يسعى الكيان الصهيوني إلى تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية لا سيما ممالك الخليج الفارسي الغنية بالنفط، وهذا المشروع الصهيوني تمت متابعته منذ تأسيس هذا الكيان في عام 1948، ومع مرور أكثر من نصف قرن لم يتمكن الصهاينة من تحقيق بعض المكاسب من هذا المشروع ولم يتمكنوا من إقامة علاقات طيبة مع معظم الدول المجاورة لهم.
يذكر أن “تل أبيب” بحاجة إلى تطبيع علاقاتها مع العديد من الدول العربية من أجل اكتساب شرعية سياسية في المنطقة، وفي وقتنا الحالي هناك فقط الأردن ومصر بين الدول العربية في المنطقة، تمتلكان قنوات تواصل سياسية رسمية مع الكيان الصهيوني، وذلك يرجع إلى تاريخهم المرتبط بالستينيات وحروبهم القديمة مع “إسرائيل” ،أما الدول العربية الأخرى لا سيما ممالك الخليج الفارسي، فإنها حتى اللحظة لا تعترف بشكل علني بدولة الكيان الصهيوني، وهذا الأمر يعني فشل ذلك المشروع الإسرائيلي الذي سعت من خلاله عبر نصف قرن لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية.
في الواقع إن “تل أبيب” تفتقر إلى الشرعية الإقليمية في وقتنا الحالي، ولقد أدّى استمرار هذا الكيان الغاصب في أعماله العدائية واستمراره في احتلال الأراضي الفلسطينية، إلى أن يتخلى عنه المجتمع الدولي وجعل من المستحيل حتى على حلفائه الغربيين والأوروبيين الدفاع عن أعماله هذه كما كانوا يقومون بذلك في الماضي، ومن ناحية أخرى أعربت العديد من المصادر الإخبارية بأنه على مدى العامين الماضيين، وبالأخص عندما تولى الملك “سلمان” زمام الأمور في السعودية بذلت الحكومة السعودية الكثير من الجهود لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ولفتت تلك المصادر الإخبارية إلى أن الرياض قامت خلال العامين الماضيين بإرسال العديد من الوفود السرية إلى “تل أبيب”، وهذا الأمر تؤكده صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية، حيث أعلنت أن “محمد بن سلمان”، ولي عهد السعودية التقى بوفد من المسيحيين الداعمين لـ”إسرائيل”، ولفتت هذه الصحيفة إلى أن هذا اللقاء يؤكد على تحسّن وتوسّع العلاقات بين “الرياض” و”تل أبيب”، ومن ناحية أخرى أشارت هذه الصحيفة إلى أن ولي العهد الإماراتي دعا رسمياً “ميري روجوف”، وزير الثقافة والرياضة الصهيونية إلى زيارة مسجد الشيخ “زايد بن سلطان” في أبوظبي.
وفيما يتعلق بعدم وجود تأكيد رسمي لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني من قبل دول مثل السعودية والإمارات، فإن ذلك يرجع إلى عدة أسباب:
ردود الفعل الشعبية الغاضبة: مما لا شك فيه أن أحد أهم الأسباب التي دفعت الأنظمة السياسية الرجعية العربية – والتي من أبرزها ممالك الخليج الفارسي – إلى عدم الإعلان بشكل علني عن علاقاتها مع الكيان الصهيوني تتمثل في ردود الفعل الغاضبة والسلبية للرأي العام العربي، في الواقع وخلافاً لطبيعة الدول العربية المحافظة والمتمايلة نحو الغرب، إلا أن المجتمع والنسيج الاجتماعي في هذه الدول ثوري بشكل كبير ومعادٍ للغرب، وهنا يؤكد العديد من الخبراء السياسيين والاجتماعيين وجود الكثير من النزعات المعادية للصهاينة عند جميع شعوب الدول العربية بما في ذلك ممالك الخليج الفارسي، وبناءً على هذه النزعات المعادية لإسرائيل، فإن الرأي العام العربي هو الذي يقف دائماً كحاجز أمام القادة والملوك العرب لإضفاء طابع رسمي على علاقاتهم السرية مع “تل أبيب”.
الخوف من عدم الاستقرار الداخلي والانهيار السياسي: تخاف معظم الدول العربية المستبدة لا سيما ممالك الخليج الفارسي من ردود الفعل الغاضبة للرأي العام من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وذلك لأنهم يعلمون جيداً أن هذا الغضب قد يؤدي إلى خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي الداخلي وقد يؤدي أيضاً إلى انهيار الدولة.
في الواقع إن تراكم الاستياء السياسي والاجتماعي في العديد من البلدان العربية يجعل من أخبار تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” بمثابة حافز لتشكيل المظاهرات والاحتجاجات، وعدم الاستقرار السياسي وحتى قيام ثورة ضد النظام الحاكم الذي لن يتمكن بعد ذلك من السيطرة على تلك الأوضاع.
فقدان المكانة الإقليمية: ومن الآثار الأخرى لتطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني تدهور وضعهم ومكانتهم الإقليمية وفقدان النفوذ في العالم الإسلامي، فمنذ احتلال فلسطين وتشكيل الكيان الصهيوني كانت الدول الإسلامية التي ارتبطت بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية هي الدول الأكثر تأثيراً بين الدول الأخرى في العالم الإسلامي، ومن ناحية أخرى فإن هذا التأثير نفسه قد جعل دور المركزية والقيادة أكثر بروزاً للعديد من هذه الدول في العالم الإسلامي، ومن بين هؤلاء يمكننا تسليط الضوء على دور إيران في أعقاب ثورة 1979، وكذلك دور تركيا منذ تولي “أردوغان” زمام الأمور في تركيا.
تعدد الأصوات العربية ضد الكيان الصهيوني: لا توجد مواقف متطابقة لدى الدول العربية في المنطقة فيما يتعلق بـ”إسرائيل”، فعندما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارته المثيرة للجدل لسلطنة عمان ندد بعض أعضاء البرلمان الكويتي بقوة بهذه الزيارة، وفي العراق طالب البرلمان بالاعتراف بحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم الخاصة بهم، وعلى الرغم من أن بعض الدول مثل السعودية والإمارات والبحرين قامت ببعض التدابير لتطبيع العلاقات بشكل غير رسمي مع الصهاينة، إلا أنهم حتى الآن لم يمضوا قدماً في الإعلان العلني عن تلك العلاقات، وكل واحد منهم ينتظر الآخر ليبدأ بالإعلان عن علاقاته مع “إسرائيل” وذلك من أجل معرفة ردود الفعل للرأي العام، ولقد تسببت هذه الرؤية وانتظار بعض الدول العربية للدول العربية الأخرى للإعلان بشكل علني عن تطبيع علاقاتهم مع “إسرائيل” في فشل الكيان الصهيوني في إقامة علاقات طيبة وعلنية مع معظم دول المنطقة، ومن المتوقع أن يظل تعدد الأصوات في المنطقة العربية حاجزاً منيعاً أمام الإعلان العلني والرسمي لتطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني.