الآباء وثورة غضبهم على الأبناء
عائشة شروان
الأطفال ملائكة الرحمن هم زينة الحياة وابتسامة ثغرها الباسم فالأبناء زهور تزين الأرض بألوانها ويتولى الوالدان سقي جذورها لتنبت مستقيمة الأغصان ينحني حنان الوالدين عليها كشمس الصباح التي تعانق أغصان الشجر ببريقها ودفئها.
والذي يلفت النظر..ويثير الشجن ..وينكئ الفؤاد فيجعل الأفكار تعلن النفور دون فتور عندما نرى الأب أساس الأسرة المتين وسندها القويم وظهرها الذي تتكئ عليه من انحناءات الزمن يقوم بإلقاء كاهل همومه ومشاكله وظروفه وينفث سم غضبه على ابنائه وزوجته ليصبحوا من ضحاياه وسبباً لتفكيره العقيم تجاه ما يواجه من ضغوط الحياه فيضرب أبناءه دون تفكير أو بصيرة ويستبيح الشتم واللوم لزوجته ليزفر دخان نار غضبه عليهم دون أدنى مبرر وإن وجد المبرر فليس بذلك القدر الذي يعطيه الأحقية لضربهم ويستفيض منه العقل السبب في تعنيفهم.
ولأن عقلهُ محشور بالهموم وفكره مزحوم بتضجرات الحياة الكابسة على أنفاس الأمل أصبح الأب يفكر بعشوائية ويستلذ الصراخ على أبنائه والضرب والقسوة محملا ًإياهم قصور فكره وجمود عقله لتصبح ظروف الحياة التي يعانيها الأب سجنا منيعا مع الأشغال الشاقة يتجرعها الأبناء ويتحملون عواقب ويلاتها، وبالمثل نرى الأم الحضن الدافئ والشمس المشرقة من ثغور أطفالها عند وقوع خلاف مع الأب أو تحملها لضيق الحياة ترمي جامّ غضبها على الأبناء فتضرب وتشتم وتلوم وتعاتب وتتصرف بهستيريه فيصبح المنزل جمرا من نار غضبهم دون أن تعي أن الذي أمامها هو طفل يريد جوا أسريا هادئا بعيداً عن التوتر والقلق والخوف فتجعل من الأبناء قلوباً خاوية.. وأعينا داهشة..عقولاً متبلدة.. يحوطها الخوف ويستعمرها الجمود والإنكسار النفسي .
وهذا العنف النفسي والجسدي الذي يمارسه الوالدان دون الالتفات لخطورته على عقل ونفسية ابنائهم سببه قلة وعيهما بعواقب أفعالهما وكذا الانقياد لغضبهما دون التحلي بالحكمة.
حيث يقوم الوالدان بكسر جو التآلف والمحبة والهدوء الأسري، بل إن الوالدين يجعلان أبناءهما يعيشون حالة ذعر وتوتر وقلق نفسي عند أدنى خلاف أو مشكلة تواجه الوالدين فتتولد لدى الأبناء مشاعر الخوف والقلق والوحدة والصمت والعدوانية مستقبلا، فينشأ من ذلك جيل متبلد ينحني لتبرمات الحياة وينكسر لظروفها ومواقفها .
وكان حرياً بالوالدين أن يعالجا مشاكلهما بحكمة وروية لينتشلا همومهما من ركام الحزن إلى شعاع الأمل والسعي والرضا.
متعايشان مع ظروف الحياة أياً كانت قسوتها ويجدان حلاً ملائما لها دون إشراك الأبناء في براثن خلافاتهما ويضعونهم على فوهة البركان .
الأبناء أمانة في أعناق الآباء وحري بهم أن يوفروا لفلذات أكبادهم العيش الهانئ والهدوء الأسري المجبول بالمحبة والرأفة والحنان تحت ظلهم ليستطيعوا أن يعيشوا الحياة ويواجهونها بثقة وعزيمة وشجاعة ويتمكنون من تلقي علومهم ودراستهم بذهن صاف وعقلٍ نير.