> نحتاج لدور الدولة والجمعيات الخيرية
بعيدا عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي حكمت على بعض الناس أن يصابوا بالمرض النفسي فإن الحاجة ماسة وضرورية أن يجد هؤلاء الرعاية والاهتمام في ظل مرضى نفسيين تمتلئ بهم الشوارع.
محافظة الحديدة خير شاهد على ذلك فرغم كثافة المرضى من هذا النوع إلا أنه يوجد فيها إلا مستشفى واحد يستقبل هذه الحالات لكنه بسبب كثافة الإقبال يعمل في ظل أوضاع تحتاج إلى لفتة كريمة من وزارة الصحة ومن مكتب الصحة في المحافظة..
(الثورة) نقلت أوضاع المرضى النفسيين في الحديدة ووضع المستشفى الوحيد الذي يستقبل هذه الحالات من خلال الحصيلة التالية:
❊ ينتشر العديد من المرضى المصابين بالأمراض النفسية في شوارع مدينة الحديدة بصورة تشعرك بقصور الجهات المعنية التي تترك هؤلاء دون أن تأخذهم إلى المصاحات العقلية .. وباختلاف مستوى المرض لدى هؤلاء المرضى .. فبعض هؤلاء يكون قد وصل إلى حالة متقدمة من المرض ويشكل خطورة على المجتمع ومع ذلك يترك دون أي رعاية من قبل الجهات الرسمية التي تقول أنها لا تقدر على استيعاب كل تلك الأعداد الكبيرة من المرضى الذين ينتشرون في شوارع مدينة الحديدة نظرا لعدم قدرته لتوفير المكان الكافي لهم أو العلاجات الغالية الثمن .. وبالكاد (يعمل القائمون على مستشفى دار السلام) على معالجة تلك الأعداد الكبيرة الموجودة في الدار وهي أعداد كبيرة .. مقارنة بقلة الكادر والإمكانات المادية والأجهزة المتوفرة .. هذا الأمر يجعل عملية إخضاع هؤلاء المرضى للعلاج صعباٍ ولا يمكن .. فالدولة بحاجة إلى توفير دور توازي بناء المسشتفيات العامة والحكومية الأخرى.
رعاية مجتمعية
❊ ومستشفى دار السلام بالحديدة أنشئ عام 1976م من قبل الدولة ليكون عبارة عن مأوى للمرضى المصابين بالأمراض العقلية وتوفير غرف رقود لهم دون أي رعاية طبية .. إلا إن ذلك المبنى أو المنشأة تطورت بعد أن قام العديد من رؤوس الأموال في محافظة الحديدة ونظرا لانتشار بعض الأمراض في الشوارع إلى تطوير ذلك المبنى والاهتمام بالمرضى والإسهام في توفير الاحتياجات المختلفة للمرضى بداخله .. عن طريق تأسيس جمعية خيرية (تعنى بهذه المنشأة) وبالفعل تم بناء العديد من المرافق إلى جانب البناء القديم وتوفير العديد من الاحتياجات .. سواء كانت تلك المبالغ من قبلهم أو عن طريق التنيسق مع بعض المنظمات والجهات المانحة.
❊ وبحسب إفادة مدير المستشفى الدكتور عبدالكريم النجدي حول المتكفل بدعم المستشفى قال: (إن الدولة تقوم بدعم المستشفى بـ40٪ من الاحتياجات المالية بينما يتكفل أهل الخير من رجال الأعمال بما يصل إلى 60٪ من تلك الاحتياجات..)
إلا أن تلك الرعاية والإهتمام التي تقدم من قبل رؤوس الأموال أو من قبل الدولة لم توصل مستشفى دار السلام بالحديدة إلى الإكتفاء فما يزال المستشفى ينقصه العديد من الاحتياجات الطبية والكادر الفني والأدوية اللازمة لعلاج تلك الأمراض المتعددة.
