد الإمعان في هز الثقة ونشر حالة القلق والاضطراب وعدم الاستقرار خاصة الاشاعات المتعلقة برواتب الناس وتحميل المسؤولية زوراً وبهتاناً للصف الوطني ، هذه الوسائل الخادعة تلتقي مع ما تبثه وسائل الإعلام المأجورة عن الانتصارات الوهمية ومزاعم سقوط المدن الواحدة تلو الأخرى .
كلما تقدم يوحي إلى أن هذا النوع من الحرب تحول إلى ايديولوجية هدفها الوصول بالطرف المقاوم إلى أفق مسدود لأنها تجعل من الكذب وتزييف الحقائق باستمرار وشن حملات شرسة لا اخلاقية مجردة من القيم والضوابط ومتفلتة من مواثيق الشرف الصحفية تجعل منها وسيلة للتأثير وهز الحاضنة الشعبية ، لذلك وصف العلماء هذه الحرب بـ”الناعمة” لأنها تتسلل إلى العقول والنفوس وتؤثر على البصائر وتترجم الأهداف والغايات التي عجزت الأسلحة المدمرة عن تحقيقها بأساليب ملتوية وطرق خبيثة وصفها البعض بـ»الإرهاب الفكري» الأكثر خطراً من العنف العسكري كونها ترفع منسوب التوتر وتفاقم الاحتقان السياسي بأفق انتهازي وتفاصيل شيطانية لا تراعي المشاعر ولا تعطي حرمة لأي شيء كما يحدث الآن .
استنادا إلى تأثيرات الحرب الاقتصادية والحصار الاقتصادي الجائر الذي فاقم المآسي والكوارث الانسانية وضيق الخناق على حياة الناس من خلال التضييق المباشر على معيشة المواطن وتوسيع نطاق حالات التذمر في ظل اشتداد الحصار والتدرج في ترجمته على أرض الواقع على النحو التالي:
1 – خلافاً لما جاء في قرار مجلس الامن رقم (1622)الذي كلف الأمم المتحدة بمراقبة حركة السفن والطائرات القادمة إلى اليمن بدعوى منع تدفق الأسلحة إلى اليمن خاصة من إيران ومع أن المعلومة عارية من الصحة إلا أن النظام السعودي نفذ المهمة بنفسه والتزمت الأمم المتحدة الصمت ونظام آل سعود يمارس ابشع الممارسات والانتهاكات الصارخة لأبسط الحقوق المكفولة لكل إنسان بأسلوب القرصنة البحرية ، حيث تؤخذ السفن التجارية إلى موانئ جيبوتي وارتيريا لتظل شهوراً حتى تُفتش من قبل قراصنة المعتدين مما عرض المواد الغذائية للتلف بفعل ارتفاع درجة الحرارة وتعرض السلع لكل عوامل التعرية ، هذا الأسلوب المهين كبد التجار اليمنيين خسائر فادحة وعرضت البعض للإفلاس ، بالمقابل ضاعف النفقات على السلع الأخرى وسبب الارتفاع المهول لأثمانها في السوق المحلية .
2 – تم التعاطي بنفس الأسلوب مع الرحلات الجوية المغادرة أو القادمة إلى اليمن إذ كان يتم انزالها في مطار «بيشة» خلافاً لنص القرار الدولي الذي فرض الرقابة على الرحلات القادمة للتأكد من عدم وجود أسلحة.
3 – إغلاق الموانئ والمطارات.
4 – استهداف المصانع والمزارع ومعامل الإنتاج بالقصف المباشر من طائرات الأعداء.
5 – في عام 2016 م اوعزت أمريكا إلى هادي الرئيس المزعوم بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى فرع عدن هذه الخطوة مثلت كارثة وطامة كبرى لأنها في الأساس تتعارض مع الدستور والقانون وقد شلت الاقتصاد الوطني وقذفت بملايين اليمنيين إلى تحت خط الفقر ، إتهام أمريكا لم يكن من باب التخمين لكنه يستند إلى ما ذكره الأستاذ محمد عبد السلام رئيس الوفد الوطني المفاوض عقب فشل جلسات التفاوض في دولة الكويت الشقيقة وتوفر القناعة التامة بأن من يمثلون ما يسمى بوفد الشرعية مجرد دُمى يديرهم سفراء بريطانيا وأمريكا من غرف الفندق المجاورة لقاعة الاجتماعات مما اضطر الوفد الوطني إلى الاجتماع مع السفير الامريكي لأخذ الحقيقة من مصدرها الفعلي ، وبالفعل حدد السفير التنازلات المطلوبة من الجانب الوطني وفي حالة عدم القبول هدد بخطوات التصعيد والاجراءات التعسفية التي سيتم تسديدها في الجانب الاقتصادي من أجل إحكام الحصار وتضييق الخناق على الجانب الوطني حيث قال ( إذا لم توافقوا على الشروط سيتم تعزيز الحصار الاقتصادي ليطال كل الجوانب المتصلة بحياة الناس ومقومات المعيشة اليومية ) نتيجة القرار العبثي الجائر المتمثل في نقل البنك المركزي وما تترتب عليه من تداعيات خطيرة مست كل مواطن يمني .
وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله …
Prev Post
جعفر الحسيني لـ الثورة : إذا لم يحسم البرلمان مسألة خروج القوات الأمريكية فخيار المقاومة حاضر
Next Post