معالم نظرية الظروف الطارئة في القانون اليمني
طاهر محمد الجنيد
تتعرض بلادنا للعدوان منذ أربع سنوات وكان من نتائج هذه الحرب المدمرة استغلال كل شيء وتسخيره من اجل تركيع واذلال هذا الشعب الأبي العصي على الخضوع إلا لله سبحانه وتعالى.
ولأن الظروف الاستثنائية تستوجب معالجات خاصة فإن المشرع اليمني قد واكب هذه التطورات في القوانين التي سنها ومن بين تلك المعالجات التي نص عليها نظرية الظروف الطارئة والقوة القاهرة .. في هذه العجالة نبين معالم هذه النظرية وأركانها وشروط تطبيقها والمعالجات التي اتخذتها قيادة وزارة العدل فيما يخص الموظفين العموميين الذين مسهم الضر جراء الحرب الاقتصادية وقطع الرواتب.
القوة القاهرة والظروف الطارئة: –
استقاء من الأصل العام وان العقد شريعة المتعاقدين تأتي نظرية الظروف الطارئة والقوة القاهرة لمراعاة ما يستجد في الواقع من احداث لم تكن متوقعة او يمكن حسابها والتنبؤ بها وهو ما يعرف في المجال الفقهي والقانوني بالقوة القاهرة والظروف الطارئة وتمكن أهمية التمييز بين الحالتين من الناحية الواقعية فإذا كان تنفيذ الالتزام او العقد مستحيلاً استحالة تامة فإننا نكون بصدد قوة قاهرة يتوجب معها انهاء الالتزام التعاقدي بين طرفيه واعفاء المدين من التنفيذ أما إذا كانت الاستحالة نسبية لا تؤدي إلى الحيلولة دون تنفيذ الالتزام فإننا نكون بإزاء نظرية الظروف الطارئة .
الأساس القانوني للنظرية في القانون والتشريع اليمني
إذا رجعنا إلى القانون اليمني سنجد نص المادة(221) الصادرة بالقرار الجمهوري رقم(14)بعام (2002م) “العقد ملزم للمتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين او للأسباب التي يقرها القانون الشرعي ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة كالحروب والكوارث لم تكن متوقعة وترتب على حدوثها ان التنفيذ التعاقدي وان لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة لا يستطيع معها المضي في العقد، جاز للقاضي تبعاً للظروف من فقر او غبن وغير ذلك وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ان يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول”
ان هذه المادة مع اختلاف بسيط هي ذاتها التي نص عليها المشرع المصري في القانون المدني رقم (131) لسنة 1948م في مادته رقم (147) بزيادة ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك.
هنا نجد أن المشرع اليمني أعطى أمثلة لبعض حالات الظروف الاستثنائية وهي الحروب والكوارث غير المتوقعة، وأعطى سلطة تقديرية للقاضي أن يرد الالتزام المرهق إلى الحق المعقول بعد اجراء الموازنة بين مصلحة الطرفين.
شروط تطبيق النظرية
هناك ثلاثة شروط يجمع عليها شراح القوانين فيما يخص تطبيق نظرية الظروف الطارئة والقوة القاهرة وإن اختلفت تفسيراتهم لها فبعضهم يتوسع في تحديدها وبعضهم يضيق التفسير ويقصرها على بعضها وإن كان الجميع يتفقون على هذه الشروط .
1- أن يكون الظرف أو الحادث استثنائياً إما لأنه نادر الحدوث كالجوائح والفيضان والجراد والزلازل والوباء، أو استثنائياً بطبيعته كالحروب والأوبئة والتشريعات أو الأوامر الإدارية الصادرة من السلطات العامة.
2- أن يكون الحادث عاماً بمعنى أنه لا يخص المدين أو الملتزم لوحده بل يشمل كل من على شاكلته بحيث يصل أثره إلى عدد كبير من الناس سواء في البلد عامة أو إقليم معين أو طائفة معينة ومن ذلك أيضا أن لا يكون للمدين أو الملتزم دخل فيه فإذا كان السبب راجعُاً اليه فلا يستفيد من تطبيق هذا الاستثناء.
3- أن يكون الحادث غير متوقع ولا يمكن دفعه فلا يتوقعه المدين أو الملتزم وقت إنشاء العقد أو أثناء التنفيذ أما أن كان يمكن توقعه فإن كان يستطيع دفعه فهو ملزم وإن لم يستطع دفعه فقد أصبح من ضمن المشمولين بنظرية الظرف الطارئ والقوة القاهرة.
