الثورة نت/..
في وقت كانت فيه الإمارات تحتفي بنفسها بوصفها «واحة للانفتاح والتسامح الديني»، تزامناً مع زيارة بابا الفاتيكان إليها، كانت التقارير تتوالى عن الدور الذي لعبته هذه الدولة في تنمية الإرهاب في اليمن
لا تنتهي دولة الإمارات من محاولاتها تقديم نفسها كحليف إقليمي أساسي في المنطقة في مواجهة الإرهاب. هي تدّعي باستمرار التصدّي للتنظيمات المتطرفة، وتركّز ـــ لهذه الغاية ــــ على الربط بين وجودها في اليمن ومحاربة «القاعدة» و«داعش». إلا أن الوقائع على الأرض تبدو مغايرة تماماً لما هو مُعلَن. على رغم مرور أربع سنوات على مشاركة أبو ظبي في الحرب على اليمن، إلا أن الإماراتيين لم يخوضوا فعلياً أي مواجهة مع «القاعدة»، بل إن قواتهم قاتلت جنباً إلى جنب التنظيم في أكثر من مكان، وهذا ما بدأت تتكشّف فصوله مع الوقت. يوم أمس، أعادت «منظمة العفو الدولية» تسليط الضوء على هذه الحقيقة، مؤكدة في بيان أن «القوات الإماراتية تحصل على أسلحة بمليارات الدولارات من دول غربية ودول أخرى، لتقوم بنقلها إلى فصائل في اليمن لا تخضع للمساءلة، ومعروفة بارتكاب جرائم حرب». وأشارت المنظمة إلى أن بعض هذه الفصائل «متهمة بارتكاب جرائم خلال الحملة العسكرية ضد مدينة الحديدة، ومتورطة في حالات تعذيب في شبكة سجون سرية تدعمها الإمارات جنوب اليمن».
وسبقت محطة «سي إن إن» الأميركية، «العفو الدولية»، أول من أمس، بتأكيدها، وصول أسلحة أميركية، كانت زوّدت بها واشنطن «التحالف»، إلى مقاتلين مرتبطين بـ«القاعدة»، وحديثها عن أن السعودية والإمارات استخدمتا تلك الأسلحة أيضاً لشراء ولاء الميليشيات أو القبائل اليمنية. وذكرت المحطة، في تحقيق أعدّته في هذا الإطار، أن مسؤولاً في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) طالب بفتح تحقيق في تسريب السعودية والإمارات أسلحة أميركية في اليمن، ناقلة عن محققين أميركيين قولهم إن كثيراً من الأسلحة البريطانية والأميركية وجدت طريقها إلى المجموعات الموالية للسعودية والإمارات، وإلى مجموعات منشقّة لدى بعضها علاقات مع تنظيمَي «القاعدة» و«داعش».
وكان تحقيق استقصائي لوكالة «أسوشييتد برس» الأميركية كشف، في السادس من آب/ أغسطس الماضي، أن «التحالف» عقد اتفاقات سرية مع تنظيم «القاعدة» في اليمن، قائمة على دفع أموال للتنظيم مقابل انسحاب مقاتليه من بعض المناطق في البلاد. وهو تعاون لم ينحصر في إطار المحافظات الجنوبية، بل تعدّاها إلى مناطق الساحل الغربي، حيث استمالت الإمارات التيار السلفي، وألحقت قياداته وعناصره بمعسكرات أنشأتها وأشرفت عليها، لتشكّل منهم لاحقاً ما عُرف بـ«ألوية العمالقة»، التي كان لها الدور الأبرز في الحملة على مدينة الحديدة. هذه الألوية فتحت الإمارات الباب أمام جميع الراغبين من «القاعدة» وغيره من القوى المتطرفة للانضمام إليها، على قاعدة أن العدو المشترك هو «أنصار الله»، وأن الأولوية في الوقت الحالي هي للقتال في جبهات الشمال. وهذا ما أكده أيضاً تحقيق «أسوشييتد برس»، حيث أشار إلى أن الميليشيات العاملة في اليمن بدعم من «التحالف» تنشط في تجنيد مقاتلي «القاعدة»، لأنها تعتبر هؤلاء مقاتلين استثنائيين. وتوقّع، في حينها، انضمام آلاف المقاتلين القبليين، بمن فيهم عناصر من «القاعدة»، إلى ميليشيات «النخبة الشبوانية» التي تموّلها الإمارات، لافتاً في هذا الإطار إلى أن التفاهم في محافظة شبوة، والذي تم في شباط/ فبراير 2018، قام على انسحاب «القاعدة» من بلدة السعيد، مقابل تكفّل «التحالف» بدفع رواتب عناصر التنظيم.
لقد أدت التسويات بين القوات الإماراتية و«القاعدة»، والتي تمتّ بعلم قيادة المنطقة الأميركية الوسطى، إلى انسحاب عناصر التنظيم إلى مناطق نائية متصلة جغرافياً بأربع محافظات هي: أبين، والبيضاء، وشبوة، وحضرموت. وهو أدى بدوره إلى تراجع ملحوظ في معدل العمليات العسكرية والأمنية التي يُدّعى أنها تستهدف «القاعدة». على سبيل المثال، انخفض بشكل كبير عدد الطلعات الجوية للطائرات الأميركية من دون طيار، حتى في المناطق النائية التي يتحرك فيها «القاعدة» ويقيم فيها معسكرات علنية، علماً بأن «المسوّغ القانوني» الوحيد للتدخل الأميركي في اليمن، بما فيه المشاركة في العدوان، هو محاربة «القاعدة» ضمن تفويض من الكونغرس. وانطلاقاً من ذلك، يجوز القول إن الأميركيين يهمّهم بقاء «القاعدة»، على الأقلّ لاستخدام وجوده كذريعة للتدخل في هذا البلد، علماً بأن التنظيم، الذي هو أحد أفرع «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، لم يعد يمثل تهديداً للأمن الإقليمي والعالمي كما كانت عليه الحال في السابق.