الجامعة العبرية السعودية الإماراتية
عبدالفتاح علي البنوس
العنوان ليس لجامعة تعليمية خاصة كما قد يتبادر لأذهان الكثيرين للوهلة الأولى ، ولكنه يخص الكيان العربي الذي تأسس في العام 1945م كمظلة وحاضنة لكل الدول العربية ، على طريق العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات التي تواجه الدول العربية ، الكيان الذي أطلق عليه مسمى جامعة الدول العربية ، ومن الاسم فإن هذا الكيان كان معنيا بتوحيد الجهود العربية وتوجيهها نحو تعزيز الوحدة العربية والعمل العربي المشترك لمواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة العربية في ظل الصراع العربي الإسرائيلي والمرتبط بالقضية الفلسطينية التي تمثل قضية العرب المصيرية ، حيث كان الأمل يحدو الشعوب والأنظمة العربية في تلكم الحقبة الزمنية وما أعقبها بأن تكون جامعة الدول العربية اسما على مسمى ، جامعة لكل الشعوب والدول العربية تتحدث باسمهم، وتتولى مهمة الدفاع عنهم ، والانتصار لمظلومياتهم ، ولقضاياهم العادلة ، ولحقوقهم المشروعة ، فكانت بداية انطلاقها جيدة وكانت أدوارها إيجابية وملموسة نسبيا ولا سيما فيما يتعلق بتقريب وجهات النظر بين الدول الأعضاء وحل الخلافات والتباينات التي قد تنشأ فيما بينها ، ولكنها ظلت عاجزة عن تلبية سقف الطموحات التي كان يرنو إلى تحقيقها الملايين من مختلف الدول العربية ، وفي مقدمتها تحقيق الوحدة العربية الاندماجية التي تذوب فيها الحواجز والحدود الشطرية ويتم التعامل مع الدول العربية على أنها وطن عربي واحد ، وتكون له قوة ردع واحدة مشتركة من كل الدول العربية لمواجهة أي أخطار تتهدد الوطن العربي الكبير .
وليتها اكتفت بالعجز والفشل لكان ذلك أرحم وأشرف لها ، ولكنها تحولت من جامعة للدول العربية إلى مفرقة ومقسمة ومجزئة لها ، فغدت بؤرة للشقاق والنفاق ، وبيئة خصبة لتصدير الشرور والفتن وإذكاء الصراعات بين العرب ، وذلك حسب الرغبات والمصالح والأمزجة السعودية والإماراتية والمصرية ، فتحولت من جامعة للدول العربية إلى جامعة للسعودية والإمارات ومصر ، وصارت قراراتها ومواقفها مرتهنة للريال السعودي والدرهم الإماراتي وللسياسة المصرية ، ومن هنا بدأت الجامعة العربية تتجه نحو الهاوية بعد أن انحرفت عن الخط والمسار المرسوم لها ، وتجاوزت الأهداف التي أنشئت من أجلها ، وباتت أداة بيد الدول الثلاث سالفة الذكر ، فغدت مواقفها مخزية ومذلة ، حتى وصل بها الحال إلى أن تكون بؤرة للتآمر ضد العرب والمسلمين وقضيتهم المركزية المصيرية المتمثلة في القضية الفلسطينية ، وذهبت لشرعنة العدوان والحرب على سوريا واليمن والعراق وليبيا ولبنان ، وصار قرارها بيد الرياض وأبو ظبي ، ولم تسلم من شرها حتى مصر التي تحتضن مقرها الدائم ، كل ذلك من أجل استمرار الدعم السعودي والإماراتي لها ، لتصل إلى المرحلة التي تتجرد فيها من هويتها العربية لتستبدلها بالهوية العبرية ؛ بعد أن اتضح تورطها في هندسة وبرمجة مضامين صفقة القرن والتماهي والتناغم مع السياسة الأمريكية بشأنها و التي يراد بأن تكون الضربة القاضية للقضية الفلسطينية ، وكل ذلك بإملاءات وضغوطات سعودية إماراتية؛ لذا لا نستغرب بأن يطل علينا أمينها العام أحمد أبو الغيط عبر قناة العربية أو الحدث بمشروع مبادرة للتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل والاعتراف بإسرائيل كدولة مستقلة وبالقدس عاصمة لها ، ما دام ذلك يتماشى ويتناغم مع سياسة الدب الداشر المهفوف محمد بن سلمان وشيخ الأبراج الزجاجية والمباني العاجية محمد بن زايد المشبعة بالتطبيع واليهودة المفرطة ، والممهورة بالتصهين .
واقع مؤلم ، وحالة مؤسفة أن تكون جامعة العرب هي من تفرقهم وتسهم في تعميق هوة خلافاتهم وانقساماتهم وصراعاتهم البينية وخلافاتهم وتبايناتهم السياسية ، ما الذي سنقوله نحن كيمنيين عايشنا ظلم وإجرام ووحشية وصلف إخواننا في السعودية والإمارات الذين بغوا علينا نزولا عند رغبة كاهن البيت الأبيض الأمريكي وبمباركة من جامعة الدول العربية التي لم يجد أمينها العام أي حرج في الانحياز في صف الجلاد على حساب الضحية ، بل وصلت به الجرأة إلى إدانة الضحية ؟!! أي عار سيلاحقنا كعرب بقبولنا بهذا الكيان المسخ الذي بات السكوت عنه واستمرارنا في الاعتراف به وصمة عار في حقنا وفي حق كل عربي حر من المحيط إلى الخليج ؟! آن الأوان لتصحيح مسار هذا الكيان المريض والاتجاه نحو تشكيل الاتحاد العربي على غرار تجربة الاتحاد الأوروبي ، الفرصة مهيئة اليوم ومتاحة لوأد هذا الكيان العار والفضيحة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، والاتجاه نحو تأسيس الاتحاد العربي الذي لا يكون خاضعا لدول البترودولار ، ولا مسيرا من قبل ملوك وأمراء النفط ، ولا خاضعا لرغبات وأمزجة المأزومين والمعتوهين من ملوك وأمراء ورؤساء وسلاطين ومشيخات العمالة والخيانة والتآمر ، اتحاد لا مستويات ولا مراتب فيه للمواطنة ، ولا امتيازات فيه لفئة أو جماعة أو طائفة أو دولة ، اتحاد عربي لا عبري الهوى والهوية، اتحاد تفاخر به الأجيال المتعاقبة وتتباهى به أمام الأمم ، اتحاد يواري سوأة الجامعة العربية ، ويدفن ويمحو عارها ، ويشطب تاريخها الأسود المشين ، ومواقفها الرعناء ، وقراراتها الهوجاء ، اتحاد جامع لكل العرب تحت راية واحدة وجيش واحد وعملة واحدة وهوية واحدة .
بالمختصر المفيد، قد يكون الموضوع حلما صعب المنال أو التحقق اليوم قياسا على المعطيات الراهنة ، ولكنه يظل واردا وغير مستحيل ، إذا ما توفرت الإرادة الصادقة والمخلصة وإذا ما قيض الله للشعوب العربية قيادات حرة تعاف التأمرك وتأبى التصهين ، قيادات لا تؤمن ولا تقبل بالحج للبيت الأبيض ولا بالعمرة في تل أبيب ، قيادات وزعامات لا تقبل إلا بالحرية والكرامة والعزة والشموخ والإباء .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .