*عدم تلقي الرعاية الصحية ونقص الوعي أبرز الأسباب
*الدكتورة نجيبة الشوافي: التثقيف ورفع وعي الأسرة وتوفر الخدمات يقلل من المخاطر المرتبطة بالحمل والولادة
تعترض الكثير من الأمهات اليمنيات العديد من المعوقات في سعيهن لتلقي الرعاية اللازمة لإنقاذ حياتهن مما يسبب وفاتهن أثناء الحمل والولادة أو أثناء فترة النفاس وقد حققت الدول ومن بينها اليَمَن الكثير من التقدم في خفض وفيات الأمهات، إلا أن هذه النتائج لا تزال غير مرضية ولا يزال عدد الوفيات مرتفعاً بشكل غير مقبول
وتعتبر عملية الحمل والولادة طبيعية إلا أنها لا تزال في بلادنا رحلة محفوفة بالمخاطر حيث تموت الكثير من الأمهات لأسباب تتعلق بهذا الحدث الطبيعي إذ تعتبر فترة الحمل أو الوضع أو خلال 42 يوماً بعد الوضع هي الفترة الأكثر خطراً.
وأوضح مؤشر المسح الديموغرافي لصحة الأسرة في اليَمَن أن عدد وفيات الأمهات في اليَمَن (365) لكل مائة ألف ولادة حية، وهو رقم يجب التركيز عليه، وعدم إغفاله من قبل الجميع؛ لأنه مسؤولية عامة يجب التنبه إلى أهميتها وخطورة إغفالها، والعمل على تفعيل العوامل التي تخفض هذا الرقم المخيف خلال السنوات الست القادمة بهدف تحقيق إستراتيجية الألفية التي وضعتها وزارة الصحة العامة والسكان لتخفيض وفيات الأمهات..
منار البالغة من العمر 22 عاما لم يستطع زوجها حسان إنقاذ حياتها أو حياة طفلته الجديدة فقد توفيت الطفلة مع والدتها في أحد المستشفيات الحكومية بالعاصمة صنعاء بعد أن تم إسعافها ليشخص الطبيب حالتها على الفور أنها مصابة بالفشل الكلوي وإحالتها إلى قسم غسيل الكلى فلم تتحمل الأم الحامل وتوفيت على الفور.
وتقول لطيفة إبراهيم أن ابنتها توفيت في أثناء الولادة فقد تعسرت ولادتها وتم نقلها من قرية وصاب إلى المستشفى خارج المدينة وأخذ ذلك فترة طويلة لم تتمكن من إنقاذها فقد كانت تنزف بكثرة وفارقت الحياة في الطريق وان قريتهم لا تتوفر بها الرعاية الطبية المتكاملة ولا توجد سوى بعض القابلات.
إحصائيات مخيفة
أظهرت نتائج المسح الوطني الصحي الديموغرافي 2013م الذي نفذته وزارة الصحة العامة والسكان بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء تحسنا ملحوظا في المؤشرات الصحية المتعلقة بالأسرة في اليمن خاصة المتعلقة بالنساء والأطفال .
وأوضحت نتائج المسح التي أعلنتها وزارة الصحة العامة والسكان أن معدل وفيات الأمهات في اليمن انخفض إلى 148 حالة وفاة لكل 100 ألف مولود حي ، وان وفيات الأطفال دون سن الخامسة من العمر انخفض إلى 53 وفاة لكل ألف مولود حي ووفيات الرضع إلى 43 وفاة لكل ألف مولود حي .
وأشارت المسوحات في عام 1997 أن حوالي 25 % من النساء في الفئة العمرية لسن الإنجاب يعانين من سوء التغذية وأن نسبة 47 % من الولادات ترافقت مع أعراض جانبية منها النزيف والتشنجات، وأن حوالي 37 % من السيدات ينجبن في فترات أقل من 24 شهراً بين ولادة وأخرى.
