الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة
د.حبيب الرميمة
كلمة فساد لغة هي من فَسَدَ وفَسُدَ : ضِدُّ صَلُح ، أما لفظ الإرهاب فقد أُشكل على البعض معناه اللفظي حيث تشتق كلمة “إرهاب” من الفعل المزيد (أرهب) ويقال أرهب فلاناً: أي خوَّفه وفزَّعه، وهو نفس المعنى الذي يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ)، والفعل المجرد من نفس المادة وهو (رَهِبَ)، يَرهبُ رَهبَةً ورَهبًا ورَهَبًا فيعني خاف، فيقال رَهِبَ الشيء رهباً ورهبة أي خافه، أما الفعل المزيد بالتاء وهو (تَرَهَّبَ) فيعني انقطع للعبادة في صومعته، ويشتق منه الراهب والراهبة والرهبانية … إلخ .
أما في القرآن الكريم— وهنا اقتبس من مقال للمفكر المصري حسن حنفي بعنوان الإرهاب المزدوج — : “فلم يرد لفظ إرهاب بذاته وإنما بصيغة ( رهب) و(ترهيب) وكلاهما يحملان معنى واحد في اللغة هو الخوف والتخويف بقصد الردع.
أما بصيغتها الأولى ( رهب ) فقد جاءت بمعنيين : أحدهما إيجابي وهو الخوف من الله ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون ) فلا يخاف الإنسان إلا من الله. فالرهبة والخوف من الله تدفع الإنسان إلى المسارعة في فعل الخيرات ( انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهبا ) ومن هذا المعنى اشتق لفظ رهبنة ورهبانية ، كما أن هذا الخوف من الله جعلهم يتواضعون أمامه ولايستكبرون على الناس ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون ) فالله تعالى مدح الرهبنة ( الخوف من الله كسلوك ). لكنه ذمها عندما تتحول إلى مهنة وحرفة ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها) وإلى طبقة مميزة ترهب الناس وتخوفهم وتتسلط عليهم ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) وهذا هو المعنى السلبي : أي بمعنى الخوف وتسلط الإنسان على الإنسان ، فحينما تصبح الرهبنة مهنة وحرفة لتخويف الناس وأكل أموالهم واسترهابهم وأسلوب حكم الطغاة ( يا أيها الذين آمنوا ان كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ) وفي حق فرعون ( واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ) حينئذ لاتكون أمام الضعيف إلا وسيلة الردع وتقوية النفس لإرهاب العدو وردعه عن الظلم بنفس الوسيلة ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ” انتهى كلامه .
وإذا كان من صيغ لفظ الإرهاب ماجاء بمعنى إيجابي —كما أشرنا سابقاً — وهو الخوف من الله تعالى ، واستخدام الضعفاء أساليب تردع العدو وترده عن ظلمه ، فأن الفساد لايحتمل إلا معنى واحد وهو ضد الصلاح . والفساد أشمل في لفظه من كلمة إرهاب. حيث ورد في القرآن الكريم بأصل الكلمة ( الفساد ) والمتتبع لهذه الكلمة في القرآن الكريم يجد أن معظمها مقرونة بدلالتين ،دلالة زمنية مرتبطة باليهود ( بني إسرائيل ) ودلالة مكانية عامة (الأرض) كما في قوله تعالى: وإذاقِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿١١ البقرة﴾
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ﴿١١٦ هود﴾
من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴿٣٢ المائدة﴾
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴿٧٧ القصص﴾
وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿٧٧ القصص﴾
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴿٤١ الروم﴾
إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴿٢٦ غافر﴾
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴿١٢ الفجر﴾
وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿٢٧ البقرة﴾
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴿٣٠ البقرة﴾
وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٦٠ البقرة﴾
وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ﴿٢٠٥ البقرة﴾
لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴿٢٠٥ البقرة﴾
وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴿٢٥١ البقرة﴾
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا ﴿٣٣ المائدة﴾
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿٦٤ المائدة﴾
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿٦٤ المائدة﴾
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴿٥٦ الأعراف﴾
فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٧٤ الأعراف﴾
وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (الإسراء4) .