دار واحدة لـ 4 محافظات
❊ حيث يتردد المرضى النفسيين والعقليين على مستشفى دار السلام بالحديدة من عدة محافظات لتلقى العلاج أو لأخذ الجلسات الطبية الدورية .. فمن محافظة (الحديدة – والمحويت – وحجة – وريمة) وأجزاء من محافظات (صنعاء – ذمار – وتعز) كون بعض تلك المحافظات لا يوجد بها مستشفيات أو مصحات لعلاج المصابين بتلك الأمراض .. الأمر الذي يشكل كثافة كبيرة على مستشفى السلام بالحديدة والذي يستقبل آلاف المرضى خلال العام وهو ما يحمل القائمين عليه تبعات كبيرة ويجعلهم يبذلون الكثير لمواجهة كل تلك الحالات المرضية .. لكن ومع ما يبذل من جهود من قبل الكادر الفني والطبي داخل المستشفى للايفاء بعلاج ورعاية أؤلئك المرضى يحتاج الأمر وكما يقول القائمون على المستشفى من الدولة العمل على فتح مصحات ومستشفيات نفسية في كل تلك المحافظات وتوفير الكادر الطبي والفني والميزانية لتلك المنشآت نظرا للأعداد الكبيرة من المصابين بالأمراض النفسية والعقلية .. خاصة أن مستشفى دار السلام بالحديدة يعجز في العديد من الأوقات القيام بعلاج بعض الحالات نظرا لكثرة المرضى المترددين.
لا عزل حسب المرض
❊ كثيرة هي الأمراض النفسية والعقلية وعديدة هي اسماؤها وتوصيفها .. وفي مستشفى دار السلام بالحديدة أيضا تتعدد تلك الأمراض بتعدد المرضى المصابين بها والذين يتلقون العلاج بداخله .. ومن تلك الأمراض (الفصام والصرع والقلق والاكتئاب والتخلف العقلي وامراض الخوف وشلل العصب السابع والجلطات الدماغية….) إضافة إلى الأمراض النفسية والعصبية الأخرى التي يقوم المستشفى بالإسهام في علاجها سواء كان المرضى هم من القاطنين بداخل المستشفى أو الذين لا يسمح لهم الخروج من الدار أو ممن يترددون على المستشفى أملاٍ منهم في الحصول على علاج أو استشارة طبيب أو ..
وفي (المستشفى) أيضا مرضى يصابون بنوبات وقتية محددة وآخرين يتحدثون معك فتظن أنهم عقلاء لكن ما هو إلا وقت بسيط حتى تتغير لهجتهم وتضيع عقولهم ويدخلون في عالم فقدان العقل .. وتنصح حينها من قبل الأطباء بالمغادرة حفاظا على نفسك من الإيذاء ومن المرضى أيضا من لا يستطيع التمييز أو إدراك ما حوله .. أما من يأتون لتلك العلاج فقط فهؤلاء أحسن حالا .. وهم من أصحاب الاضطرابات النفسية أو الأمراض النفسية الخفيفة والمتوسطة .. وهم يحتاجون لجلسات علاجية منتظمة .. لكن الإهمال أو عدم الالتزام بالعلاجات والأدوية قد يؤدي إلى تدهور الوضع الصحي لديه.
إلا أن جميع تلك الحالات الموجودة داخل مستشفى دار السلام بالحديدة ومع اختلاف أمراضهم وتعددها فهم يتخالطون فيما بينهم ولا فصل بحسب الأمراض أو الحالات المرضية ومستوياتها .. والعلة في ذلك وكما يقول القائمون على المستشفى تكمن في قلة المباني والكادر الطبي والفني الموجود الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى حصول العديد من الإشكالات التي تكون نتاج لحصول تطور أو سوء في حالة مرضية .. من المرضى الموجودين في داخل المستشفى .. الأمر الذي يوجب على الدولة وبالتحديد وزارة الصحة القيام بالعمل على توفير المباني والاحتياجات الكافية لفصل هؤلاء المرضى نظرا لخطورة بقائهم مختلطين.
المرضى بين المستشفى والشارع
❊ نظرا للكلفة المالية التي يحتاجها المريض المصاب بمرض نفسي أو عقلي سواء الرعاية الطبية أو الأدوية والأجهزة الصحية التي تعد هي الأغلى على الإطلاق .. وهي مبالغ مالية كبيرة أكبر من تلك المبالغ التي قد تصرف على أي مرض آخر .. إضافة إلى الأعداد الكبيرة التي يقوم مستشفى دار السلام بالحديدة بعلاجها سواء الذين في داخله أو ممن يترددون عليه .. لهذه الأسباب أو لغيرها يعزف العديد من المواطنين عن علاج ذويهم المصابين بتلك الأمراض نظرا لقلة الإمكانات المادية لديهم .. الأمر الذي يؤدي إلى ترك المريض يواجه مرضه الذي يتضاعف كل يوم ويسير من سيء إلى اسوأ ومعه تصعب حالته وتزيد التكاليف المالية التي يتطلبها علاجه ..