وأوضح تقرير المسح الديمغرافي لصحة الأسرة في اليمن أَن هناك أسباباً عديدة تقفُ وراء ارتفاع معدل الوفيات بين نساء اليَمَن من ضمنها النزيف الحاد الذي يظهر أثناء الولادة وبعد الولادة، وأيضاً ارتفاع السكر وضغط الدم، بالإضافة إِلَى النزيف الكثيف للدم، كما ارجع العديد من الأطباء ارتفاع حالات الوفاة إِلَى خطورة الزواج المبكر قبل سن الإنجاب.
عوامل متعددة
ولم تكن الأسباب الطبية وحدَها وراء استمرار وفيات الأمهات أثناء الحمل أو المخاض فهناك عوامل أخرى تعود بعضها إلى تدني مستوى خدمات الرعاية الصحية في بعض المستشفيات أو شحة الإمكانيات المادية المرصودة لرعاية الأم الحامل.
كما ترجع حالات الوفاة بعد النفاس ترجع إلى عوامل خطيرة منها: الإنجاب المبكر والمتأخر وتكرار الحمل والولادة بدون فاصل زمني أقل من ثلاثة أعوام وقلة وعي المجتمع بأن المرأة الحامل معرضة لمخاطر الحمل والولادة وما بعدهما، والولادة بأيدي غير مدربة.
وبمراجعة أسباب وفيات الأمهات في اليَمَن يتضح أن الريف هو السبب الأول للوفاة 39 % يلي ذلك تعسر الولادة 23 % ومن ذلك تتضح لنا أهمية توافر خدمات رعاية الحمل للتعرف على حالات الحمل والخطر وإحالتها إلى المختصين وقبلها وعي الأسرة بأهمية الرعاية للحامل ومراجعة المراكز التخصصية، وكذا أهمية الإشراف على الولادة من قبل أطباء أو قابلات مدربات ومؤهلات مع توافر خدمات الطوارئ التوليدية للتعامل مع الحالات الحرجة.
وخلال العقد الماضي أوضحت الدلائلُ أن الأمومة يمكن أن تكون أكثرَ أماناً لجميع النساء، حيث وضعت مجموعة من الاستراتيجيات وتدابير إنقاذ الحياة التي يمكن تطبيقها حتى في البيئات والمجتمعات ذات الموارد المنخفضة ومن أهمها التثقيف ورفع وعي الأسرة باكتشاف علامات الخطر أثناء الحمل والولادة وطلب الخدمة، ووضعت لذلك معاهدات دولية وقعت عليها جميع الحكومات في سائر أنحاء العالم ومن المعروف أن الحصولَ على خدمات رعاية الحمل يقي من وفيات الأمهات وإن معظم الولادات في اليَمَن تتم في المنزل دون إشراف من مختصين صحيين مؤهلين وتصل هذه النسبة إلى 82.2 ٪ في الريف مقارنة بـ59.5 ٪ في الحضر نتيجة للعادات والتقاليد، ولكن السبب الحقيقي يكمن في تدني الوعي وضعف التثقيف بأهمية الولادة تحت إشراف كادر مؤهل، ومن ناحية أخرى فإن معدلَ استخدام خدمات ما بعد الولادة منخفض للغاية %12.6 حيث أن معظم السيدات لا يلجأن إلى الحصول على أية رعاية بعد الولادة وتزيد نسبة عدم المستخدمات بين الريفيات عنها في الحضر نتيجة للأسباب السابقة.
كانت تشكل نسبة وفيات الأمهات في اليمن أعلى النسب في الأعوام الماضية ولكن انخفضت النسبة عما كانت عليه سابقا حيث أصبحت تشكل وفيات الأمهات 25 % من وفيات النساء في سن الإنجاب 15 إلى 49 سنة وقد بلغت وفيات الأمهات بحسب الإحصائيات 148 حالة وفاة لكل 100000 مولود حي.
وتقول الدكتورة نجيبة عبدالغني الشوافي رئيسة الجمعية اليمنية للصحة الإنجابية أن هناك العديد من الأسباب الطبية لوفيات الأمهات الأكثر انتشارا في اليمن منها نزيف قبل أو ما بعد الولادة وارتفاع ضغط الدم والولادة المتعسرة والإصابة بالأمراض وتفاقمها كالملا ريا وأمراض القلب والسكري.
