تقرير خاص/ عبدالقادر عثمان
مهمة رقابية ما لبثت أن انحرفت عن مسارها الصحيح، لتضع صاحبها في موقع الانحياز نحو طرفٍ سعى بكل ما أوتي من حيلٍ إلى إفشال اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة قبل دخوله حيز التنفيذ؛ باعتبار ذلك عائقا أمام مشروعه الاحتلالي الساعي للوصول إلى ميناء المحافظة، قبل أن تجعله يتبنى آراءً تساير المشروع وتبعده عن الحياد، ما دفع به إلى التصريح بأن الغموض سيد الموقف.
خروقات لا تتوقف
منذ الـ 20 من ديسمبر المنصرم، وهو تاريخ وصول رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار، الهولندي “باتريك كاميرت” إلى ميناء الحديدة للاطلاع على الالتزام بواحد من بنود اتفاق ستوكهولم بين الجيش واللجان الشعبية من طرف، وقوات العدوان ومرتزقتهم من طرف آخر، سعت دول الاحتلال جاهدة إلى خرق الاتفاق من خلال الهجمات البرية والجوية بمختلف أنواع الأسلحة على مدينة الحديدة، مستهدفة بذلك المباني السكنية والميناء ومنشآت تجارية وحيوية ونقاط التماس على خطوط المواجهات.
وخلال الأيام القليلة الماضية ارتكب العدوان ومرتزقته نحو 2459 خرقًا لوقف إطلاق النار في الحديدة وحدها، حسبما أكد العميد “يحيى سريع” – الناطق الرسمي للقوات المسلحة اليمنية – في تصريح صحفي أمس الأحد، مشيرا إلى عدم التزام طرف المرتزقة بالاتفاق وصمت المراقب الأممي عن تلك الخروقات.
فشل الاتفاق
وفي اجتماعه يوم أمس، حمّل المجلس السياسي الأعلى دول التحالف ومرتزقتهم مسؤولية السعي لإفشال اتفاق السويد، وتبعات ما ستؤول إليه الأوضاع، معبرا عن استيائه لعدم إحراز أي تقدم رغم خطوة إعادة الانتشار التي نفذها الجيش واللجان الشعبية أواخر ديسمبر المنصرم من طرف واحد دون قيام الطرف الآخر بخطوات مماثله، مؤكدا في الوقت ذاته “الموقف الثابت للجمهورية اليمنية تجاه السلام والعملية السياسية ودعمه لجهود مبعوث الأمم المتحدة ولاتفاق السويد وتنفيذ النقاط الواردة فيه”، وهذا ليس من منطلق ضعف، فقد ثمّن المجلس “الصمود الأسطوري لرجال الجيش واللجان في مواجهة التصعيد العسكري الواسع من قبل العدوان في مختلف الجبهات”، وهي رسالة واضحة من أعلى سلطة في اليمن، تؤكد أن يدينا مفتوحتان لجميع الخيارات، ففي الوقت الذي يعلن فيه تمسكه بالسلام يؤكد على استعداده للخيار العسكري من منطلق القوة التي ساهمت في صموده أربع سنوات وهي في تزايد يوما بعد آخر.
تخلف وانسحاب
وخلال عمل لجنة التنسيق بقيادة كاميرت، تخلف طرف حكومة المرتزقة عن اجتماعات اللجنة في الحديدة، من أجل إفشال الاتفاق، وتبع ذلك رفضهم إعادة الانتشار خارج مدينة الحديدة، حتى بعد التزام الجيش واللجان بإعادة الانتشار وتسليم ميناء الحديدة إلى قوات خفر السواحل المحلية التي تديره وتؤمّنه منذ إنشائها في العام 2004.
وتتمسك حكومة المرتزقة بموقف الانقلاب على اتفاقات ستوكهولم، من خلال إصرارها على تسليم ميناء الحديدة لقواتها، ورفضها تسليم الميناء لقوات خفر السواحل اليمنية، باعتبار خفر السواحل قوات تتبع الجيش واللجان الشعبية وهو ما نفاه مدير الميناء قبل أسبوع، مؤكدا أن قوات خفر السواحل لا تتبع سوى السلطات المحلية في ميناء الحديدة وأن إدارة الميناء وتأمينه من المهام الملقاة على عاتقها دون سواها.
