قبسات ضياء في رحاب الصادقين الأوفياء..
د ــ أسماء الشهاري
الشهداء.. هم من أخبرنا الله بأنهم الأحياء الذين لن تصيبهم مصيبة الموت أبداً، بل هم الحياة لكل الأحياء، لأنه لولا دماؤهم وتضحياتهم لما عاش الناس في عزةٍ وكرامة ولظلوا راضخين تحت الذل والمهانة..
الشهداء.. هم الأحياء دون غيرهم بل إن أعمالنا وأعمال الأجيال المتلاحقة إلى يوم القيامة تصب في ميزان حسناتهم، فحياتنا وحياة من سيأتي بعدنا ليست سوى جزء من حياتهم العظيمة الخالدة..
الشهداء.. هم أناس أعزاء كرماء لا يرضون بالضيم ولا يقبلون عيش الصَّغار والهوان ولو أسالوا لأجل ذلك دماءهم.
الشهداء.. هم من يزدادون قرباً من الله في كل يوم وهم في ساحات التضحية والعطاء، حتى تصبح أرواحهم نورانية قد ارتقت كثيراً كثيراً فلا تطيق العيش بعيداً عن جوار الله أكثر من ذلك، ومن يزدادون كل يوم شوقا للقاء الله ..
الشهداء.. من ذكرهم تزكو به أرواحنا وتسعد به أنفسنا وتبتهج به قلوبنا وتنشرح له صدورنا وتقوى به عزائمنا وتزداد نوراً بصائرنا، ونزداد بهم سموا ورفعةً وثباتا وقوة وبذلا وعطاءً ووفاءً لأزكى وأغلى الدماء..
الشهيد.. كان جسده يمشي على الأرض لكن روحه كانت تزداد رفعةً وعلواً كل يوم حتى طالت أكثر فعانقت السماء..
الشهداء.. هم أناس كان يجهلهم أهل الأرض ويعرفهم أهل السمـاء، فاشتاق لهم أهل السماء..
الشهداء.. هم من أحبهم الله وأحبوه وكان يرتقب لقاءهم كما يشتاقون لقاءه ويستبشر بقدومهم ويباهي بهم ملائكته وقد أرخصوا في سبيل رضوانه أغلى ما كانوا يمتلكونه..
الشهيد.. كانت السماء تتزين كل ليلة شوقاً لتعانق روحه الطاهرة..
الشهداء.. هم من أصبحت الدنيا تستنكر بقاءهم فيها ولم يعودوا يشبهون أهلها وقد بلغوا أعلى درجات الارتقاء..
الشهداء.. هم من أصبحت الجنة تستنكر بعدهم عنها أكثر من ذلك، وهم من قد أصبحوا بجدارةٍ يستحقون الاصطفاء..
الشهداء.. هم من ذابت الجِنان من فرط الشوق لوصلهم فصعدوا إليها قبل أن تنزل هي إليهم..
الشهداء.. هم من يبكي الفجر كل يوم شوقاً لتراتيلهم وصلواتهم..
الشهداء.. هم من تحِن الفيافي والقفار لصولاتهم وجولاتهم..
الشهداء.. هم من تُسبِّح الرمال تحت أقدامهم، وتنحني الجبال لشموخ هاماتهم، وتداعبهم الشمس بخيوطها الذهبية لتستمد ضياءها من وهّج أنوارهم..
الشهداء.. بينما يتسابق الناس على حطام الدنيا ويعظمونه، لا يساوي في أعينهم شيئا ويحتقرونه..
الشهداء.. يتسابقون إلى لقاء الله والآخرة، كما يتسابق المغفلون على حطام الدنيا الزائلة..
الشهداء.. من عظمة نفسياتهم كأنّهُم جاءوا من زمنٍ غير الزمن الذي نعيشُ فيه ومن كوكب آخر لا يشبه الذي نعمره ونبنيه..
الشهداء.. هم الذين سقوا بدمائهم الطاهرة شجرة الحرية والكرامة، فازدادت بركةً ونمـاء..
الشهداء.. هم من تشربت الأرض دماءهم الطاهرة فأنبتت عزاً ونصرًا ومن استقبلت السماء أرواحهم العطرة الطاهرة فازدادت بهم عُلواً وفخرا..
الشهداء.. هم من صنعوا لنا بجماجمهم سداً منيعاً من بطش الأعداء وجسراً نعبر فوقه نحو مستقبلٍ مشرقٍ وضّاء..
الشهداء.. هم من أصابهم في سبيل الله أنواع البلاء، فصبروا ولم يجزعوا لما أصابهم، لأن حلمهم كان يعلو على كل جراحاتهم فقد كان بحجم الكون وسعة الفضاء..
الشهداء.. أرواحهم تظل تحلَّق في السماء فتمطر فخراً ونزداد بها ثباتاً ونصراً..
الشهداء.. مدرسة من العطاء، فهم يعطون كل ما يقدرون عليه في سبيل نصرة الحق ويتوجون هذا العطاء أخيراً بدمائهم الزكية وأرواحهم العطرة..
الشهداء.. نبع من القيم والأخلاق، يعطون ولا يأخذون، يترفعون عن سفاسف الأمور، يضحون براحتهم وأرواحهم وحياتهم لأجل حياةِ الآخرين حتى وإن كانوا يخالفونهم في الرأي أو يسيئون إليهم..
الشهداء.. هم من لا يهمهم أقاويل وطعن الطاعنين فيهم بقدر ما يهمهم أن يعيش أولئك أعزاء آمنين..
الشهداء.. هم من لم يكن يهمهم في سبيل الله والمستضعفين أبُعثِرَت أجسادُهم أم أنها صارت أثراً بعد عين..
الشهداء.. هم من كانوا لا يرتضون الذل لمن ارتضاه، وبدمائهم صانوا كرامة الأمة ووهبوا لها المجد والحياة..
الشهداء.. هم من كانوا الأمان لنا في ظلام العالم المُوحِش..
الشهداء.. هم من تظل تضحياتهم مدرسة خالدة تنهل منها الأمم معنى السمو والعزة، ومعينا لا ينضب لكل من يهوى الحرية ويقدّس القيم الإنسانية..
الشهداء.. تضحياتهم الكبيرة، ودماؤهم الزكية تظل شاهدة على عظم المأساة وحجم المظلومية..
الشهداء.. من كان تحركهم في سبيل الله والحق والمستضعفين استشعارا للمسؤولية تجاه قضيتهم الحقّة العادلة، فكان تحركهم بحجم مظلومية أبناء بلدهم وبحجم القيم والمبادئ العظيمة التي انطوت عليها سرائرهم..
الشهداء.. هم من باعوا أنفسهم من الله واثقين بما عنده مُستبشرين ببيعهم الذي بايعوا الله به، لأنهم يعلمون أنه سبحانه لا يخلف وعده وهم من يبذلون أقصى ما يستطيعون دون أن يلتفتوا للمقصرين والمتخاذلين من حولهم..