كل ذلك يجعل من ذوي المرضى يتخلون عن مرضاهم ويتركونهم للشوارع ليكونوا سبباٍ في إزعاج الناس وتخويف أطفالهم وتعكير صفو الطرق والحارات. فالبعض من شوارع وأحياء مدينة الحديدة لا تخلوا من مجنون هنا أو معتوه هناك قد فقدوا عقلوهم جراء صدمات نفسية أو مشاكل أسرية أو نتاج لتوارث صفات عقلية.
إلا أن الدولة والجهات المعنية وبسبب محدودية الإمكانات وقلة الكادر لا تأبه بتلك الأعداد خاصة وأن أولئك المرضى (المجانين) لا متابع لهم ولا مهتم لأمرهم فهم من تخلى عنهم ذويهم لأسباب مختلفة وتركتهم الدولة.
مواطنون شكوا من وجود تلك الحالات في الشوارع وطالبوا الدولة بتحمل مسئولياتها في علاج هؤلاء المرضى وكذا العمل على تجنيب المواطنين وأطفالهم مما قد يتعرضون له منهم .. داعين الدولة للعمل على إنشاء مبانُ صحية تعنى بالمرضى العقليين الذين يتواجدون في الشوارع ..
وفي مقابل أولئك المرضى الذين حرموا من العلاج يلزم المرضى القاطنون في مستشفى دار السلام للأمراض النفسية والعقلية بالحديدة برسوم يقال أنها رمزية وهي مبالغ مالية تتراوح ما بين (005-0001) يوميا تعطى للمستشفى مقابل توفير بعض الأدوية ورسوم رمزية للأجهزة والمعدات التي يحتاجها المريض.
عجز في الكادر
❊ قليل هو الكادر الطبي المتخصص في علاج الأمراض النفسية والعقلية على مستوى الوطن عموما .. فالدولة لا تعمل على تخصيص مقاعد طبية كافية لدراسة هذا النوع من الأمراض .. الأمر الذي يؤثر على المنشآت الطبية والصحية المعنية بعلاج مرضى الأمراض النفسية والعقلية فينتج عن ذلك ضعف في علاج المرضى ..
ومستشفى دار السلام بالحديدة هو واحد من المستشفيات التي تعاني من قلة الكادر الطبي والفني الذي يناط به علاج المرضى سواء المتواجدين في المستشفي أو المترددين عليه من داخل وخارج المحافظة ..
ومع ذلك فالدولة أيضا لا تقوم بإرسال الكادر الطبي المتخصص في هذا المجال إلى المستشفى .. إذ أن كل ما ارسلته الدولة إلى المستشفى لمواجهة أعداد المرضى المتزايدة سواء من الأطباء أو من الكادر الفني لا يتجاوز 30٪ بينما يمثل 70٪ العاملين في المستشفى بمختلف الأعمال الطبية والفنية التي يمارسونها .. الأمر الذي يضع علامة استفهام على مدى حرص وإهتمام الدولة على هذه الشريحة من المجتمع التي تعرضت للمرض ..
ويجدر الإشارة هنا من أن 70٪ من المتعاقدين مع المستشفى يتم دفع مستحقاتهم من ميزانية المستشفى والتي يدفع أغلبها رجال الأعمال المهتمون برعاية المرضى ..
وعلى مستوى الإمكانات في المستشفى وبالرغم من التطور الحاصل فيه من حيث المباني والغرف والأجهزة الموجودة إضافة إلى النظافة التي باتت واضحة والإهتمام الذي توليه إدارة المستشفى للمرضى فيه .. فخلال المرحلة القليلة الماضية تم إنشاء 3 أقسام وهي قسم رقود (رجال – نساء) وقسم الإدارات والعيادات الخارجية وقسم ثالث يتعلق بالمخازن والمطبخ والمغسلة ..
