لا وجود لثورة دون بنا ء المؤسسات!

عبد العزيز البغدادي

حين نضع أقدامنا على أول خطوة في طريق بناء المؤسسات ابتداء بمؤسسة الرئاسة نكون قد خطونا الخطوة الأولى في اتجاه تحقيق أهداف الثورة؛
الثورة التي نرى أنها ليست واقعة تاريخية يتم الإعلان عنها ورفع شعاراتها والحديث عن أهدافها في وسائل الإعلام لكنها فعل مستمر غايته تحقيق الأهداف في واقع الحياة؛
في 11 /فبراير 2011خرج الناس في اليمن كما في تونس ومصر وليبيا وغيرها من الأقطار العربية في حراك أسمي ثورات الربيع العربي وكان مطلبهم الأساس إجراء إصلاحات وبعد استخدام العنف في قمع المتظاهرين تحول إلى المطالبة بتغيير النظام ثم برحيله وكان المقصود إنهاء نظام الاستبداد ورفض هيمنة نظام الفرد الذي اعتاد أن يجعل المؤسسات طوع أمره ولا يجد من يقول له هذا ليس من حقك ، أنت موظف مؤتمن على استخدام سلطتك بما يحقق المصلحة العامة ولست من يحدد هذه المصلحة بل القانون والشرع والموظف له حقوق وصلاحيات وعليه واجبات والتزامات أمام المجتمع وأمام الله يحددها القانون ، ولفرط الخيلاء الذي أصيب به بعض الرؤساء فقد اعتقدوا أنهم على حق في كل ما يفعلون دون أي اعتبار للنظام المؤسسي بل ومن حقهم الوقوف ضد بناء المؤسسة مالم تكن وفق أهوائهم أو على مقاسهم وذويهم ومحاسيبهم وقد أباحوا هذا السلوك لأعوانهم ليكون مباحاً لهم دون حرج !!؛
هذا النوع من الرؤساء ينبغي أن يكون مرفوضا وأن يتغير نمط التفكير بإيجاد آلية تلزم كل رئيس بالإقلاع عن هذا التفكير وتطبيق الدستور والقوانين على الجميع وأن يقرأوا عهد الإمام علي كرم الله وجهه لمالك الأشتر بعقل منفتح وقلب نقي لما يحتويه من جواهر في أصول السياسة والاجتماع، وأن يقبلوا النصح بسعة صدر وبروح الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه متمثلين قوله المشهور (رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي) أي أن يبحثوا عمن ينتقدهم لا أن يضيقوا بمن يحرص على نصحهم؛
لقد رأينا نماذج من الرؤساء أعطيت لهم صلاحيات أو سلبوها بمساعدة النخب السياسية اللاهثة وراء مصالح خاصة باستخدام الوظيفة العامة من هذه النماذج الرئيس الفار عبد ربه الذي حددت رئاسته المبادرة السعودية بسنتين وأقسم أمام العالم يوم تنصيبه ألا يقبل التمديد بأي شكل ليتحول بعد هروبه إلى عدو اليمن إلى رمز للشرعية التي ينبغي أن يموت الشعب اليمني من أجل إعادتها وعلى القوى السياسية الوفية لشعبها أن تصفق لذلك وتستلم راتبها بالسعودي !،
تم الالتفاف على الثورات ومنها ثورة اليمن أو الحُلم بالثورة وتحولت إلى كوارث وكان عبد ربه هادي هو عنوان هذه الكارثة في اليمن كما وصفته مجلة: (ديرفريتاج الألمانية) في تقرير خاص بالشأن اليمني الاثنين 19/سبتمبر/ 2016م؛
وقالت الصحيفة أن الرئيس هادي أسوأ رئيس أنجبته اليمن على الإطلاق أو يمكن أن نتخيل أنه أسوأ رئيس في العالم حسب قولها!؛
وكيف لا يكون الأمر كذلك وشرعيته من صنع السعودية ومبادرتها المسماة بالخليجية بإشراف أمريكي بريطاني التي استخدمت الصلاحيات الرئاسية القاتلة أسوأ استخدام بادعاء أن هادي طلب من السعودية قتل الشعب اليمني من أجل أن يعود فخامة الرئيس الشرعي !؛
وقد طبل وزمّر لتلك المبادرة التي كانت بحق وثيقة الثورة المضادة بامتياز من كان يرى فيهم الناس طليعة المجتمع، وكان يكفي هؤلاء العباقرة لرفض أن يصبحوا عرّابيها والمنظّرين لها علمهم بمن صنع المبادرة وبكل أسف لم يكتف أحدهم بالتنظير بل أرعد وأزبد في وجه معارضيها، نعم رحبت بهذه الكارثة نخبة من زعماء الأحزاب والسياسيين اليمنيين الذين كان تفكيرهم في ذواتهم يشغلهم عن إعطاء ولو بعض الاهتمام الجاد ببناء المشروع الوطني، وبهذا الاستهتار بموقع الرئاسة أظهروا عدم اكتراثهم بالشأن العام وبمن سيكون رأس الحكم وهم يعلمون علم اليقين أن منصب رئيس الجمهورية في اليمن قد أسندت إليه صلاحيات أقرب إلى صلاحيات الإله منها إلى صلاحيات الرئيس ونستغفر الله عن أي تجاوز في هذا القول؛
الرئيس ينبغي أن يكون موضع المساءلة إن أخطأ أو تجاوز إن أردنا بناء وطن حقيقي ينمو ويتطور ويبذل جهده في تحقيق العدل ويحترم الحقوق والواجبات ويحرص على المال العام ولا يتدخل في شؤون القضاء وإن كان من واجبه العمل بجد في استخدام ولايته العامة وفق القوانين للبحث عن أفضل السبل في اصلاح الاختلالات التي تعاني منها مؤسسات القضاء وتنقيتها من القضاة الفاسدين وما أكثرهم وبعد ذلك ينبغي احترام استقلال القضاء الرئيس يجب أن يقبل النقد ويعمل على احترام الرأي العام ويتابع وسائل الصحافة والتواصل لمعرفة أخطائه وأخطاء بقية المسؤولين بتجرد وتحري المصداقية وتلافيها مستقبلاً ولا يتمسك بالصلاحيات الواسعة التي كان من سبقه قد سطا عليها أو اعتبرها ميراثاً تمسك بحقه فيه ولا يقبل بأن يستغل عضو في المجلس السياسي موقعه ونفوذه لمصالحه أو لدعم أصحابه ويرفض النفاق و المنافقين ومن يحاولون بنفاقهم خلق حالة من التعالي لديه يبعده عن رؤية الحقائق ؛ إذا لم تراع هذه الأمور فإن أي شعب سيكون عرضة لأن يحكمه رئيس من نفس فصيل هادي وصالح وغيرهما !؛ إذا لم يتيقظ ويتمسك بحقه في تقييم اعوجاج رؤسائه، وأي رئيس لا يضع في اعتباره كونه كأي موظف عام لدى الشعب وعليه احترام واجبات وظيفته فسيكون من نفس الفصيل ولينتظر المصير الذي يستحق والتجارب كثيرة لمن يعتبر ونحن على ثقة بأن الرئيس يعي هذه الحقائق لأنه آت من مكون ثوري ولكنه واجب النصح، وبالله العون.
تطلّع إلى الشمس
وانسج بضوئك نبض الحياة
قاوم رموز النفاق
والفظ بقايا الفساد
سقهم إلى المزبلة.

قد يعجبك ايضا