الجنرال الأصم
ورغم تخلف المرتزقة عن حضور اجتماعات لجنة التنسيق إلا أن كاميرت لم يقدم أي إحاطة إلى الأمم المتحدة عن ذلك، في الوقت الذي يروج فيه إعلام العدوان إلى أن “الحوثيين” ينقضون الاتفاق ويعرقلون مسار العملية السياسية ووقف إطلاق النار في الحديدة، رغم أن الوفد الوطني في مشاورات السويد قدّم تنازلات عدة، من أجل تحقيق السلام المنشود لكل اليمنيين، بعد أن تسبب العدوان في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ويتساءل الشارع اليمني اليوم، حول من تسبب في إفشال مهمة المراقب الأممي، الذي جاء من أجل السلام، فحكومة المرتزقة تلقي باللوم على الجيش واللجان الشعبية بينما المجلس السياسي الأعلى يحمل المرتزقة وقوى العدوان سبب ذلك، وهذا ما يزيد الأمر تعقيداً في ظل تفاقم معاناة اليمنيين يوما بعد آخر.
انقلاب متوقع
لم تكن انقلابات حكومة المرتزقة هي الوحيدة التي تعيق عملية السلام في المدينة الساحلية الأكثر فقرا في اليمن، فالهولندي باتريك كاميرت، الذي عرف بفشله في كافة المهمات التي أوكلت إليه في أكثر من بلد، انقلب على اتفاق وقف إطلاق النار بعد أقل من شهر على وصوله ميناء الحديدة، حيث تبنى باتريك وجهة نظر الطرف الآخر الذي فشل في الوصول إلى الميناء عسكرياً ويحاول اليوم الوصول إليه عن طريق الأمم المتحدة.
رئيس الوفد الوطني لمفاوضات السويد، محمد عبد السلام، قال أمس الأحد في تغريدة على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، أن الأمم المتحدة عليها تحمل مسؤولية عدم إحراز أي تقدم بخصوص الوضع في محافظة الحديدة، بناء على اتفاق ستوكهولم، موضحا أن ذلك يعود “بالأساس إلى خروج رئيس لجنة التنسيق الأممية كاميرت عن مسار الاتفاق، بتنفيذ أجندة أخرى”، مضيفاً “يبدو أن المهمة أكبر من قدراته، وما لم يتدارك المبعوث الأممي مارتن جريفيث الأمر، فمن الصعوبة البحث في أي شأن آخر”.
رسالة ودليل
وكان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن “مارتن جريفيث” أكد في إحاطة أمام مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، أن طرفي الصراع في اليمن “التزما إلى حد كبير” باتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة، مشيراً إلى أن “اتفاق ستوكهولم بعث رسالة للشعب اليمني مفادها أن المجتمع الدولي يرغب بقوة في إنهاء الصراع”.
وفي الحديث عن رغبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة في إنهاء الحرب على اليمن، فإن الكثير من الدلالات تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن لا رغبة لأي طرف دولي في إنهاء العدوان الذي يحقق لكل الأطراف المعتدية مصالح خاصة.
تنويم مغناطيسي
وكان المجتمع الدولي في الأشهر الأخيرة من العام المنصرم 2018، مارس ضغوطات علنية على قوى العدوان لإنهاء الحرب على اليمن، غير أن الدول التي تكفلت بتلك الضغوط عقدت صفقات لبيع الأسلحة الحديثة والمتطورة لدول الاحتلال في الوقت الذي يتحدث إعلامها عن جرائم الحرب التي ترتكبها السعودية والإمارات في اليمن.
وساهمت الحملات الإعلامية المطالبة بوقف العدوان في زرع الأمل في نفوس الكثير من اليمنيين بقرب انتهاء الحرب التي طالت الجميع بأذاها، غير أن تلك الحملات كانت ممهدة لمراحل جديدة من التصعيد وصفت بـ “التنويم المغناطيسي” للمدافعين عن الوطن.
صورة حقيقية
ولعل آخر مراحل التنويم كانت توجيه الأمم المتحدة في أكتوبر من العام 2018 إعلاناً لدول العدوان بإعطائه مهلة 30 يوما لإنهاء الحرب على اليمن، غير أن تلك المهلة ما لبثت أن ازداد نطاقها حتى نهاية العام وذلك عقب إعلان العدوان مرحلة أخيرة من التصعيد للوصول إلى ميناء الحديدة.
خطوة رسمت في أذهان اليمنيين صورة عن الأمم المتحدة أظهرتها على أنها وسيلة من وسائل العدوان على اليمن، وتمهد لبسط نفوذ المحتلين على الأراضي التي فشلوا في السيطرة عليها خلال أربع سنوات من العدوان.
ومهما تعددت أسباب فشل باتريك فهو موظف من موظفي المنظمة الدولية التي تقف أربع سنوات مغمضة عينيها عن جرائم الحرب بحق المواطنين، فما الذي يتوقعه اليمنيون منه بعد سيرة مليئة بالفشل، وبعد صمته على كل تلك الخروقات في الحديدة، وبعد مواقف منظمته من العدوان وجرائمه؟