ففي غرف الرقود تم إنشاء24 غرفة بعضها للرجال والآخر للنساء .. وفيما يتعلق بالعيادات تم إنشاء مختبر وتوفير جهاز تخطيط الدماغ (E.E.C) وهو جهاز يستخدم لقياس النشاط الكهربائي للدماغ .. كما تم توفير الجهاز المعني في تشخيص حالات الصرع وتحديد أماكن الأورام والجلطات الدماغية .. إضافة إلى افتتاح عيادة العلاج الطبيعي والتمريض وعيادة البحث النفسي.
إلا أن ذلك غير كاف خاصة وأن تلك الأجهزة والمعدات والمباني تم دفع غالبية مبالغها على نفقة أهل الخير كما يقول بعض العاملين في المستشفى .. ولم تسهم الدولة إلا بالشيء البسيط .. فالمستشفى يحتاج اليوم إلى توسعة سريعة في المباني ليستوعب تلك الأعداد المتزايدة سواء لمن هو في الداخل أو للمترددين عليه وكذا العمل على إيجاد غرف كافية لفصل المرضى الخاضعين للعلاج حسب توصيف أمراضهم وبحسب الحالات المرضية لهم ومستوياتها .. توفير الكادر الطبي والفني المتخصص أصبح أمراٍ ضروريا يتطلب الواقع بسبب الحاجة لتلك الأعداد من الكوادر الطبية المتخصصة.
كما لا يزال المستشفى يحتاج إلى توفير العديد من الأجهزة الطبية التي يتطلب توفيرها لمعالجة المرضى العقليين والنفسيين.
أسباب متعددة
❊ يقول القائمون على المستشفى أن أغلب من يتلقون العلاج عندهم ممن هم في داخل المستشفى أو من خارجه يتم تحسن حالاتهم المرضية بعد تلقيهم للعلاجات وللجلسات الطبية التي يشرف عليها أطباء .. إلا أن البعض منهم لا يلتزمون بتوجيهات الأطباء من حيث تناول الأدوية والابتعاد عن تناول القات كونه يؤدي إلى تدهور الحالة للمرضى النفسيين والعقليين .. الأمر الذي يؤدي إلى حصول انتكاسة جديدة للمريض وربما تصبح حالته أسوأ من السابق ..
وعن الأسباب التي كانت سببا في تزايد أعداد المرضى المصابين بالأمراض العقلية والنفسية قال الدكتور عبدالكريم النجدي .. (ثمة أسباب متعددة منها ما يكون بسبب الأوضاع الاقتصادية والمادية ترافقها مشاكل قاسية تؤدي في بعض الأحيان إلى دخول بعض الأشخاص في حالات مرضية خفيفة لكنه ومع الإهمال تتطور حالة الشخص ليصبح مريضاٍ بأحد الأمراض النفسية أو العقلية .. فيتطلب حينها إلى العلاج والإشراف الطبي والسبب الآخر قد يصاب الشخص بمرض له ارتباط وراثي .. لكن ومع كل الحالات يتطلب الأمر إلى عدم التساهل وضرورة عرض الحالة على أطباء متخصصين للوقوف على المريض وتشخيص الحالة المرضية والعمل على علاجها..
وأخيرا
❊ تعد الأمراض النفسية والعقلية جزءاٍ لا يتجزأ من من بقية الأمراض التي يتطلب على الدولة بل توجب توفير المنشآت العلاجية والأدوية والكادر الطبي المتخصص لعلاج أولئك المرضى الذين هم جزء من هذا الوطن المنكوب فيه الجميع سواء الأصحاء أو الذين فقدوا عقولهم ولم يصبحوا يكترثون بحالهم أو بما تعيشه البلاد من أزمات متعددة وفي مجالات مختلفة ..
إن على الدولة اليوم أن تلتفت إلى هذه الشريحة من المرضى النفسيين وأن تولي هذا النوع من المنشآت الطبية اهتماماٍ كبيراٍ حتى يتسنى لهؤلاء اليمنيين العودة إلى وضعهم الطبيعي ويمارسون حياتهم بكامل صحتهم النفسية والعقلية والجسدية.