شهادة تفوق بدرجة الامتياز لقناة ((المسيرة))

 

د. احمد عبدالله الصعدي

في صباح الجمعة 17/إبريل/1999م وأثناء عدوان حلف الأطلسي بقيادة أمريكا على صربيا قصفت طائرات الحلف مبنى التلفزيون الحكومي الصربي في وسط بلغراد . وأفادت المعلومات الأولية عن قتل عشرة أشخاص وجرح خمسة وعشرين واعتبار عدد آخر مفقودين . وكان القصف قد طال في أوقات سابقة مولدات الكهرباء ومحطات الإرسال والتقوية التلفزيونية والإذاعية المحلية. وبرر قائد عسكري أمريكي هذا العدوان الذي دمر وسيلة إعلامية مدنية وقتل وجرح العاملين فيها أنه من أجل إتاحة حرية الحصول على المعلومات الصحيحة للمواطنين الصرب والمعلومات الصحيحة في نظر هذا الجنرال هي التي تبثها وسائل إعلام القوى الأطلسية . إن التناقض الفاضح في موقف قيادة حلف الأطلسي المتمثل بتدمير مبنى التلفزيون الصربي وهو مؤسسة إعلامية مدنية ، وإدراج هذا الجرم تحت عنوان إتاحة حرية تدفق المعلومات أمر منسجم كليا مع مسلمات العقل الأمريكي الذي يرى أن أمريكا معيار مطلق للخير والشر وللخطأ والصواب ولما يصلح لبقية شعوب العالم وما لا يصلح لها حتى لو كانت تجهل ذلك أو تعارضه . وفي الحروب تعد كل الوسائل المؤدية للنصر مشروعة في نظر العقل العسكري والسياسي الأمريكي بغض النظر عن التشدق بالشرعية الدولية وبحقوق الانسان وبأخلاقيات الحرب . هذا العقل ذاته هو الذي يجلس في غرف إدارة الحرب العسكرية والإعلامية والاقتصادية على اليمن ، وهو الذي يستهدف مؤسساتنا الإعلامية الوطنية والإعلاميين منذ الساعات الأولى للعدوان ، وهو الذي أمر بحجب قناة ((المسيرة)) من النايلسات في أحدث عدوان عليها . في حالة قصف التلفزيون الصربي اضطر الأمريكي إلى الحديث مباشرة لتبرير القصف أما في حالة حجب قناة ((المسيرة)) فهو لا يحتاج إلى الظهور لأن المتسابقين على التبجح بالأفعال القبيحة والعاجزة كثيرون من مرتزقته المحليين لكن الدوافع هي ذاتها .
لننظر كيف تعيق قناة المسيرة ((تدفق المعلومات الصحيحة)) ما يجعلها هدفا خطيرا لقوى العدوان . تصور وسائل إعلام العدو السعودي والإماراتي ومن يدور في فلكهما القصف الجوي بكونه نظيفا ومتقنا لا يجرح ولا يؤذي أحدا غير الأهداف العسكرية البعيدة عن المدنيين والأعيان المدنية فتنسف المسيرة هذه الأكاذيب بصور مباشرة من الميدان حيث تتطاير دماء وأشلاء الأطفال والنساء وحيث يستهدف الناس في بيوتهم وأعمالهم وفي أسواقهم ومناسباتهم . تصور وسائل العدوان الحرب نزهة وتدعي تحقيق انتصارات كل يوم فيأتي الإعلام الحربي بصور من الميدان تظهر مقاتلا يمنيا يشعل المدرعات الأمريكية والبريطانية بالولاعات ، وشبانا يؤدون الرقصة الشعبية على الزامل فوق ظهر الإبرامز او البرادلي وجيش العدو ومرتزقته يلوذون بالفرار في كل مواجهة مباشرة يدخلونها . يروج إعلام العدوان أكاذيب عن العاصمة صنعاء والمدن الصامدة في وجه الاحتلال بكونها مدن أشباح فتبث قناة المسيرة تغطيات حية لمدن تنبض بالحياة وساحات ممتلئة حشودا جماهيرية وهتافات تبلغ عنان السماء بالموت لأمريكا وإسرائيل وأذيالهم من الأعراب . كل ذلك تفعله قناة ((المسيرة)) بوسائل بسيطة وبمراسلين لا يجلسون في غرف مكيفة ولا يطلون وجوههم بالمساحيق وأدوات التجميل بل بغبار الميادين ويؤدون أعمالهم بمظاهرهم البسيطة مثلهم مثل الملايين من أبناء هذا الشعب المكافح . مصداقية قناة ((المسيرة)) هي سبب تأثيرها في اليمن والوطن العربي والعالم وبفضل هذه المصداقية استطاعت مع وسائل الإعلام الوطنية الأخرى أن تشل فاعلية آلة الإعلام الجبارة المملوكة لدول العدوان . إن لجوء قادة الحرب العدوانية إلى حجب قناة ((المسيرة)) هو اعتراف بأن الحجب هو السلاح الوحيد المتبقي لديهم وهو إقرار بفاعليتها وبالعجز عن مجاراتها وهذا بحد ذاته شهادة لقناة المسيرة . شهادة نجاح بدرجة الامتياز و ((ومناقب شهد العدو بفضلها والفضل ما شهدت به الأعداء )).

قد يعجبك ايضا