ذلك في ما يتعلق بالشروط الواجب توافرها عند تطبيق نظرية الظروف الطارئة والقوة القاهرة أما ما يتعلق بالمدين أو الملتزم فيشترط فيه يؤدى تطبيق العقد أو الالتزام أن يصبح تنفيذه مستحيلاً وهنا ينقضي الالتزام في مواجهته فلا يتحمل تبعة تنفيذه بسبب القوة القاهرة التي حالت دون التطبيق أو يصبح الالتزام مرهقا له بحيث يهدده بخسارة فادحة لا يستطيع معها المضي في تنفيذ العقد فلا ينقضي الالتزام في مواجهته بل يرد إلى الحد المعقول وبالتالي يتحمل طرفا الالتزام التبعات المترتبة على حدوث الطارئ من الأمر حتى يزول ثم تعود المسؤولية التعاقدية إلى سابق عهدها.
ومعيار الإرهاق قد يكون تحديده بناء على أسس موضوعية أو شخصية فإذا كان الإرهاق يعتمد على شخصية الملتزم بمعنى أنه لا يستطيع هو بينما غيره قد يستطيع مثل اختلال التوازن الاقتصادي بين التزامات الطرفين فالتقدير يجب أن يرجع إلى المدين العادي أو المتوسط وهذا الرأي أي الأخذ بمعياري الإرهاق الموضوعي والشخصي هو ما يؤيده عميد القانون الأستاذ عبدالرزاق السنهوري الذي يقول:
“وإرهاق المدين لا ينظر فيه إلا للصفة التي أبرم في شأنها العقد، فلو أن المدين تهدده خسارة من جراء هذه الصفة تبلغ أصفاف الخسارة المألوفة كانت الخسارة فادحة حتى لو كانت لا تعد شيئاً كبيراً بالنسبة إلى مجموع ثروته”.
الظروف الطارئة والتعميم الوزاري رقم (3) 2018م
لقد أحسنت قيادة الوزارة صنعاً حينما اتجهت إلى معالجة أوضاع منتسبي السلطة القضائية وغيرهم ممن يتحملون آثار هذا العدوان الهمجي فقد جاء التعميم بفضل دراية وحكمة قيادة وزارة العدل ممثلة بفضيلة القاضي أحمد عبدالله عقبات وزير العدل ولنا ملاحظات على فقراته تتمثل في الآتي:
1 – أن التعميم جاء ليعالج أوضاعاً عامة تعيشها البلاد في ظل عدوان همجي لا يستثني أحداً، وهو أن ذكر موظفي السلطة القضائية بشكل خاص ليس معنى ذلك أنه لا يستفيد منه سواهم بل انه يشمل كل من توفرت فيه تلك الشروط.
2 – أن التعميم نص على استثناء طائفتين من الموظفين في الاستفادة من تطبيق نظرية الظروف الطارئة وهم الآتي:
أ- الموظفون الذين لديهم مصادر دخل أخرى إلى جانب رواتبهم
ب – الموظفون الذين يتقاضون مرتباتهم من الجهات التي يعملون بها طيلة فترة العدوان مما يؤكد أن التعميم جاء متوازنا في تحقيق المصلحة الوطنية لجميع الناس فلا يفرق بين حالة وأخرى.
إن التعميم أهاب بجميع أبناء اليمن أهمية تغليب الجانب الإنساني والوطني على الجانب المادي تجسيداً لمبدأ التكافل الاجتماعي برزت من خلال نماذج مشرفة فكانوا آباءً واخواناً للموظفين مما انعكس أثره إيجابياً على الصمود امام العدوان الهمجي كما أنه حثهم على الصبر فقد أكد على عدم ضياع حقوقهم أو الانتقاص منها لدى الموظفين المستأجرين الذين لا دخل لهم سوى رواتبهم وبالتالي فقد دعا الجهات المعنية التي يعملون فيها إلى أن تقدم الضمانات اللازمة للوفاء بالإيجارات المستحقة للمؤجرين.
إن العدوان الهمجي الغاشم سينتهي وستزول آثاره بإذن الله سبحانه وتعالى وسينتصر اليمن أرضاً وحضارة وقيماً ومبادئ لأن الحق اسم من أسماء الله وإذا كان للباطل جولة فإن دولة الحق والعدل إلى قيام الساعة والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون قال تعالى “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين” والله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى مكر لكنه من باب المقابلة بالمثل جعل ابطال المكر مكراً والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
هامش:
*”الوسيط في شرح القانون المدني” أ. د عبدالرزاق السنهوري