وتضيف الدكتورة الشوافي أن هناك الكثير من المعوقات أمام الأمهات في خلال سعيهن لتلقي الرعاية اللازمة لإنقاذ حياتهن مما يسبب تأخيرهن وحدوث وفاتهن مثل تأخير اتخاذ القرار في الوقت المناسب للتوجه إلى المرفق الصحي بسبب عدم إدراك النساء وأسرهن عن مؤشرات الخطر وأعراض المضاعفات التي تهدد الحياة مما تؤدي إلى تأجيل قرار السعي للحصول على الرعاية وكثيرا من النساء والأسر تجد صعوبة في اتخاذ القرار بشان التماس الرعاية الطبية بسبب الرعاية المتدنية او المعاملة السيئة في المرافق الصحية أو بسبب التكاليف الباهظة للخدمة وأيضا تأخير الوصول إلى المرفق الصحي المناسب واستغراق وقت طويل للوصول إلى المرفق الصحي الملائم بسبب عدم وجود المواصلات أو عدم وجود الإمكانيات المالية للنقل سريعا أو صعوبة الطرق أو ضياع الوقت أثناء الانتقال من مرفق غير ملائم إلى مرفق ملائم كذلك تأخير المعالجة المناسبة وتلقي النساء الرعاية الطبية اقل من المستوى او بطيئة في المرافق الصحية بسبب تدني نوعية الخدمة لافتقار بعضها للبنية الأساسية (المياه والكهرباء والمعدات الطبية) وبعضها تعاني من عدم وجود الكوادر أو نقص في تدريبها او عدم التزامها بالعمل وبعضها تفتقر لإمدادات الأدوية الأساسية وتوفير الدم الآمن.
ومن المشاريع التوعوية التي تقوم بها الجمعية ملتقى الأطباء والمختصون في الحد من وفيات الأمهات يوم غدٍ الأحد تحت شعار “معاً لتخفيض وفيات الأمهات”.
الطبيبة هدى الجماعي اخصائية نساء وولادة ترى بأن النساء في بلادنا خاصة في الأرياف واللواتي لا يتمكن من إيجاد الرعاية الصحية الكافية أثناء الحمل والولادة هن أكثر عرضة للوفاء، وكذلك النساء ذوات الدخل المحدود أو تحت خط الفقر واللائي لا يجدن قيمة الولادة خاصة حين تكون عملية قيصرية باهظة السعر فيلجأن إلى القابلات وهنا تكمن الخطورة في حالة حدوث نزيف أثناء الولادة مما يؤدي إلى وفاه الأم والجنين في أغلب الأحيان.
وتضيف الجماعي: نحن لا ننكر بأن المراكز الصحية تؤدي دورها، ولكن الإمكانيات المتوفرة لديها محدودة في الوقت الراهن، وهذا عائق أساسي للحد من وفيات الأمهات.
ومن جهتها توجه الدكتور/ عفاف الحيمي- اخصائية علم الاجتماع جامعة صنعاء، المجتمع بضرورة التوعية في معرفة السن المناسب للزواج سواء الذكور أو الإناث وكذلك البعد عن العادات والتقاليد الخاطئة التي تحدد سناً معينة للعنوسة لدى الفتاة والتي تعتبر الضحية الأولى في حين تزويجها في سن مبكرة وهي من تتحمل اعباء الحمل والولادة وقد يؤدي هذا الأمر إلى وفاتها وفقدان طفلها وهذا الأمر يؤثر على نفسيتها بصورة مباشرة وقد يدخلها في حالة الرهبة والخوف من الولادة مرة أخرى وكذلك تحمل مسؤولياتها كزوجة لهذا يجب على أرباب الأسر مراعاة أن تكون ابنتهم قد بلغت سن الزواج لتتمكن من تحمل مسؤوليتها بشكل أفضل.
وتذكر الدكتورة الحيمي أن هذه الأمور تؤدي إلى تأثر الأم نفسياً ويمكن الحد من هذه المشكلة كما تقول بأنه يمكن خفض نسبة الوفيات باتباع طرق الوقاية السليمة ورفع مستوى التوعية الاجتماعية لدى أرباب الأسر والاستفادة من الخدمات والرعاية الصحية الأولية.