مع بداية العام الجديد تكون الفرصة للتحسين
محمد أحمد المؤيد
كم هي الأيام والسنون التي تتقاطر أو تتقصف من أعمارنا كأوراق الشجر في فصل الشتاء ولا ندري إلى أين سنصل بأنفسنا مع حالة الركون إلى التسويف والتطلع لما جاد به الغير ، التي ما إن يركن الإنسان إلى ضعفه وعدم الانشداد إلى تحقيق الأفضل ، وإذا بها تصبح مع الزمن خصلة رديئة تردي به في أقبح وجه من وجوه الزمان والمكان ، الذي لو علمه الإنسان ومنزلته التي رضي بالوقوع أسيراً فيها لحزن كثيراً ، رغم قوة الذات التي حبا الله بها جميع خلقه من بني البشر وأحيانا ًالدواب في الأرض ، فلو نظرنا بعمق لعالم الحيوان لوجدناها تحث على طلب الرزق كقطيع متجانس مرتب ومتناغم ، حتى مع اختيار من يقود قطيعها ومن الذي يدافع عن جميع أفرادها (الذكور طبعاً) ، ومن الذي يبقى في مقدمة الفوج ومن يبقى في مؤخرته قال تعالى : ” ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ” صدق الله العظيم ، فالنمل أمة ولها نظام دقيق ومحكم يحفظ وجودها ويؤمن وضعها ومخدعها (الذي هو وطنها) ، وقد ذكر الله في كتابه العزيز القرآن في قصة النبي سليمان عليه السلام كيف تكلمت إحدى النمل وقالت كما في قوله تعالى : ” قالت يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ” صدق الله العظيم، وفي هذا دلالة كافية على وجود نظام محكم يسير حياتها ، حتى لكأنه يوجد فيها من يستطلع حيثيات المكان والزمان وما قد يحل بهم من خير أو شر ، وعالم الحيوان والدواب التي تدب في الأرض له ما له من الأنظمة والقوانين التي تخصها وتتناسب مع طبيعة وضعها وفطرتها وقدراتها التي تختلف بشكل كبير عن بني البشر ، الإنسان الذي يكون العقل البشري والهيئة الفسيولوجية المميزة له (جسمه) عن غيره من المخلوقات ، جعلت منه مستخلفاً على هذه البسيطة وعلى المحيط الفضائي للسماء الدنيا ، ولو فكرنا قليلاً في سبب أن الإنسان تحديدا ًلا يوجد معه وسائل أدخلت في جسمها للدفاع عن ذاته من أي عارض قد يهدد حياته ، حتى في مسألة التعويض في جسمها إن بتر جزء منه ، كما هو حاصل في بعض البرمائيات والزواحف والديدان وقرون الماعز وغيرها التي بمجرد أن يفصل جزء من جسمها وإذا به بمشيئة الله يعود وكأنه لم يتسنه ، ولكن الإنسان غير ، وكذا لو تأملنا في الطاووس وكيف أن الله حباها بريش عجيب ومدهش حتى في طريقة عرضها وجمالها وبألوان زاهية تدل على عظمة صانع حكيم سبحانه ، وكذا الطيور وموضوع الأجنحة بالرغم من أن الإنسان هو المستخلف في الأرض وهو أحق بأن يتصف بكل ما تميزت به الدواب عن بعضها وعن بني البشر تحديدا ، الذي هو مستخلف في الأرض ، ومع هذا وبمجرد إعادة مراجعة تاريخ الإنسان ، منذ خلق الله أبانا آدم عليه السلام إلى اللحظة ، وكيف أنه بالعقل والجسم اللذين يتناسبان وكل متطلبات الأستخلاف في الأرض ، ولأنه المتحكم والمسير لكل ما في هذه البسيطة والفضاء الخارجي من السماء الدنيا بأمر الله قال تعالى :” وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ” صدق الله العظيم ، والذي بعقله استخرج واستكشف واسطنع وكون كل ما يلزمه فقط للدفاع عن نفسه، فاستخدم العصي ثم الحديد وصنع الخنجر والرمح