السعودية والمغرب.. 20 شهرا من دبلوماسية التوتر الصامت

 

“العلاقات الدبلوماسية حينما تعبرها بعض السحب الباردة”.. هكذا وصف سفير المغرب لدى السعودية “مصطفى المنصوري” استدعاء الرباط له منذ نحو 3 أيام احتجاجا على محتوى فيلم وثائقي بثته قناة العربية، معبرا بذلك على حالة من التوتر الصامت بين البلدين على مدى نحو 20 شهرا.
وجاء تزامن استدعاء السفير المغربي مع إعلان مسؤول حكومي مغربي، الخميس، انسحاب بلاده رسميا من العمليات العسكرية ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، لينقل سحب العلاقات الباردة من عمق الصمت إلى سطح العلن، بعد سلسلة مواقف متكررة غلب عليها طابع انعدام الود.
وسار اتجاه تلك المواقف عكس بوصلة العلاقات التاريخية بين البلدين، التي يؤكدها تعاون ثنائي مستمر منذ عقود، واختيار العاهل السعودي “سلمان بن عبدالعزيز” لمدينة طنجة المغربية لقضاء عطلته السنوية قبل عام 2017، إضافة إلى الاستثمارات السعودية المتعددة في المغرب، وعديد المناسبات التي قدمت فيها الرياض هبات مالية لا تسترد للرباط، إضافة إلى الدعم السعودي التاريخي للموقف المغربي بشأن قضية نزاع الصحراء، ومشاركة الجيش المغربي في عمليات التحالف العربي في اليمن منذ عام 2015.
فما هو محتوى فيلم العربية الذي استدعى الاحتجاج بمستوى استدعاء السفير المغربي؟ وما هي جذور التوتر بين البلدين؟ وما هي مؤشرات مستقبل العلاقات بينهما؟
محتوى صادم
قدمت “العربية” فيلما وثائقيا اعتبره المغرب صادما، حيث احتوى على تعبيرات منها أن “جبهة البوليساريو الممثل الشرعي للشعب الصحراوي” وحق هذا الشعب في “تقرير مصيره”، وأن “الصحراء الغربية يحدها المغرب من الشمال”، بينما كانت القناة السعودية تستخدم قاموس مصطلحات مغايرا في السابق، مثل “الصحراء المغربية” و”انفصاليو البوليساريو”.
وبذلك قدمت وسيلة إعلام سعودية، لأول مرة، رواية مناوئة لأطروحة المغرب بشأن الصحراء الغربية، حيث يقترح منح الحكم الذاتي للاقليم وهو ما ترفضه جبهة البوليساريو التي تطالب بالاستقلال التام.
ومثل هذا الموقف اتجاه مغايرا لمسار السعودية التاريخي، والذي تمثل في إعلان الأخيرة دعما مطلقا للطرح المغربي تجاه الصحراء في ختام القمة الخليجية المغربية في أبريل 2016.
وربط مراقبون إذاعة الفيلم السعودي بتصريحات وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” الأخيرة على قناة الجزيرة القطرية، التي أكد فيها أن بلاده تحفظت على زيارة وليّ العهد السعودي “محمد بن سلمان” إلى الرباط خلال جولته التي قادته إلى الجزائر وتونس بعد أيام من جريمة اغتيال الكاتب الصحفي “جمال خاشقجي”.
لكن حقيقة عمق التوتر بين البلدين يعود إلى ما قبل ذلك بنحو 20 شهرا، وتحديدا في 5 يونيو/حزيران 2017، عندما أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطعا شاملا للعلاقات مع قطر بدعوى دعم الأخيرة للإرهاب والتطرف.
جذر الأزمة
فوقوف المغرب على الحياد الإيجابي في الأزمة الخليجية وإبقائه علاقات قوية مع قطر، فتح الباب لدبلوماسية توتر الصمت بين البلدين، والتي برزت أولى مظاهرها في تصريح لرئيس هيئة الرياضة السعودية السابق، رئيس هيئة الترفه الحالي “تركي آل الشيخ” بأن المغرب “يضيّع وقته باتجاهه إلى قطر، وأن من يريد الدعم عليه أن يبحث عنه في الرياض”.
