كابوس المعاهد العلمية
عبدالله الأحمدي
سألني الزميل حسين قحطان الكتابة عن المعاهد العلمية الدينية التي كانت تشكل نظاما تعليميا موازيا لنظام وزارة التربية والتعليم في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. اقول وبالله التوفيق بعد التحية لك اخي حسين قحطان :
موضوع المعاهد العلمية (الدينية) هو نتاج معاهدة 1970 م التي رعتها الرجعية السعودية بين الملكيين وجماعة انقلاب 5 نوفمبر الرجعي، بعد التخلص من الجمهوريين الثوريين في مذبحة اغسطس 1968م.
وقد بدأت تلك المعاهد بما سمي الجمعية العلمية في صنعاء التي كان يرأسها الزنداني، وهي من تولت تأليف المواد الدينية للمنهج المدرسي لوزارة التربية والتعليم، وخاصة مادة ما كان يعرف بالتوحيد الذي ألفه الزنداني الفاشل في دراسة الصيدلة.
وفي أواخر حكم القاضي الإرياني بدأ إنشاء المعاهد الدينية وبالذات في تعز، حيث تم اقتطاع جزء من مدرسة الثورة الثانوية ليصبح معهدا دينيا وتجميع الاخوان للعمل في هذا المعهد.
ويذكر الكثير من طلاب السبعينيات في مدرسة الثورة الصراع بينهم وبين طلاب هذا المعهد ومدرسيه، حيث كان معلمو هذا المعهد يلفقون التهم لطلاب الثورة الثانوية، بأنهم قطعوا المصاحف وداسوا عليها. وهذه التهمة استمرت مع الاخوان حتى اليوم.
واستمرت المعاهد في عهد الرئيس الحمدي بالقليل منها.
وأذكر أنني سكنت في تعز وأنا في ثالث ثانوي مع طلاب في معهد تعز العلمي كان بعضهم في الإعدادي وآخرون في الابتدائي، وكانوا يحصلون على تغذية ومبالغ شهرية دعما لهم.
وقيل أن هذا الدعم كان يقدم من وزارة المعارف السعودية.
وبعد اغتيال الحمدي وصعود عفاش استباحت السعودية البلاد وفرخت جماعات الاخوان وصدرت الوهابية الى اليمن، وتدخلت في كل صغيرة وكبيرة، وغيرت مناهج التربية والتعليم، وتم انشاء آلاف المعاهد في طول البلاد وعرضها وخاصة بعد حرب 79 بين الشمال والجنوب وهزيمة الجيش العفاشي وظهور الجبهة الوطنية الديمقراطية معارضة للسلطة في الشمال.
وقد تم تحزيم حدود مناطق الشمال المحاذية للجنوب بالمعاهد الدينية حماية لسلطة صنعاء من الغزو الشيوعي كما قالوا.
وتم انشاء هيئة عامة للمعاهد العلمية توازي وزارة التربية والتعليم، ووضع ميزانية عامة لها بلغت في آخر سنة لوجود هذه المعاهد اكثر من 14 ملياراً.
كما تم تعميم المعاهد في كل القرى واُلغيت الكثير من المدارس واستبدلت بالمعاهد.
وتم اعطاء مزايا لطلاب المعاهد، وبالذات الاقسام الداخلية، حتى في الارياف، وحولت المعاهد الى ما يشبه الثكنات العسكرية.
واستقلت هذه المعاهد بمناهجها وموازنتها وكانت تستجلب المعلمين الاخوان من مصر وسوريا والسودان. معظمهم كانوا من الهاربين من تلك الانظمة.
ومن هذه المعاهد خرجت جماعات التطرف والجهاد وصدرت الى افغانستان في بداية الثمانينيات.
وأذكر أن الصحفي سعيد الجناحي الذي كان يصدر صحيفة الامل في صنعاء مثل امام المحاكم بدعوى من رئيس الهيئة العامة للمعاهد العلمية لانه كتب مقالا عن المعاهد التي كانت اشبه بمعسكرات.
كانت المعاهد هي مزارع تفريخ للاخوان، ومنها انطلقت المعارضة للوحدة اليمنية في عام 90 ومن اختباراتها بدأ التشهير بالوحدة وتجربة الجنوب والناصرية في مصر.
وكان الاخوان من هذه المعاهد يدعمون جماعاتهم، وتصور أن مجاهدين في افغانستان كانوا ينجحون في هذه المعاهد وتصرف لهم الشهادات وهم غائبون في المهاجر، بل ان هذه المعاهد كانت بعيدة عن اي رقابة حكومية، ومن يتعرض لهذه المعاهد يعتبر ضد الاسلام، ويتهم بالكفر والإلحاد وتلفق له كل التهم الكيدية.
والحقيقة أن مهمة هذه المعاهد كانت طمس الهوية الوطنية وفهم اليمنيين للإسلام بشكل حضاري متسامح.
وقد تمثل هذا الطمس في تخريب التراث والآثار وتكفير الأدباء والمفكرين والعلماء اليمنيين، واعتبار كل ما قبل الاسلام كفراً. بعد الوحدة وفي العام 1991 م صدر قانون من مجلس النواب بتوحيد التعليم وإلغاء المعاهد العلمية ودمجها في وزارة التربية والتعليم، ولكن عفاش لم ينفذ هذا القانون، وظل يساوم الاخوان على بقاء هذه المعاهد مقابل الوقوف معه ضد الاشتراكي والجنوب.
اعتمدت هذه المعاهد على العقيدة الوهابية النجدية التي تكفر غيرها من المذاهب والعقائد. ومن هذه المعاهد خرج التكفير والتفسيق والتبديع وكل انواع التطرف والارهاب.
لقد عملت هذه المعاهد على انشاء جيل لا يحترم أحداً، بل وصل الأمر إلى تكفير الأبناء للآباء والأمهات لأنهم على غير مذهب الوهابية.
وأكبر من تعرضوا لاضطهاد المعاهد الوهابية الاخوانية هم الصوفية والشافعية والزيدية والاسماعيلية، فقد هدمت مساجدهم وأضرحة أوليائهم واُحرق تراثهم وكُفر علماؤهم. لقد عملت هذه المعاهد على ضرب وحدة النسيج الوطني، وانقسام الأجيال، وما تعانيه الامة واليمن خصوصاً هو نتاج هذه الفترة المشؤومة.