بغداد/ وكالات
واشنطن لم تنسحب من العراق في نهاية العام 2011م وهي سعيدة بهذا الإجراء والأسباب كثيرة في هذا المضمار لعل أبرزها عدم قدرتها على تحقيق أيٍّ من أهدافها التي جاءت من أجلها لا المعلنة منها ولا المخفية، فقدرتها على التحكم بمفاصل العراق انتهت إلى غير رجعة، وادعاؤها بأنها جاءت لنشر الديمقراطية باء بالفشل، والعراقيون لم يعد بإمكانهم تحمّل التجاوزات الأمريكية بحق أبنائهم، فما كان منهم إلا أن ضغطوا باتجاه إخراج القوات الأمريكية وهذا ما حصل، لكن العقوبة الأمريكية لهذا القرار جاءت مكلفة جداً فقد اخترق “داعش” عمق البلاد الأمني ودمّر ما لم تستطع أمريكا تدميره، وتحوّل هذا التنظيم الإرهابي إلى ذريعة جديدة لدخول القوات الأمريكية من جديد إلى العراق وكان هذا في العام 2014م.
في العام 2014م ومع انتشار التنظيم الإرهابي في أغلب المحافظات العراقية بدأت واشنطن تحضّر نفسها لنشر قواعد عسكرية على امتداد العراق بهدف “محاربة تنظيم داعش” وبالفعل استمرت في بناء القواعد العسكرية هنا وهناك مستغلة الفوضى التي سببتها في العراق لاختراق مدنه والقيام بما يحلو لها هناك، ليصل عدد قواعدها اليوم إلى 12 قاعدة عسكرية خلال السنوات الثلاث الماضية.
في البداية وقّعت أمريكا اتفاقية عسكرية مع حكومة كردستان العراق على بناء خمس قواعد لها بمناطق تحت سيطرة الإقليم، القواعد الخمس، التي ضمنت في الاتفاقية تتوزع على الشكل الآتي: “قاعدة قرب سنجار، وأخرى في منطقتي أتروش والحرير، إضافة إلى قاعدتين حلبجة بمحافظة السليمانية والتون كوبري في كركوك”، وفقاً لمصادر عراقية.
وفي الموصل والأنبار، فإن القوات الأمريكية اتخذت قاعدتي “عين الأسد” في قضاء البغدادي و”الحبانية” في الأنبار كقاعدتين عسكريتين، عقب سيطرة تنظيم داعش على أغلب مدن المحافظة في 2014م.
وهناك معلومات تفيد بأن واشنطن قاربت على إنهاء تأسيس قاعدة لقواتها في مطار القيادة العسكري جنوبي مدينة الموصل، بعد تأهيل المدرج وبناء كانتونات سكنية لعوائل العسكريين، ولم تكتف القوات الأمريكية بقاعدة واحدة في الموصل، فقد شرعت بتشييد قاعدة أخرى عند سد الموصل، لكنها ليست بحجم قاعدة القيادة الجوية.
وفي محافظة صلاح الدين، تتخذ واشنطن قاعدة بلد الجوية مقراً لها للتحكم بطلعات طائرات “إف 16″ التي منحتها للعراق مؤخراً، أما في معسكر التاجي شمال بغداد، فتوجد قوة أمريكية لأغراض التدريب، وفقاً لستيف وارن المتحدث باسم البنتاجون.
وهناك معلومات أيضاً بأن هناك قاعدة أمريكية أخرى قيد الإنشاء في منطقة المنصورية بمحافظة ديالى.
وكانت السلطات العراقية قد أعلنت، يوم الأحد الماضي، افتتاح مقر أمني جديد للقوات الأمريكية في العراق داخل محافظة الأنبار، وكشف” فرحان محمد الدليمي” ممثل مجلس محافظة الأنبار لوسائل الإعلام المحلية العراقية، تفاصيل المقر الأمني الجديد، والذي يتيح للقوات الأمريكية فرض سيطرتها الكاملة على الصحراء الغربية العراقية بين محافظتي الأنبار ونينوى أقصى غربي العراق.
وأضاف: إن القوات الأمريكية، تمركزت بشكل مفاجئ شمال نهر الفرات بالقرب من الرمانة على الشريط الحدودي مع سوريا، وهو الموقع الذي جعل القوات الأمريكية صاحبة السيطرة على الصحراء بين محافظتي الأنبار ونينوى.
لازال هناك مجموعة من الأسئلة التي يمكن أن نطرحها فيما يخص الغايات والأبعاد السياسية والعسكرية التي ترسمها واشنطن في العراق بعد أن كادت ترتسم معالم الاستقرار على جبهاته، خاصة بعد أن تم تطهير أغلب المحافظات من التنظيم الإرهابي، فماذا تريد واشنطن اليوم إلى ماذا تسعى؟
إنه من خلال توزيع القواعد الأمريكية نجد أنها تملك قاعدة على الحدود العراقية – الإيرانية وأخرى على الحدود السورية – العراقية فضلاً عن المقر الأمني الذي افتتحته مؤخراً للسيطرة على الصحراء الغربية، صحيح أن ذريعتها هي محاربة “داعش” إلا أن الحقيقة أعمق من ذلك، فهي تريد كسر معادلة القوة التي تشكلها سوريا والعراق وإيران من جهة، وإيران وتركيا من جهة أخرى، وتبحث عن قطع أي نقاط ارتباط بين هذه الدول الأربع لاسيما طرق “محور المقاومة” الذي كان من المقرر القضاء عليه إلا أن ما حصل جاء عكس توقعات واشنطن في العراق وسوريا وإيران وبالتالي الحلّ اليوم هو زرع قواعد جديدة لمنع هذا الالتقاء وتخفيف بريق أي نصر قادم وتفريغه من محتواه.
كما أن أمريكا تعلم بأن تشكيل “ناتو عربي” لمواجهة إيران حلم بعيد المنال طالما أن هناك خلافاً بين دول مجلس التعاون الخليجي، كما أن هناك دولاً تربطها بإيران علاقات تاريخية واقتصادية وبالتالي موضوع تشكيله أمر مستبعد، ومن هنا وجدت واشنطن أن بناء مثل هذه القواعد سيشكل آلية ردع جديدة لإيران في المنطقة وتكون هذه القواعد بمثابة نقاط انطلاق لأي مواجهة مع إيران، خاصة وأن الأخيرة تمكّنت من الحفاظ على وحدة العراق على عكس ما كانت تخطط له أمريكا.
كثرة هذه القواعد بهذا الشكل تشكّل قلقاً كبيراً لمستقبل العراق وأمنه واستقراره وكأن واشنطن تحضّر لغزوه من جديد ولكن هذه المرة من الداخل، وبالتالي على العراقيين اليوم البحث عن حل لهذه الأزمة القائمة والتي لا يمكن تجاهلها مهما طال الزمن.
Next Post