تبنى المغرب في بداية الأزمة الخليجية موقف الصمت التام لمدة 6 أيام، أتبعها بإصدار بيان يؤكد فيه التزامه بموقف الحياد وعدم اتخاذ موقف سريع، ما اعتبره السعوديون خذلانا لهم في معركتهم.
وفاقم الغضب السعودي إعلان المغرب إرساله لطائرات محملة بمواد غذائية إلى قطر لتعزيز إمداداتها، ما اعتبره مؤيدو الحصار بمثابة إعلان صريح بـ “الوقوف في صف الدوحة ضد الرياض” وهو ما لم تصرح به الرباط رسميا.
وإزاء ذلك قامت الرياض بحملة دعم قوية لصالح ملف استضافة الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك لكأس العالم لكرة القدم 2026 على حساب الملف المغربي، وهو ما رأى فيه كثيرون سببا في تفويت الفرصة عن البلد العربي، كما وصفه كثير من المغاربة بأنه “خيانة للعروبة”.
ومع تصاعد الانتقادات من قبل مسؤولين سعوديين مقربين من ولي عهد المملكة “محمد بن سلمان”، دخل الإعلام المغربي في دائرة الخلاف، إذ قدم تغطيات تنتقد السعودية بشكل غير مسبوق، ما قدم مؤشرا إضافيا على توتر علاقة الطرفين، وإن لم تصل إلى مستوى الانفجار عبر إجراءات دبلوماسية.
كما لم يعلن المغرب أي تضامن مع السعودية تجاه الأزمة التي تمر بها العلاقات بين الرياض وأوتاوا بعد طرد السفير الكندي، وهو الوضع الذي يكشف حجم الفتور بين المملكتين في وقت بادرت فيه أقطار عربية عدة للإعراب عن تضامنها مع السعودية.
مؤشرات حلحلة
ورغم وصول التوتر بين البلدين أخيرا إلى مستوى الإجراء الدبلوماسي إلا أن السفير “المنصوري” حرص على الإبقاء على لغة هادئة تفتح الباب أمام إمكانية حلحلة الأزمة أو العودة بها إلى ما دون الاحتجاج الدبلوماسي على الأقل.
ووصف السفير المغربي لدى الرياض استدعاء الرباط له بأنه “سحابة عابرة”، معبرا عن أمله في أن “الأمور سرعان ما ستعود إلى حالتها الطبيعية، خصوصا في ظل متانة العلاقة التاريخية الأخوية التي تربط البلدين” حسب قوله.
وبدا من تعاطي الإعلام السعودي بعد سحب السفير أن البوصلة في الرياض باتجاه التهدئة لا التصعيد، وهو ما بدا جليا في معالجة الصحف المحلية، الخميس، لذات القضية التي أثارت استفزاز المغرب (الصحراء الغربية).
وفي هذا الإطار، أكدت صحيفة الرياض أن أن ملف الصحراء شهد في عهد الملك “محمد السادس” ما اعتبترها “طفرة في التعامل”، وفق تعاط دبلوماسي “قوامه الفعالية والنجاعة والاستباقية”.
وفي مقال تحت عنوان “الصحراء المغربية.. بين الشرعية التاريخية والمشروعية القانونية”، أوردت الصحيفة أن مقاربة الرباط اتسمت بـ “تبني نزعة هجومية بمكونات وأهداف دقيقة وفق مرتكزات إيمان المغرب الراسخ بحقوقه الوطنية”.
وعند تطرقها لمبدأ تقرير المصير، الوارد بفيلم العربية، أوضحت “الرياض” أن “حق الشعوب في تقرير مصيرها يعتبر من أقدم الحقوق الإنسانية غير أن التنصيص عليه في مواثيق الأمم المتحدة لا يمكن التغاضي على كونه جاء في سياق جهود المنظمة الدولية لتحرير الشعوب من الاستعمار، وليس لتفتيت وحدة الشعوب مواطنة وسيادة وترابا وطنيا”
وإزاء ذلك، يرى مراقبون أن اللهجة الهادئة لتصريحات “المنصوري” جاءت متعمدة، مساء الخميس، ردا على لغة وسائل الإعلام السعودية صباح اليوم ذاته، ما يعني أن عودته للرياض ربما تكون مسألة وقت.
وأيا ما كان وقت تحقق ذلك، فالمؤكد أن جذر التوتر بين البلدين سيبقى مستمرا طالما استمرت الأزمة الخليجية وموقف الحياد الإيجابي المغربي منها.

قد يعجبك ايضا