ومن خلال ذلك يتضح — حسب اعتقادنا — أن من أبرز النكسات التي تعاني منها الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر — وعلى وجه الخصوص الباحثون في المجالات السياسية والقانونية والدولية — غياب المشروع القرآني الحقيقي ، مشروع ينطلق من الثقافة القرآنية، فنردد المصطلحات كما تصلنا من المنظومة الإعلامية الغربية والتي تحاول من خلال تكرارها ان ترسخ الصورة النمطية لماهية ماتريد ان تحدده هي، وهي باعتقادي مصطلحات تخضع للفحص والتدقيق قبل ان تورد إلينا ، فالمشروع الشيطاني هو يحمل مشروع الفساد في الأرض ، وعندما اطلقت الولايات المتحدة استراتيجيتها الخبيثة تحت مسمى الحرب على الارهاب وهذا المشروع كان الهدف الرئيس منه هو تشويه الإسلام والمسلمين ، وخلق جماعات متطرفة ومنحرفة تمارس ابشع الجرائم باسم الإسلام. فكانت الفتنة الكبرى والتبس الأمر على كثير من علماء الأمة حتى ان بعضاً ممن كان محسوباً ضمن طائفة علمائها بقصد او بدون قصد أخذ يفاخر ويقول : الأمريكيون يقولون علينا نحن إرهابيون نعم نحن إرهابيون ثم ذكر قوله تعالى ( ترهبون به عدو الله وعدوكم ) . دون أن يكون له أدنى فهم مجرد للمصطلح الذي يقوله. فمصطلح الإرهاب تم اختياره بخبث ومكر شديد ، إذ لو كانت أمريكا ودوائر الصهيونية العالمية اطلقت على تلك الاستراتيجية الحرب على الفساد لقلنا لهم أنتم الفاسدون وانتم من تحملون مشروع الفساد ومن ارتبطت معظم آيات الفساد في الارض بكم. وجعلها الله تعالى علامة من علامات علوكم وتجبركم في الأرض . ولكان الملسمون فهموا حقيقة هذا المشروع ( الفساد في الارض ) بكل مسمياته سواء الظاهرية منها كالرأسمالية المادية — المرتكزة عليها الانظمة الغربية— التي تنظر للإنسان من منظور نفعي وظيفي بحت، أو التنظيمات السرية كالماسونية والنورانية وفرسان الهيكل وكل التنظيمات التي تتغلغل داخل المجتمعات في أنحاء الأرض بهدف تفتيتها ونشر الفساد خدمة للصهيونية العالمية. لذلك يجب على الحركات الإسلامية المناهضة للمشروع الصهيوامريكي والنخبة المثقفة والأكاديميين أن يطلقوا مشروع الحرب على الفساد، مشروعا تصحيحياً أساسه الثقافة القرآنية ، مشروعا يكشف خطورة المفسدين في الأرض وأساليبهم في استهداف المجتمعات على كافة المستويات . وكم أتمنى أن يكون منطلق هذا المشروع من بلادي اليمن والذي يتصدى لأبشع عدوان عرفه التاريخ الحديث من قوى الاستكبار العالمي الذي يشن عدوانا على اليمن بكافة الأصعدة لتفكيك هذا المجتمع من خلال الحصار وقتل المدنيين وترويعهم ونشر الفساد الأخلاقي والإداري والسياسي والاقتصادي … ليسهل عليه اسقاط ثورة هذا الشعب المباركة ثورة ٢١ سبتمبر ٢٠١٤. والتي أرادها الله ان تصادف اليوم العالمي للسلام .
وأجدها مناسبة هنا أن أنوه للقيادة الثورية والسياسية ونحن على اعتاب انتخاب الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد بأن تجعل من هذه الهيئة اللبنة الأساسية الأولى في إطار مشروع البناء الوطني الأممي . على الرغم مما تعانيه هذه الهيئة من قصور في جوانب عديدة يرجع كثير منها إلى عوامل سياسية وقت إنشائها عام 2006م ، ابرزها تداخل بعض اختصاصاتها مع أجهزة ومؤسسات رقابية أخرى إلا انه يمكن الاستفادة من مجمل ما تخوله نصوص وأهداف هذه الهيئة أن تكون مرتكزاً أساسياً في مشروع الحرب على الفساد — وخصوصا الهدف الرابع من أهدافها في فقرتيه (أ،ب ) والتي تخول الهيئة الحق في ملاحقة جرائم الفساد داخل الوطن وخارجه حسب اختصاص المحاكم اليمنية والاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد وغسيل الأموال— في ظل القائد العلم والقيادات الثورية والوطنية من كافة الأحزاب والنخب السياسية التي تواجه صلف هذا العدوان على بلادنا واثبتت حنكتها في الصمود الأسطوري لشعبنا منذ ما يقارب الخمسة أعوام . وعليه ينبغي أولا على قياداتنا الثورية والوطنية أن يحرصوا على عدم إيجاد أي ثغرة تخول الطعن في شرعية أعضاء الهيئة قضائيا أو اختيار شخصيات ملوثة بالفساد لأن ذلك يضعف من عمل الهيئة ويهز من مصداقيتها. ثانيا: ينبغي على الهيئة المنتخبة أن تدرك أهمية المرحلة والتغيرات على المستوى الوطني والإقليمي وأن تقوم ”ولو عرفاً” بتقديم برنامج عملها العام لفترتها الزمنية( خمس سنوات) خلال شهرين من انتخابها إلى الجهات التي منحها القانون اختيار اعضائها. ثالثا وهو الأهم الاستفادة مما يخوله قانون الهيئة في المادة (٨) الفقرة (٤) ”دراسة وتقييم التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد لمعرفة مدى فعاليتها واقتراح مشاريع التعديلات لها لمواكبتها للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية اليمنية أو انضمت إليها”. نحن نضع أملنا الكبير في هذه الهيئة ان تكون بداية المسار لمشروع أممي يحتذى به ويبهر العالم كتجربة فريدة بالمنطقة كما أبهرتها تكتيكات الجيش واللجان الشعبية في المجال العسكري، فإذا كان الإرهاب قلعة أشرار فالفساد بابها.