والسيف ثم تحول إلى صنع (بنادق) وقاذفات وغير ذلك حتى وصل إلى السلاح النووي والليزر والإشعاع والسلاح الكيماوي وغيرها من وسائل الدفاع والهجوم ، التي ما يعمل القرن والسم وغيرها بجانب ما اسطنعه الإنسان لنفسه وتفنن في ذلك..!!!? ، وكذا الطاووس وما قام به الإنسان من استخراج وصنع أفخر الملابس التي تضفي على الإنسان جمالاً ليس له مثيل من بين الخلائق وبألوان مستقاة من الطبيعة ومن شتى وأرقى وأروع وأندر الألوان التي تتزين بها حواء ، وكذا تعويض ما فقده الشخص من جسمه كان مستحيلاً، واليوم وبفضل الله وما حبا به العقل البشري والجسم البشري من قدرات خارقة ألهمت الطب اليوم وصناع الأجهزة الطبية والأعضاء البشرية إلى تعويض أي فقد لأي عضو من جسم الإنسان ، الذي رغم بطء وارتفاع التكاليف الداعية لإجراء تعويض في عضوه ، إلا أنه وبما لا يدع للشك مجالاً صار طفرة علمية مهمة ستصبح في رواج وسهولة مع الزمن ، والتي مع نجاح التجارب الطبية في هذا المجال ستنتشر بشكل أكثر يوماً بعد يوم ، هذا وأضف كيف أن حكمة الله بعدم خلق أجنحة للبشر جعلته يقحم نفسه بالتجارب التي بدأها عباس بن فرناس وشغل عقله وتطور الأمر مع الأجيال المتعاقبة حتى تم اختراع الطائرة وبدأ الناس ينتقلون عبر الطيران بالطائرات بشكل جماعي أو فردي من دولة إلى أخرى ومن قارة إلى أخرى ، والذي أعقبه اختراع (المكوك/المسبار) الفضائي الذي من خلاله اطلع الإنسان على خفايا الكون الفسيح الذي يعبّر عن صنع حكيم سبحانه ، ولو نظرنا للطيور وكيف أنها بأجنحتها لم تتجاوز محيط طبقات الجو العليا، لكن الله يريد من الإنسان الذي خلق عجولا أن يؤهله لشيء أعظم من باقي المخلوقات وكذا أن يريه الآيات كما في قوله سبحانه : ” سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ” وقال جل من قائل سبحانه : ” لخلق السماوات والأرض أكبر من خلقكم ولكن لا تعلمون ” صدق الله العظيم.
ولأن الله قد حبا بني البشر بهذه النعم العظيمة واختصهم بها ، وهي نعم لا تعد ولا تحصى ، حيث سكنوا القصور والمباني الشاهقة ولبسوا الديباج والحلي من الذهب والماس والزبرجد ، وعمروا الأرض واستحلوا الفضاء بالأقمار الصناعية ، وطاروا بالطائرات وأبحروا بالسفن متنقلين بين قارات الأرض الست وبحارها ومحيطاتها ، واكتشفوا عجب العجاب في ملكوت الله ، الذي لازال علم الإنسان فيه محدوداً رغم كل هذا ، فمع معرفة الإنسان لأدق تفاصيل الأشياء من حوله وأعظمها وأتفهها ، التي جعلت منه يكتشف تلك الذبذبات والأمواج الصوتية التي ساعدت على اختراع كل وسائل الإعلام والاتصالات التي قرّبت البعيد وبعدّت القريب – ( الولد يجلس في غرفته منهمكاً مع تلفونه الخلوي بعيداً عن أسرته رغم أن الغرفة لا يفصلها عن غرفة أسرته إلا الباب وهو يتحدث ويراسل الآخرين الذين هم في محيط قد يبعد عن عالمه مئات الملايين من الكيلومترات وسبحان الله) – ، وكذا الأخبار العالمية الطازجة والآنية التي ينتشر نبأها بين البشر لحظة بلحظة وخلال أجزاء من الثانية، إن صح تعبيري ، وكل هذا وذاك هو من نعم الله العظيمة التي على رأسها العقل البشري وجسمه المهيأ لعمل كل متطلبات الحياة البشرية واختراعها وتسخيرها في خدمته.
وبذلك ومن هذا المنطق ، وبكوننا أمة مسلمة موحدة ينبغي علينا أن نراعي نعم الله علينا وأن نستغل كل ما حبانا الله به واستخلفنا فيه والعمل على تسخيره في ما يصلح حال الأمة المحمدية أو إظهارها على أنها أمة راقية وعظيمة ، وذلك من خلال تحسين حالهم ووضعهم مع كل ما جاد به الله علينا من نعم عظيمة ، والذي أبدع في إخراجها إلى النور ذلك العقل البشري الذي أول ما جاء به الدين هو تنمية واحترام هذا العقل البشري العظيم بعظمة خالقه سبحانه ، وذلك عبر مخاطبته له بكتابه القرآن والحجة النبوية ، التي تخاطبت مع العقل قبل كل شيء، فلم يزل رسول الله محمد صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه يعلّم أمته حتى آخر أيامه المباركات ، وقد قال (ص) في خطبة الوداع : ” خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ” صدق رسول الله ، ولذا فإنه من المؤسف أن تكون أمة محمد هي من آخر الأمم في تنمية قدرات أبنائها ، الذين نحن أحوج أكثر من غيرنا إلى اكتشاف ما يمكن اكتشافه واختراع ما يمكن اختراعه واللحاق بشتى وسائل ركب التكنلوجيا الحديثة التي تجعل أمة الإسلام أمة قوية ومتمكنة ، والتي بتمكينها تصبح مسيطرة ، وبسيطرتها تستطيع تبليغ دين الله في أصقاع الأرض بشتى الوسائل والطرق وبدون عراقيل أو إغفال من أحد ، فقد وجد اليوم سيل من الطرق والأساليب الساقطة التي يتفنن الكفرة والمشركون بها- ونعوذ بالله منهم- في إغواء الناس خاصة شباب المسلمين ومحاولة تحريف وجهتهم ونظرتهم لدينهم ومستقبلهم، فإن صلح مستقبل الدين صلح أبناؤه.
لو تأملنا أن ولوج سنة جديدة ليس بالأمر الهين الذي يستدعي عدم الوقوف مع مسألة كهذه ، فدخول سنة وخروج سنة يعبر عن تجدد شيء في عمرنا ، وهو ما يجب أن نجعله في محمل الجد والمثابرة ، وذلك بغية إيجاد خطة معينة لتحسين وضعنا وحالنا وبلدنا ، فمن المعيب أن نستسلم للجمود والركود والتوقف عند نقطة (مشي حالك) ، ورغم كثرة الشباب الطامحين إلا أنهم للأسف غير متحركين وغير محركين أنفسهم وإمكانياتهم في سبيل التطلع إلى الأفضل وتحسين فرص الذات ، وكذا تحسين فرص تنمية البلد والعمل على مبدأ ” لا شيء يبقى مستحيلاً أمام قوة الإرادة ” ، لأن الدواب ليست أقوى بمثابرتها ونهجها من نهجنا كبشر نمتلك الإرادة والعقل والجسم وقوة الذات الظاهرة والخفية التي نحن نكون أحوج ما نكون لتحريكها في بلد الحكمة والإيمان والإسلام، وذلك من خلال الإبداع والتصنيع والإنتاج وتحسين دخل الفرد ، وإيجاد فرص عمل من مشاريع قد تبدأ بشكل مصغر وتتنامى مع الوقت حتى تصبح شركات ذات إنجازات تساهم في تنمية البلد وتحسين معيشة أبنائه وبناته ، بحيث ننصح بعدم الجمود والتقوع واليأس الذي تبثه دواعي الحرب وآثارها سواء من الحكومة أو الشباب أنفسهم ، والتي لا تخدم إلا أعداءنا من الأمريكان والصهاينة وأذنابهم من ممالك الشر كالسعودية والإمارات وغيرهما من عملاء العرب والعجم الذين لطالما حثوا الخطى من أجل تحطيم قدرات الشباب وإبداعاتهم ، وهذا يجعل من الضروري أن لا نلتفت لمؤامراتهم وفبركاتهم الساذجة والمغرضة لتدمير الشعب والتنمية ، وسنتخذ من القوة الصاروخية والتصنيع العسكري اليمني نموذجاً تحفيزياً لكل شباب اليمن في سبيل تحريك عقولهم وقدراتهم و طاقاتهم بما يعود عليهم وبلدهم بالخير والبركات والتحسن والتطور في شتى مجالات وسبل الحياة المجتمعية ، التي إن شاء الله ومع الزمن ستكون نموذجاً راقياً وعظيماً لشباب الأمة العربية والإسلامية.. وبالله التوفيق.
..ولله عاقبة الأمور..